غزة - اياد عبادلة - النجاح الإخباري - مثَّلت القارة السمراء حقبة طويلة من الصراع الخفي بين منظمة التحرير الفلسطينية، ودولة الاحتلال عبر عقود من الزمن لما تمتلكه من أهمية جغرافية وسياسية، وحرص الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات على فتح علاقات ومد جسور الثقة بين دول الاتحاد الافريقي "الذي يضم 55 دولة تمتلك عضويات في منظمة الأمم المتحدة"، ومنظمة التحرير الفلسطينية، وأكمل سلفه الرئيس محمود عباس، توطيد العلاقات إلى أن حصلت فلسطين على عضو مراقب في الاتحاد الافريقي عام 2013، فالبرغم من الصراعات الداخلية بين دول الاتحاد الافريقي إلَّا أنه يمثل قوة لا يستهان بها في المحافل الدولية، وتشكل داعمًا أساسيًا للقضية الفلسطينية، الذي ينظر لها على أن فلسطين دولة محتلة يجب أن تنال استقلالها، والقدس عاصمة لها، ورغم حرص القيادة الفلسطينية على إغلاق كل المنافذ التي قد تتسبب في شرخ بالعلاقات الافريقية، والعمل على تقوية أواصر الروابط المهمة مع دولها، رغم محاولات الاحتلال المستمرة، إلَّا أن دولة الاحتلال وبدعم أميركي نجحت في نسج علاقات مع بعض الدول الفقيرة والتي تشوبها حالات نزاع عرقي، فضلا عن دعمها لانفصال جنوب السودان، واقامة علاقات دبلوماسية معه.
ولم يقتصر الأمر عند العلاقات الدبلوماسية بل تطور لزيارات بين دولة الاحتلال، وبعض الدول، آخرها زيارة الرئيس التشادي، إدريس ديبي التي تعد الاولى من نوعها بعد انقطاع في العلاقات منذ العام 1972م، بفعل ضغوط مارستها الدول العربية على الدولة الإفريقية، ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد حيث كشفت هيئة البث العبرية "مكان" عن زيارة مرتقبة لرئيس حكومة الاحتلال إلى السودان، دون أن تحدد "جنوب السودان" في محاولة منها لخلط الأوراق، لكن مواقف السودان معروفة وواضحة بشأن العلاقات مع الاحتلال، فضلا عن تمتع السودان بعلاقات قوية مع الفلسطينيين.
وأوضح الكاتب والمحلل السياسي المختص في الشأن الاسرائيلي، د. هاني العقاد، أن دولة الاحتلال تتطلع وتسعى إلى احداث اختراقات في العلاقات مع بعض الدول الأفريقية، التي تشكل قوة لا يستهان بها في هيئة الأمم المتحدة، والمحافل الدولية، وتتبع لموقف موحد من الاتحاد الافريقي الذي يضم 55 دولة، مشيرا إلى أن الاتحاد الافريقي له مواقف قوية وقرارات راسخة من القضية الفلسطينيةويدعم تحررها في هيئات ومؤسسات الأمم المتحدة كافة، والتي تكلل في رفض المشاريع الأميركية - "الاسرائيلية"، وتجلى واضحا في ادانته الواضحة لنقل السفارة الأميركية إلى القدس.
وأشار في تحليل لـ"النجاح الاخباري"، إلى أن الصراع بين منظمة التحرير الفلسطينية والاحتلال في القارة السمراء يعود إلى عقود، استطاعت خلال الفترة القيادة الفلسطينية بفضل حكمتها أن تنتصر فيه وتستحوذ بالكامل على القرار الأفريقي لصالح دولة فلسطين، وتدعم صمودها في وجه الاحتلال، حتى التحرر واقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف.
وتأسس الاتحاد الأفريقي، وهو منظمة دولية تتألف من 55 دولة أفريقية، في 9 يوليو 2002، متشكلاً خلفاً لمنظمة الوحدة الأفريقية، حيث تُتّخذ أهم قرارات الاتحاد في اجتماع نصف سنوي لرؤساء الدول وممثلي حكومات الدول الأعضاء من خلال ما يسمى بالجمعية العامة للاتحاد الأفريقي، ويقع مقر الأمانة العامة ولجنة الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا، أثيوبيا، وفي اجتماع الجمعية العامة للاتحاد في فبراير 2009 الذي رأسه الزعيم الليبي معمر القذافي، أعلن عن حل لجنة الاتحاد الأفريقي وإنشاء سلطة الاتحاد الأفريقي، وحصلت فلسطين على صفة عضو مراقب بالاتحاد الأفريقي عام 2013.
