نابلس - عزيزة ظاهر - النجاح الإخباري - حرمان الفلسطينيين من الوصول إلى البحر الذي يسيطر عليه الاحتلال، يجعلهم يستشعرون صورة البحر و البحيرة في كلّ تجمع مائي كبير، فمع تزايد كثافة هطول الأمطار هذا الشتاء، بات المئات من المواطنين يترقبون تشكّل "تجمع صانور المائي" أو كما يطلق عليه الكثيرون بحر أو بحيرة صانور.
وصانور قرية فلسطينية تقع إلى الجنوب من محافظة جنين، تحتضن مرجًا تزيد مساحة سهوله الزراعية عن (14) ألف دونم، و يعدُّ ثالث أكبر مرج زراعي في فلسطين، تعود ملكيته لمزارعين من بلدات صانور، وميثلون، ومسلية، وخربة الجربا، والحصة الأكبر لمزارعي صانور وميثلون.
وعن سبب التجمع المائي في المرج، يقول محمد جمال عيسة رئيس مجلس قروي صانور لـ"النجاح الإخباري" المرج بطبيعته الجغرافية محاط بالجبال من كلِّ الجهات مع عدم وجود مصارف كافية لتصريف مياه الأمطار، الأمر الذي سبَّب تجمع مياه الأمطار بشكل كبير وصل ارتفاعها في بعض أراضيه إلى (3) أمتار فوق سطح الأرض.
وحسب العيسة فقد تشكَّل هذا التجمع للمرَّة الأولى عام (1992)، حينها تحوَّل المرج إلى بحيرة ولم يجف إلا بعد انقضاء الصيف بطوله.
متنزه شتوي
الكثيرون وجدوا في مرج صانور المائي ضالتهم، فقد تحوَّل إلى مكان سياحي وانتشرت فيه عربات الباعة المتجولين، إذ يرتاد المئات من المتنزهين المكان كلَّ يوم جمعة، للاستمتاع بمشاهدة المياه والتقاط الصور التذكارية.
وعلى ضفة المرج التقينا بالشاب محمود الأسمر من مخيم جنين، و قد اصطحب خطيبته إلى البحيرة على حدّ تعبيره ليلتقط معها الصور التذكارية وليستمتعوا بجمالية المنظر عن كثب، إذ لا يسمح لهم بزيارة المدن الساحلية الفلسطينية في الأراضي المحتلة عام (1948).
وقد حقق مازن عباهرة حلم أطفاله بزيارة البحر عن كثب، و رؤيته على أرض الواقع، يقول لـ "النجاح الإخباري": "لطالما تمنى أطفالي زيارة البحر من خلال المشاركة في الرحلات إلى مدن فلسطين الساحلية المحتلة إلا أنَّ الرفض الأمني لي ولزوجتي وقف حائلًا أمام تحقيق رغبتهم، فوجدت في بحيرة صانور متنفَّسًا لتلبية رغبتهم، و إسعادهم بمشاهدة هذا المنظر الجميل.
موسم زراعي يغرق
في مرج صانور ينطبق المثل القائل"مصائب قوم عند قوم فوائد"، ففي الوقت الذي يستمتع فيه المئات بجمالية منظر المياه المتجمّعة على مداد البصر في المرج، أصبح وجودها همَّا يؤرِّق مئات المزارعين، بعد أن تكبَّدوا خسائر فادحة بسبب غرق مزروعاتهم التي ابتلعتها مياه الأمطار.
المزارع مجدي الصانوري، يملك ما يقارب (7) دونمات غطتها المياه، يقول بحسرة وألم: "منذ أكثر من (10) سنوات والمزارعين يعانون من آثار هذا الطوفان، فالقطاع الزراعي هنا تكبَّد خسائر فادحة، ويعادل حجم خسائري لهذا العام عشرات آلاف الشواكل بعد أن غرق المحصول الزراعي، فالمزارع لا يستفيد من المواسم الزراعية الشتوية والصيفية على حدِّ سواء، لأنَّ مياه الأمطار تذيب العناصر الغذائية الضرورية للنبات، وتنقلها إلى الطبقات السفلى من الأرض، وتزيد نسبة ملوحة التربة، ويمتد أثرها لعدة سنوات، ناهيك عن الأمراض الفطرية والفيروسية التي يسببها تجمع المياه.
وأشار إلى أنَّ أكثر المحاصيل التي تزرع في منطقة المرج هي القمح والبرسيم والعدس واليانسون والكرسنة والقزحة والسمسم، وقد شهدت محاصيل البطيخ والشمام تراجعًا ملحوظًا بعد أن كانت منطقة المرج تتميز بزراعتها، بسبب انتشار الأمراض في التربة.
ونوَّه الصانوري إلى معاناة السكان من انتشار الخنازير التي ترتاد المكان بحثًا عن الماء، ويشكِّل وجودها خطرًا على حياة المواطنين، ففي عام (2013) تعرَّض مواطنان إلى إصابات بالغة نتيجة هجوم الخنازير، عدا عن انتشار الحشرات الضارة، التي تنقل الأمراض للسكان.
وحسب الصانوري فإنَّ المزارعين يقومون بزراعة أراضيهم كلَّ سنة حتى لا تترك دون زراعة وتصبح أراضٍ جرداء، مع علمهم بالخسارة التي سيتكبَّدونها، وطالب الجهات المختصة بضرورة تعويض المزارعين وإيجاد حلول جذرية لمشكلة المرج المتكررة.
ما المطلوب للحدِّ من المشكلة؟؟
أكَّد العيسة أنَّ القطاع الزراعي لهذا العام قد دمَّر بالكامل، بعد أن غرق المحصول و تلف، فالمرج يشكِّل قيمة اقتصادية كبيرة للمزارعين، إلا أنَّ مشكلة تدفق المياه حولت الوضع إلى كارثة زراعية.
عن دور المجلس القروي في الحدِّ من المشكلة، بين العيسة أنَّه تمَّ حفر آبار زراعية وسط المرج لاستيعاب بعض المياه المتدفقة، وبناء (20) بركة زراعية بمساحة تتراوح بين دونمين و (4) دونمات، وسعتها حوالي (20) ألف متر مكعب، و يتم الاستفادة من مياه الآبار والبرك الزراعية في ريّ المزروعات الصيفية.
ولفت العيسة إلى أنَّ مشكلة تدفُّق المياه في مرج صانور تحتاج إلى مشاريع و موازنات ضخمة للحدّ منها بالشكل المطلوب.
وناشد الحكومة الفلسطينية بضرورة الالتفات إلى المزارعين المتضررين وتعويضهم، وإيجاد حلّ جذري للمشكلة من خلال إصلاح البنية التحتية في المنطقة أولًا والعمل على تركيب مضخات تنقل المياه إلى مناطق آمنة.