غزة - مارلين أبو عون - النجاح الإخباري - قذفتهم أمواج الحياة الصعبة في غزة، ليبحثوا عن بديل أفضل، فسمعوا عن جنة الله في الأرض، شدوا الرحال وباعوا كل ما يملكونه وحزموا حقائب سفرهم وودعوا غزة في رحلة ذهاب دون عودة، سافروا بعيداً هاربين من أمواج غزة وظروفهم الصعبة ورموا بأنفسهم لأمواج البحر التي قذفتهم إلى المجهول.
شباب وعائلات عانوا وخسروا كل ما يملكون حتى أرواحهم.
عن ألم الفراق وعن وجع الغربة وعن لصوص الارواح الذين يتاجرون بالبشر من أجل بضع دولارات، تحدَّث شباب في الغربة مع مراسلة النجاح الاخباري، ونقلوا معاناتهم قدر المستطاع، لكي لا يقع غيرهم بفخ الكذبة الكبرى، وهي أنَّ أوروبا جنة الله في الأرض ويمكن للمهاجر أن يغرف ما يشاء من نعيمها.
المهربين يقذفون بنا للموت أفواجاً
أسامة خطاب شاب غزيّ حاله حال الكثيرين ممن اضطروا لبيع شقا العمر والإبحار بعيداً لحياة مجهولة، تحدَّث إلينا من تركيا بعد أن قذفته الحياة إلى أكثر من ثلاث عشرة دولة أوروبية، ولكنّه بنهاية المطاف رجع واستقر بها مكرهاً، يقول: "في بداية رحلتي قبل عامين تقريبًا سافرت من طريق تركيا إلى إيطاليا بواسطة مهربين وحينما تواصلت مع أحدهم طلب مني (6000$) لكي يقلني من تركيا إلى إيطاليا، وقال لنا قبل الرحلة أنَّ الباخرة التي ستقلنا بحالة جيدة وسنصل بأمان، فوافقنا وتفاجأنا في اليوم الموعود أنَّهم يكذبون علينا، وأنَّ الباخرة التي تتسع لثلاثمائة شخص ستقل أكثر من ستمائة وسبعين شخصًا، وحين اقتربت الباخرة على الوصول للأراضي الإيطالية، فوجئنا بالطيران الإيطالي يطلق وابلًا من الرصاص علينا حتى لا نقترب من أراضيهم."
ويؤكّد خطاب أنَّ الطيران الإيطالي أصاب الكثيرين ومنهم من مات وقذفته الأمواج بعيداً، وأنَّ المهربين يعلمون جيّداً أنَّ الطيران الإيطالي يقوم باستطلاعات جويَّة لحماية أراضيه، ورغم ذلك سلكوا نفس الطريق معرضين حياة الناس للخطر.
وتابع: "المهربون هم تجار الموت،لا يهتمون بالناس قدر اهتمامهم بجمع المال على حساب الناس الغلابة، وهم لا يخافون الله ولا يراعون أنَّ المهاجرين لكلِّ واحد منهم قصة مؤلمة لولاها لما تغرب عن وطنه وأهله".
وعن الذين يقولون إنَّ أوروبا هي جنَّة الله في الأرض يقول: "غير صحيح من يعتقدون أنَّك سوف تغرف ملايين من هجرتك إلى بلاد أوروبا، فأنا مكثت في السويد سنة كاملة في مخيم للاجئين وكل ما كان يدفَع لنا لا يزيد عن (90$) شهريًّا،وهو ثمن باخس لا يكفي لإعالة فرد، عدا عن الطعام الذي يقدمونه لنا بساعة محدَّدة وبساعات طويلة ولا يحق لنا الاعتراض على الطعام، فما يقدَّم علينا تناوله مهما كان.
لا يحق لك أن تتدخل في تربية أبنائك
كارولين ماضي هاجرت قبل عشرة أعوام إلى الدنمارك، تعيش هي وزوجها وأبناءها السبعة في "كوبنهاجن"، تقول عن معاناتها مع الغربة: "هاجر زوجي قبل أحد عشر عامًا، وبعد سنة من المعاناة بعث لي وللأولاد، في بداية العيش بالدنمارك واجهنا مشاكل عدَّة منها العنصرية الكبيرة والكره الذي يكنّه لنا الغرب، فهم لا يحبون المسلمين ويخافون منهم، ويعتقدون أنَّ المسلمين جميعًا إرهابيين، عدا عن الجيران الذين يتقصدون إيذاءنا وإيذاء أطفالي.
