غزة - هاني ابو رزق - النجاح الإخباري - منذ أول أيام مسيرات العودة في الثلاثين من مارس من العام الماضي قرَّرت أمل الترامسي أن تتوجَّه برفقة مجموعة من صديقاتها للمشاركة في المسيرات، فلم يمرّ يومي الجمعة والإثنين من كلِّ أسبوع إلا وكانت أمل حاضرة، تساعد الشباب، تقدّم الإسعافات والماء لمن احتاج.
في الحادي عشر من يناير / كانون الأوَّل وبعد صلاة الجمعة قامت بإعداد مشروب الكاكاو لوالدتها، ثمَّ امتشقت علم فلسطين وذهبت كالمعتاد نحو الصفوف الأولى شرق حيّ الشجاعية، تشاهد أحد من المتظاهرين تعرض للاختناق فتهُّم مسرعة لإسعافه.
إلا أنَّ أمل كانت على موعد مع الشهادة، عقارب الساعة تشير إلى الرابعة والنصف، ذلك اليوم الذي حلَّ كالفاجعة على عائلة الترامسي إذ أطلق قناص إسرائيلي رصاصة حاقدة توسَّطت رأس أمل لترديها شهيدة، لتقتل أملها بالعودة إلى الديار التي هُجّر منها أجدادها وتحديدًا بلدة "هربيا".
أمل والتي تبلغ من العمر (42) عامًا هي شعاع أمل داخل بيتها، فوالدتها المريضة كانت تعتمد عليها في كلِّ شيء خاصة أثناء جلسة غسيل الكلى داخل مستشفى الشفاء، وفي حيّها أيضًا، كيف لا وأطفال الحي يتسابقون نحوها من أجل الحصول على الحلوى التي كانت تلازم حقيبتها.
رحلت أمل؛ لتنضمَّ إلى قائمة شهداء مسيرة العودة من النساء، بعد وصال الشيخ خليل والتي استشهدت شرق مخيم البريج، و"ملاك الرحمة" رزان النجار شرق مدينة خانيونس.
وظلّت والدتها حليمة الترامسي المكلومة على فراق فلذة كبدها، بعد سماعها خبر استشهاد ابنتها، زاد وضعها المرضي سوءاً ،وهي ذاهبة إلى مستشفى الشفاء، بقسم الكلى للعلاج هناك، تقول :" قبل أن تذهب أمل إلى المسيرة عملتلي كاسة كاكاو وذهبت، لما كنت أحاول أمنعها كانت تحكي فلسطين وطني ومثلي مثل غيري، الي بصير عليهم بصير عليّ" .
وتتابع الحاجة لـ "مراسل النجاح": "قبل ما تستشهد أمل بأسبوع، تزحلقت، ورجعت على البيت دون حذاء، مشت حافيّة كل الطريق".
وأضافت :" قبل لحظة من استشهادها كنت أسمع الأخبار، المذيع يقول سيدة مجهولة الهوية، شعرت أنَّ الشهيدة هي ابنتي أمل، صرخت "أمل أمل استشهدت يا بنات" وبالفعل كانت هي، فبعد مرور نصف ساعة على سماعي للخبر جاءني اتصال من شقيقها يقول إنَّ أمل تعرضت لإصابة برأسها لترتقي شهيدة بعد لحظات معدودة.
تقول فاتن الترامسي وهي شقيقة أمل :" لم تغب أمل أبدًا عن أي يوم بمسيرة العودة فطوال الـ (42) جمعة كانت حاضرة، وفي كثير من الأحيان تأتي إلى المنزل وهي تعاني من الاختناق جرَّاء الغازات التي كان يطلقها جنود الاحتلال، كانت ترسم الابتسامة على وجه الكبير قبل الصغير، تقدّم الشكولاتة والحلوى لأطفال الحي، ولكل من يقابلها "رحمها الله"، ضحت بدمها من أجل فلسطين ".
لم تكن أمل الوحيدة داخل عائلتها التي اكتوت بنيران الاحتلال فشقيقها "أشرف" والذي تعرض للإصابة سبع مرات كانت أربعة منها خلال مسيرة العودة، يقول وهويرتكز على عكاز رسم عليها علم فلسطين بخطى متثاقلة :"كنت أتوجَّه برفقتها إلى مسيرة العودة كلَّ يوم جمعة، لكن يوم الجمعة الماضي تقدَّمت نحو السياج الحدودي الفاصل لمساعدة المتظاهرين من أجل تقديم المياه لهم، لكن دون رحمة، أطلق جنود الاحتلال النار عليها، فبالرغم من استشهادها سأواصل الذهاب إلى مسيرة العودة حتى العودة.
رحلت أمل، وتركت خلفها علم بلادها الذي كانت تحمله عُقب استشهادها وحلوى حقيبتها التي سيشتاق لها أطفال حيّها، وشقيقاتها الستة، ووالدتها المريضة من سيرافقها ويطبطب عليها بقسم الغسيل الكلوي بعد الآن. في كل بيت فلسطيني، قصة وألف دمعة.