وعرَّج د. العقاد، على زيارة الرئيس التشادي "إدريس ديبي" إلى دولة الاحتلال، الأحد بأنها جزء من خطوات صفقة القرن المزعومة التي تحاول فرضها الادارة الأميركية، على المنطقة، وإخراج دولة الاحتلال من عزلتها السياسية، ومزاعمها ببناء علاقات مع دول أفريقية وعربية، في خطوة نحو قلب مبادرة السلام العربية التي أطلقها ملك السعودية الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، والتي تهدف إلى إنشاء دولة فلسطينية معترف بها دولياً على حدود 1967 وعودة اللاجئين، وانسحاب من هضبة الجولان المحتلة، مقابل اعتراف وتطبيع العلاقات بين الدول العربية مع دولة الاحتلال، موضحًا أن حكومة الاحتلال عمدت إلى فتح علاقات مع بعض الدول العربية، والأفريقية، قبل اقامة الدولة الفلسطينية والانسحاب من الاراضي المحتلة عام 1967، مستشهدًا بزيارة نتنياهو الأخيرة إلى سلطنة عُمان، وزيارات متكررة لوزراء في حكومة الاحتلال إلى دولة قطر، وإعلان الناطق الرسمي للشؤون العربية في مكتب نتنياهو قبل يومين هاني أبو مرزوق بأن الاحتلال يستعد إلى زيارة البحرين.
وأفادت هيئة البث العبرية (مكان) مساء الأحد، بأن ما يعرف بوزير الاقتصاد في حكومة الاحتلال الاسرائيلية، ايلي كوهين، تلقى دعوة رسمية لزيارة البحرين منتصف شهر أبريل من العام المقبل، وسيشارك كوهين "وفق الهيئة" في مؤتمر عالمي على مستوى الوزراء حول دول "الستارت أب" الرائدة في مجال التكنولوجيا والابتكار، بتنظيم من البنك الدولي، وذكرت أن المؤتمر سيناقش على مدار ثلاثة أيام أساليب تحفيز أماكن العمل وتعزيز النمو الاقتصادي بمشاركة صناع قرار ومبادرين ومستثمرين من 170 دولة، والخميس الماضي، كشف مكتب رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن مملكة البحرين هي وجهته القادمة، بعد زيارة عُمان في الآونة الأخيرة.
ونبَّه "العقاد" إلى أن الأمر يختلف كليًا مع مصر والاردن، مشيرًا غلى انهما أقامتا اتفاقيات سلام مع الاحتلال، تسمح لهم بعلاقات دبلوماسية محدودة، لحين انهاء الاحتلال واقامة الدولة الفلسطينية.
ووقَّعت معاهدة السلام بين مصر والاحتلال بعد 16 شهرا من زيارة الرئيس المصري أنور السادات لدولة الاحتلال في عام 1977 بعد مفاوضات مكثفة، وكانت السمات الرئيسية للمعاهدة الاعتراف المتبادل، ووقف حالة الحرب التي كانت قائمة منذ الحرب العربية "الإسرائيلية" عام 1948 وتطبيع العلاقات وسحب دولة الاحتلال الكامل لقواتها المسلحة والمدنيين من شبه جزيرة سيناء التي كانت احتلتها "إسرائيل" خلال حرب الأيام الستة في عام 1967، فيما وقعت المملكة الاردنية الهاشمية معاهدة سلام مع دولة الاحتلال عرفت بـ"وادي عربة"، في25 تموز 1994، بهدف تحقيق سلام عادل ودائم وشامل في الشرق الأوسط، مبني على قراري مجلس الأمن 242 و338 بكل جوانبهما.
