نابلس - خاص - النجاح الإخباري - لم يكن الطفل أمير زيدان الذي دخل المشفى لإجراء عملية اللوز، وخرج بشلل دماغي إثر تعرضه لنقص الأوكسجين، وحده ضحية الأخطاء الطبية، بل خطفت أيضا أم من أطفالها الثلاثة بداية عام 2018 في قرية كفر البلد غرب طولكرم، وذلك بعد ولادتها بخمسة أيام.
وشهدت السنوات الأخيرة وقوع سلسلة أخطاء طبية أودت بحياة العديد من المرضى، وتسببت بإعاقات جسيمة لآخرين، لا زال بعضهم يرقد في المستشفيات حتى الآن بانتظار معجزة للشفاء. وهو ما دفع الشارع لكسر الصمت، والخروج لميدان المنارة برام الله، في العام 2016 لمطالبة الحكومة بسن قوانين تحمي المرضى من الأخطاء، الأمر الذي استجاب له رئيس الوزراء على الفور وشكل لجنة تضم مختلف الجهات لإعداد مسودة قانون "الأخطاء الطبية"، والذي تم تعديل مسماه إلى "قانون الحماية والسلامة الطبية والصحية".
وبعد سنتين من النقاشات، خرجت اللجنة بمسودة نهائية للقانون، توجت بإصدار القرار بقانون رقم 31 لسنة 2018 في سبتمبر الماضي، ليكون نافذًا بعد مرور ثلاثة شهور على نشره بالجريدة الرسمية، أي بتاريخ 23/12/2018.
وبعد مصادقة الرئيس محمود عباس على قرار قانون الحماية والسلامة الطبية والصحية في 12 سبتمبر، ودخوله حيز التنفيذ، جاء رفضا قاطعا من نقابة الأطباء، وأبدت عدة تحفظات على بنود القانون، حيث تكمن نقطة الاعتراض الجوهرية لديهم في تفسير القانون للخطأ الطبي الجنائي الذي يتيح توقيف الطبيب وسجنه، على الرغم أنها كانت من ضمن المشاركين في صياغة القانون وحظيت بتوافق الجميع، وكذلك تفسير الخطأ الطبي واضح في القانون ويتماشى مع المعايير الدولية.
يشار إلى أن القانون يهدف إلى تنظيم المسؤولية الطبية في القطاع الصحي الفلسطيني، وضمان تحقيق التوازن بين متلقي الخدمة الطبية والصحية وحماية حقوق وكرامة المؤسسة الصحية والأطباء والقائمين عليها.
القانون سد فراغا قانونيا
وفي هذا السياق أكد المحاضر في كلية القانون في جامعة النجاح الوطنية د. محمد أبو الرب لـ "النجاح الإخباري"، أن قانون "الحماية والسلامة الطبية والصحية" شكل إنجازاً كبيراً وسد فراغاً قانونياً. موضحاً أن قبل مصادقة الرئيس محمود عباس على قرار القانون الجديد، كان يتم التعامل مع الأخطاء الطبية من خلال المحاكم المدنية على أساس دعوى تعويض، لافتاً إلى أن هذه الدعاوي كانت ترد في بعض الأحيان، وأخرى لا يصدر فيها حكماً حقيقياً".
وحول اعتراض نقابة الأطباء على القانون، أوضح أنهم ضد مساءلة الطبيب جزائيا، مؤكدا أن المشرّع تبنى وجهة نظر الأطباء ولم يعاقب الطبيب أو يوقفه عن العمل ويخضعه لإجراءات محاكمة كإخضاع مرتكب جريمة جزائية عملية.
وأوضح أن الطبيب سيستمر في مزاولة عمله وفق القانون حتى يصدر في قضيته حكماً قطعياً، لافتاً إلى أن الأطباء معترضين على توقيف الطبيب حتى بعد إصدار حكماً قضائياً قطعياً فيه.
ونوه إلى أن القانون الجديد حدد الحقوق والالتزامات للطبيب والمريض.
واعتبر القانوني أبو الرب أنه من غير المنطق منح حصانة مطلقة لأحد وترك فئة فوق القانون.
ورأى أبو الرب أن أفضل ضمانة للشخص المتضرر بدلاً من سجن الطبيب، تعويضه ماديا ومعنويا ومتابعة استكمال علاجه قدر الإمكان على نفقة شركة التأمين.
وأضاف أنه من الممكن عدم توقيف الطبيب على كل شكوى تقدم، بحيث التشديد قدر المستطاع في إدانة الطبيب جزائيا أو وضع سقف إدانة مرتفع، وفي الوقت ذاته التساهل قدر المستطاع في منح التعويض للشخص المتضرر من الأخطاء الطبية.
وأكد أن الأطباء معترضين على نقطة المسؤولية الجزائية، ولا يمكن تجاوز المسؤولية كون غيابها قد يصل في الأمور إلى حد الفلتان سواء ارتكب الطبيب خطأ جسيما أو يسيرا.
وأضاف " أن القانون لم ينص على عقوبات سجن أو توقيف الأطباء".
وقال "في حال تم معاقبة الطبيب على الإهمال سيتم ذلك بموجب قانون المسؤولية الطبية المنصوص عليه بقانون العقوبات الأردني 1960".
توصيات مهمة
وكان قد أوصى أبو الرب في اليوم العلمي الذي عقد في جامعة النجاح حول الأخطاء الطبية والقانون الناظم للمسؤولية في 9 من الشهر الحالي، كونه رئيس اللجنة التحضيرية أن يتم التأكيد على أهمية وجود القانون لحماية مقدّم الخدمة ومتلقي الخدمة والمؤسسة الطبية على حدٍّ سواء وعدم تأخير تنفيذه.
