غزة - اسامة الكحلوت - النجاح الإخباري - لا تخلو شوارع قطاع غزة من الباعة المنتشرين على جنبات الطريق، وجلُّهم من الشباب تجدهم أمام "بسطة" دخان على يمين الشارع، ويقف آخرون على اليسار أمام أكشاكٍ تبيع القهوة والسجائر أيضًا.
بسطات السجائرالمنتشرة على طول الشوارع العامة والفرعية في قطاع غزَّة والمفترقات الحيوية، مهنة جديدة فرضت نفسها على آلاف العاطلين عن العمل والخريجين، بعد إنسداد الافق وقلة فرص العمل وارتفاع نسبة البطالة.
فجاء مشروع "بسطة سجائر" خلاصة سنوات طويلة لأعداد كبيرة من الخريجين الذين انهوا دراستهم الجامعية حديثًا أوقديماً، واصطدموا بواقع سيء جعلهم يبحثون عن أي مهنة تدرُّعليهم الدخل حتى لو كان يسيرًا مقابل ألّا يكونواعالة على أحد.
"بسطة سجائر" هي المشروع السريع الذي لجأ إليه الخريجون، لعدّة أسباب أهمّها أنَّ تكلفته لا تتعدى (100) دولار أمريكي، شاملة لطاولة عرض خشبية صغيرة، وشراء أنواع قليلة من السجائر المتداولة في قطاع غزَّة.
على مفترق السرايا في القطاع، لا تجد بائع سجائر واحد، بل أعداد كبيرة من الباعة تتهافت على السيارات، بمختلف الأعمارأغلبهم حملة شهادات جامعية، ما يعكس واقعًا مريرًا يسحق طموح الشباب مع أعقاب السجائر.
محمود حسين (23) عامًا، اختصر رحلته الجامعية بكرتونة واسعة تحتوي أنواع وأصناف مختلفة من السجائر يحملها بين بيديه ويتجول فيها بين السيارات على مفترق السرايا ضمن مجموعة من البائعين، ليحاول أن يوفّر لقمة عيشه، يقول:" لم أترك مؤسسة او وزارة إلا وسجلت اسمي فيها للعمل ولو حتى على بند البطالة، والتحقت بدورات كثيرة في مؤسسات مختلفة، ولكنَّها جميعها كانت استنزاف لطاقتي وعلمي ومالي، وأصبحت عبئاً على أسرتي بهذه المصاريف، لذلك قرَّرت التوجه لبيع السجائر، لأجني ولو حتى القليل من الأموال".
ويعيش محمود مع أسرة مكونة من (8) أبناء، ما زال بعضهم يدرس في الجامعة، ويحاول والده أن يعيل أسرته من بعض ما يجنيه من عمله كسائق أجرة.
وتراود فكرة الهجرة محمود منذ فترة، لكن قدرته المالية لا تلبي حتى حلمه، لاحتياجه لمبالغ كبيرة حتى يصل أوروبا كأصدقائه، يضيف:" قلَّة الأموال تجبرني على البقاء في قطاع غزَّة لعدم امتلاكي للأموال الكافية للسفر خارج القطاع، ولكن يبقى حلماً قائماً إلى حين توفر الأموال".
محمود لم يكن الوحيد في هذه المهنة من حملة الشهادات الجامعية، ففادي دعبس سار على نفس خطى محمود في بيع السجائر، بعد إنهاء دراسته الجامعية في تخصص التربية، وأصبح يبيع السجائر في شارع عمر المختار وسط مدينة غزَّة.
يقول فادي: "أيُّ مستقبل ينتظرني في غزَّة وأنا أحمل شهادة جامعية منذ عامين بدون عمل ولو حتى فرصة مؤقتة؟، اليأس يسيطر على أحلامي، فبيع السجائر لا يجني إلا القليل بعد كثرة الباعة على المفترقات والشوارع، وأصبحنا نزاحم بعضنا على الزبائن".
من جهته، قال يوسف الكحلوت وهو صاحب منجرة، إنَّّه تلقى اتصالات من خمسة خريجين خلال أسبوع واحد يطلبون منه صناعة بسطة صغيرة من الخشب لبدء عملهم في بيع السجائر على المفترقات.
ولفت إلى أنَّ أغلب الخريجين الذين يطلبون منه صناعة البسطة، لا يملكون حتى ثمن صناعتها وجميعهم يعدونه بسداد ثمنها بعد بيع السجائر بالتقسيط، وهذا ما لا يحتمله.
وفي السياق، قال مدير التخطيط في وزارة الاقتصاد د أسامة نوفل لـ"النجاح الإخباري": "إنَّ نسبة البطالة في قطاع غزَّة وصلت في المتوسط نحو (53%)، وللأسف وصلت لدى الشباب (63%)، وهو أعلى من المتوسط العام للبطالة.
وقال إنَّ الأخطر من ذلك هو نسبة البطالة لدى الخريجين، حيث وصلت في بعض التخصصات إلى (72%)، وهناك حوالي (200) ألف خريج عاطل عن العمل بغزَّة.
وتطرَّق نوفل لقضيتين في إشكالية الخريجين:
- الأولى: مستوى ومحتوى التعليم العالي وعلاقتها بسوق العمل، فهناك خلل في المناهج التعليمية في الجامعات، وسوق العمل العملي أو الخارجي.
أما الثاني، يتمثل في الحصار الإسرائيلي، وما نتج عنه من عدم قدرة استيعاب الخريجين في القطاع العام أو الخاص، فمنذ العام (2013) لم يجر تعيين أيّ خريج جامعي في السلك الحكومي بغزَّة، كما فقد القطاع الخاص آلاف العاملين لديه.
وأضاف نوفل: "كلّ عام يدخل أعداد ضخمة من الخريجين إلى سوق البطالة، وهذه الفجوة تتسع، وإذا لم يتم إيجاد حلول فستتفاقم ويزداد الوضع سوءًا.
ويرى أنَّ أحد حلولها الرئيسة يكمن بخلق فرص عمل للخريجين لإكسابهم خبرات في القطاع الخاص أو العام، وهذا يحتاج إلى تمويل دولي".
وأوضح أنَّ الطرح الآخر لحلِّ الإشكالية، هو العمل عن بعد، وهذا يعطي نتائج إيجابية، ولكن انتشاره محدود بسبب غياب قطاع غزَّة عن المجتمع الدولي.
أما الطرح الأخير الذي تحدث عنه نوفل، هو فتح أسواق العمل العربية لخريجي الجامعات من قطاع غزَّة، فعدد كبير من الخريجين في الضفة الغربية التحقوا بسوق العمل الخليجي في الفترة الأخيرة بسبب الاتفاقيات مع الدول العربية.
ولكن للأسف غزَّة محرومة من هذا الموضوع، ويفترض الآن أن يكون هناك توجُّه لاستيعاب أكبر عدد من الخريجين في السوق العربي، وهذا من شأنه أن يخفف نسبة البطالة لدى الخريجين من الجامعات في قطاع غزة، "حسب قوله".