واستبعد العقاد أن تكون دولة السودان التي يترأسها عمر البشير هي وجهة الاحتلال المقبلة وفق ما أفادت وسائل اعلام عبرية، منوهًا إلى أن بث مثل هذه الأخبار "دون توضيح" يقود إلى نوع من خلط الأوراق، والتلاعب نفسيًا بالمواطن العربي والفلسطيني خاصة، وأوضح أن الاحتلال يمتلك علاقات مع جنوب السودان "المنفصل"، مشيرًا إلى أن دولة الاحتلال، وبدعم من الادارة الاميركية، لعبت دورًا مهما في انفصال الجنوب السوداني، وسارعت فور الفصل إلى فتح علاقات دبلوماسية مع زعيم الانفصاليين "سلفاكير ميارديت" الذي زار دولة الاحتلال في ديسمبر 2011 بعد انصال الجنوب السوداني في يوليو من ذات العام، حيث كان في استقباله رئيس دولة الاحتلال شمعون بيرس، ورئيس وزراء حكومة الاحتلال "نتنياهو"، من أجل تطبيع علاقات قوية مع الاحتلال تسمح له للاخير بوطأة قدم في القارة السمراء، وتهدد دولة السودان الشقيق.
ووفقًا للتقرير الذي أوردته هيئة البث العبرية "كان"، فإن تطبيع علاقات الاحتلال مع السودان، يبدأ بفتح الأجواء السودانية أمام شركات الطيران الإسرائيلية، وعلى وجه الخصوص رحلات الطيران المقبلة والمغادرة من "تل ابيب" إلى البرازيل، فيما أكدت فضائية "كان" العبرية، أن زيارة نتنياهو للدولة العربية الأفريقية المسلمة (لم تسمها)، في إشارة إلى السودان، ستكون في الفترة القريبة المقبلة، وأوضحت أن نتنياهو يسعى من خلال تطبيع العلاقات مع السودان، إلى إنشاء مسارات جوية مختصرة من وإلى البرازيل خاصة، وأميركا الجنوبية عموماً، عبر استغلال الأجواء النيجيرية والتشادية والسودانية والمصرية.
ونوَّه العقاد إلى أن سياسة نتنياهو المزعومة، تهدف إلى فتح آفاق من العلاقات مع الدولة المؤثرة في قرارات الأمم المتحدة، في محاولة منه لضرب تحالفات القيادة الفلسطينية مع نظرائها العرب والافارقة، والتأثير على مواقفهم في المحافل الدولية، في الوقت التي نجحت فيه الدبلوماسية الفلسطينية من عزل دول الاحتلال عن العالم، نتيجة جرائمها المستمرة تجاه الشعب الفلسطيني وسلب مقدراته، وتدمير مقومات الدولة الفلسطينية وعزل العاصمة الأبدية عن باقي الاراضي الفلسطينية، وتهويد المقدسات الاسلامية والمسيحية، واسقاط حق اللاجئين والعودة، والاستيطان، والمياه التي تعد من الثوابت الأساسية في مفاوضات الحل النهائي.
وشدَّد على أن تحركات الاحتلال تهدف أيضًا إلى محاولاته المتكررة لإسقاط مبادرة السلام العربية، ووضع الحواجز أمام تعليق الآمال عليها من أجل تذويبها، مبينًا أن نتنياهو سارع إلى الحفاظ على حكومته من الإنهيار، والقبول بتهدئة مع فصائل المقاومة في غزة، من أجل فتح المجال أمامه للجهود الدبلوماسية التي يقودها في فتح علاقات مع دول عربية وأفريقية، مُفضلًا في ذلك الحل السياسي على التصعيد والحرب، التي من شأن الاخيرة أن تضع الدول التي أقدم على تطبيع العلاقات معها في موقف حرج أمام شعوبها حال اختار الحرب.
يُشار إلى أن مساع نتنياهو تبرُز في احداث اختراقات على صعيد العلاقات مع دول عربية وأفريقية، في محاولة منه لقطع الطريق على الدبلوماسية الفلسطينية التي رسخت نجاحًا قويًا في عزل دولة الاحتلال عن العالم، فضلًا عن استمراره في محاولاته المستمرة لتثبيت صفقة القرن المزعومة التي تحدثت عنها ادارة الرئيس ترامب مرارًا، وصولًا إلى محاصرة القضية الفلسطينية من جميع الجوانب، الأمر الذي تتصدى له القيادة الفلسطينية بكل جهودها وتسعى إلى حشد الطاقات الرسمية والشعبية في كافة دول العالم، لمحاسبة الاحتلال على جرائمه، وتأكيدها على المطالبة بمؤتمر دولي للسلام تُفضي قراراته إلى تحديد جدول زمني لانهاء الاحتلال واقامة الدولة الفلسطينية، وإلزام الاحتلال بتنفيذ قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن، الرامية إلى ارجاع الحقوق المسلوبة للشعب الفلسطيني وحقه في بناء دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.