ودعا إلى إصدار اللوائح التنفيذية والأنشطة الملحقة بقانون الحماية والسلامة الطبية والصحيّة، وأيضاً وضع آليّة موحدة وواضحة لتمويل صندوق تعويض ضحايا الأخطاء الطبّية وتحديد اختصاصاته، وعدم وضع سقف مالي محدد للتعريف عن الخطأ الطبي وترك الموضوع للقضاء الفلسطيني للبت فيه.
وأوصى بتوسيع اللجنة المختصة بإصدار اللوائح والأنظمة التابعة للقانون لتشمل الأكاديميين، حيث بادرت جامعة النجاح الوطنية بالدعوة لاستضافتها.
القانون شمولي
بدورها أوضحت المستشارة الخاصة لرئيس الوزراء ورئيسة اللجنة الوطنية لصياغة قانون الحماية والسلامة الطبية والصحية د. خيرية رصاص في اليوم العلمي الذي عقد في جامعة النجاح حول الأخطاء الطبية والقانون الناظم للمسؤولية، وتم تغطيته إعلاميا من "فضائية النجاح" أن هذا القانون جاء في وقت نوالي فيه الإنجازات في القطاع الصحي ونسعى إلى حماية مؤسساته وكوادره، وتوطين الخدمات المقدّمة في إطاره، كما يأتي في وقت يوجد فيه فراغ واضح في القوانين الخاصة بتنظيم المسألة الطبية وحماية المؤسسات الصحية والأطباء والتعامل مع الأخطاء الطبية، واستجابة لهذا قرر مجلس الوزراء العام الماضي تشكيل لجنة لإعداد مشروع قانون السلامة الطبية والصحية، تضم الأطراف الطبية والقانونية ذات العلاقة، إلى أن تم إقرار القانون من قبل الرئيس ليكون بداية العمل لمحاسبة من لا يلتزم بالقواعد الطبية الصحيحة، ونحو تكريس بروتوكول صحي دولي وتعزيز ثقة المواطن بالخدمة الصحية الوطنية بدلاً من البحث عن التحويل للعلاج بالخارج".
واستكملت الدكتورة رصاص كلمتها "ولأن القانون شمولي، ويخص الصالح العام، ويمس شريحة عريضة من المواطنين والمؤسسات، ويؤسس لتطوير الخدمات الصحية كافّة، راعينا لدى بلورته اعتماد نهج تشاوري واسع".
تخوف الأطباء ليس في محله
من جهته أوضح عمار دويك مدير الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان في حديث سابق لموقع "النجاح الاخباري"، أن الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان تعتبر أن القانون نص على الكثير من المواد الإيجابية، كإلزامه الأطباء بالتأمين على الأخطاء الطبية، وإنشاء سجل لتوثيق الأخطاء الطبية بما يضمن تقييد عدم تكرار الأخطاء الطبية، وإنشاء صندوق لتعويض المواطنين الذين لا يجد أحد يعوضهم، كما نص على آلية لتشكيل اللجان والمساءلة في الأخطاء الطبية، وعرف القانون الخطأ الطبي بشكل يتوافق مع التوجهات والمعايير الدولية.
وأعرب دويك عن اعتقاده من خلال نقاشه مع العديد من الأطباء أن هناك أطباء لم يقرأوا القانون بشكل صحيح، ومنهم من هو متخوف من قضايا أخرى ليس لها علاقة بالقانون، والبعض منهم يشير إلى أن المشكلة تكمن في ضغط العمل خاصة في المؤسسات الحكومية، وأن الطبيب يرى مرضى كثر، وبالتالي احتمالية الخطأ عالية ولا يريد أن يتحمل مسؤولية. مشدداً على أن هذا التخوف الأصل أن يدفع الأطباء لأن يطالبوا بتحسين أوضاعهم وليس وقف القانون.
الصحة دعت للحوار دون استجابة
وفي ظل اجماع الكل، وسن القانون استجابة للشارع التي شاركت فيه غالبية المؤسسات، والمطالب بسرعة تنفيذه والمنافع التي وفرها لحماية المريض والطبيب، ومعارضة الأطباء، أصدرت وزارة الصحة في وقت سابق بيانا أكدت فيه أنها فور ورود خطاب من نقابة الأطباء، بتاريخ 9/12/2018 يتضمن اعتراضات على بعض البنود في قانون السلامة والحماية الطبية والصحية، توصلت مع نقابة الأطباء للاجتماع بهم، ومناقشتهم في هذه الاعتراضات للوصول إلى حلول، ولم تستجب النقابة لطلب الوزارة بالحوار، لتتفاجأ بصدور بيان من نقابة الأطباء يدعو إلى إجراءات تصعيدية، دون الجلوس على طاولة الحوار.
وأكدت وزارة الصحة في بيانها على انتهاجها سياسة الحوار مع كافة النقابات المهنية والصحية، بما فيها نقابة الأطباء، وجددت، دعوتها الى الحوار، لتجنيب القطاع الصحي أي اضطرابات من شأنها تعريض المواطن والمريض الفلسطيني إلى الخطر.
وأمام إجماع كل الجهات المختصة التي ناقشت القانون، بأن القانون جاء منصفاً للمريض والطبيب على حدٍ سواء، بل أنه فيه مبالغة في حماية الطبيب، يبقى السؤال المطروح .. متى سيتم تطبيق القانون فعلياً ؟ ولماذا نقابة الأطباء الوحيدة من بين المؤسسات ترفض التعاون مع وزارة الصحة وتنتقد القانون؟.