وتابعت: "صحيح أنَّ العيشة هنا منظَّمة وأولادي أدخلناهم في مدارس جيدة، والدولة تبعث لنا كلَّ أسبوع اخصائية اجتماعية ونفسية للبيت للاطمئنان على الأولاد والجلوس معهم، إلا أنَّني قلقة من المفاهيم الغريبة التي يعلمونها لأبنائي، فهم دائمًا يحفظونهم رقم الشرطة في حال تعرض لعنف مني أو من والدهم، حتى أصبحنا لا نستطيع تربية أبنائنا بالطريقة التي تربينا عليها".
وتذكر كارولين قصة حدثت لها مع ابنها، حيث إنَّها في مرَّة من المرات غضبت منه وهو ابن عشرة أعوام لتصرف خاطئ بدر منه، فما كان من الطفل إلا أن هدَّدها بالاتصال على الشرطة، قائلًا لها بأنَّه سيتصل بهم لكي يسحبوا حضانتها له وتنتقل للدولة، ومنذ ذلك اليوم وهي لا تستطيع أن تربي أطفالها الذين أصبحوا يتشرَّبون عادات وقيم غربية ليس لها أي علاقة بتعاليم الدين الإسلامي، ولكي لا تخسر أحدهم وتسحبهم الدولة منها.
فقدت نقودي ورأيت الموت أمامي
محمد أبو عاصي الذي باع مصاغ زوجته وسيارته، وطار بعيداً نحو تركيا، البلد المشهور في هروب الشباب منه إلى دول أوروبا قال: "كان بحوزتي (10,000$) وكنت أحسب أن هذا المبلغ سيكفيني ويزيد للوصول إلى أوروبا ، وحينما وصلت لتركيا كانت طرق التهريب متوترة ومتوقفة لفترة مؤقتة، فاضطررت للمكوث بتركيا لبعض الوقت حتى يأذن الله لنا بالتوكل، وبقيت على ذلك الحال شهراً بطوله وأنفقت أكثر من (2000$)، وبعد أن أبلغني المهرب بموعد الانطلاق والدفعة المطلوبة، صدمت ولم أعرف ماذا سأفعل".
يضيف أبوعاصي : "طلب مني المهرب (12,000$)، ولم أدر ماذا سأفعل، فطرقت باب الأهل والأصدقاء والمعارف لطلب الدين لإكمال المبلغ المطلوب، ولم أستطع تأمينه، فما كان أمامي سوى البقاء بتركيا، والبحث عن عمل لتأمين باقي المبلغ الذي سيوصلني لأمريكا أو بلجيكا، واستمرت رحلة البحث عن عمل أكثر من شهر حتى وجدت إحدى المطاعم تطلب عامل لغسل الصحون، بواقع الـ(12) ساعة باليوم الواحد مقابل (200$) شهريًّا، فوافقت مضّطراً، وبعد سنتين من المعاناة مع الدولة والإقامة والحياة الصعبة استطعت تأمين المبلغ المطلوب، وبدأت رحلتي مع الموت.
يضيف: "ابتعدنا عن الأراضي التركية، ونحن على متن الباخرة وفجأة بدأت الأمواج تعلو والرياح تقذف بنا يمنة ويسرة، حتى بدأنا نشعر بالمياه تغرقنا، والرجال والنساء والأطفال يصرخون ويستنجدون في محيط مخيف وبرد قارس، وبدأ المئات منهم يسقطون بالمياه وهم متيقنون ألا مفر من الموت المحتم، وبقينا على هذا الحال ساعات، منا من تجمَّد في المياه ومات، ومنا من قذفته الأمواج بعيداً لا نعلم إلى أين ومنّا من ظلَّ يصرخ ولكن لا مجيب".
يخبرنا أبو عاصي عن مشهد مؤلم لأم سورية وابنها الرضيع،يقول: "كانت أمّه تحمله بين ذراعيها وهم يصرخون من البرد والخوف، ونحن لا نملك أن نساعدها بشيء سوى الدعاء، فسكتت كلماتهم وصراخهم، وأصبحوا كقطعة ثلج تطفوا على المياه، وبعد ساعات طويلة سمعنا صوت الطوافة اليونانية تقترب منا، وتمَّ إرسال فرق لإنقاذ الأحياء وانتشال الأموات، ذلك الموقف جعلني أيقن أنَّ الفقر والجوع أحسن ألف مرَّة من الجنة الكاذبة والغربة الملعونة، وأنا الآن وصلت لتركيا، وفي طريقي لغزَّة الشهر القادم، بعد أن خسرت مالي وأصدقائي أمام عيني".