الخليل - بيسان الزبدي - النجاح الإخباري - خمسة حواجز تلف عنق منطقة واد الحصين التي تقطنها (500) عائلة خليلية، فلا متنفَّس لها إلا من بين أنياب الأفعى المتمثلة بالحاجز القريب من عمارة الرجبي اوالتي يستولي عليها الاحتلال منذ أعوام.
تلك المنطقة التي تحمل التناقض حيث جمالها الأخّاذ وحياة شبه ميتة للسكان الفلسطينيين كونهم محرومين من كلّ شيء.
اثنا عشر عاماً وجهاد أبو سعيفان، ترى في أحلامها مفتاح النجاة، خاضت حربًا مع نفسها قبل شنَّها على الاحتلال، تحدَّت الخوف، وتسلَّحت بالكاميرا؛ لتدخل معترك توثيق الانتهاكات التي تتعرض لها وأبناء منطقتها فتقول لـ"النجاح الإخباري": "زوجي هو من علمني التصوير، وعلمني الجرأة في وجه الحق، أحيانًا اشعر بالخوف، لكن عندما أمسك الكاميرا تنتابني القوة، والثقة بنفسي، إذ هي السلاح الوحيد الذي يبقينا هنا".
جنباً إلى جنب وقفت جهاد مع زوجها لتوثيق كوابيسها، لتصبح فيما بعد موثّقة رسميَّة لدى منظمة (بيتسيلم) الحقوقية.
جهاد (39) عاماً أدركت تأثير صديقتها التي تحب (الكاميرا) وأهمية الدور الذي تلعبه، وسعت معها لإيصال رسالة واقعها الذي تعيشه، والتي مفادها ظلمٌ ووحشية، لتُظهِرَ للعالم ما هو خفيٌ عن النظر، وكان إيمانها بقوة رسالتها حليفها القوي، قالت لـ"النجاح الإخباري": "نتعرَّض للضرب، لكن عند رؤية جنود الاحتلال للكاميرا تختلف المعاملة تمامًا لإدراكهم قوة الصورة وتأثيرها".
الحجارة زائرٌ يومي لا بد منه، ناهيك عن زيارات المستوطنين أيام السبت والأعياد وما تحمله بجعبتها من المعاناة، حالٌ تصفه جهاد بالمأساوي، بقولها: "الحال مأساوي، وضرب الحجارة يوميّ لا بد منه، حاولوا حرق بيوتنا أكثر من مرَّه وعام (2008) حرقوا البيوت ونحن بداخلها".
أما الليل عند جهاد وعائلتها فحكاية أخرى، تغزل عمق الخوف الذي لا بد منه، مما يدفعهم لقضاء سهرات صباحية أمام بيوتهم، ليأمنوا شرَّ الغدر وهم نيام.
مواقف وأحداث تلاصقت وذاكرة جهاد، لتلتحم ونفسها فتضيئ بداخلها شعلة تتضرَّع منها القوة، فتصف أصعب ما واجهت "أصعب موقف وثقته عندما أطلق الجيش النارعلى شابين عند عمارة الرجبي، كان إطلاق النار كثيفًا، والكلُّ انسحب من جانبي وبقيت وحدي أوثق، لإيماني بأهمية ما أقوم به"، وتتابع السرد من الذاكرتها، فتستحضر قصه فخرها بالتوثيق وتقول: "من المواقف التي لا تُنسى، والتي سببها توثيقي للأحداث، هو توثيق موقف برأ شابان من أبناء المنطقة من السجن (7) سنين".
بابتسامةٍ فيها من الحياء ما فيها ردَّت جهاد على سؤالنا، هل ترين نفسك مسترجلة؟
"أحيانًا بتعاملهم معي أشعر أنَّني رجل لكن في هيك مواقف لازم تنسي إنك ست وتنسي كل ما بدور حواليك، وبس تركزي بالصورة وكيف بدك تجيبيها"، رغم قوة الشخصية والثقة بالنفس ما زالت هواجس العادات تظهر من حين لآخر، وكما تقول جهاد يجب أن اراعيها "أحاول دايماً أن أكون حذرة بموقعي، بالنهاية انا امرأة وحيدة بين رجال واذا تعرَّض لي أحد، زوجي لن يتحمل الموقف (بنكون بمشكلة وبنصير بثانية)"
من غصة الى أخرى، تتنقل بنا جهاد بداخلها، فتبحر بسرد مشاكل الحياة اللانهائية، من انعدام المواصلات نظرًا لاختناق المكان بالحواجز، إلى انقطاع العلاقات الاجتماعية " لما تمرض وما تلاقي حدا من أهلك جنبك، يمكن لو بغربة أهون! آخر مرَّة زارتني أمي فيها كانت قبل (8) سنوات، المكان ليس آمنًا والمواصلات معدومة، والوجع رؤية طفل صغير يحمل جرَّة غاز ويقطع كلَّ تلك المسافة مشيًّا"، لتستكمل بوجع أكبر، كم الفتيات التي فُرِضَت عَليهن ضريبة المكان، ففاتهن قطار الزواج، وأصبحن حبيسات المكان، لكن لا قبيح يخلو من الجمال، ففي خضم المعاناة تلمع عينا جهاد ابتهاجاً باستذكارها جمال الموقف، فتقول عن السعادة القليلة بحجمها، عن خروج عروس من بيت أهلها" عند زواج عروس من المنطقة، وهذا قليلًا ما يحدث، تصرُّ على الخروج من بيت أهلها، وهذا تحدي كبير للاحتلال، فإذا منعنا الاحتلال من الفرح سنصنعه بأيدينا".
حالات الضعف لا مفرَّ منها، وتساؤلات النفس عن استمرار الحال...إلى متى؟ لا تتوقف، رغم ذلك تعود وتتمسك جهاد بما لديها من قوة، لتثبت على موقفها وأرضها وتأبى التخلي عنها "أرضي ليست المسجلة باسمي، بل كلُّ شبر في فلسطين هو أرضي ويجب أن ادافع عنه" .