نابلس - هبة أبو غضيب - النجاح الإخباري - خطط ممنهجة من أجل التهويد في مدينة القدس المحتلة، ولكن هذه المرَّة بـ"تقليص الفروق الاقتصادية والاجتماعية"، مخطط يختبئ وراء عباءة تحسين الواقع الاقتصادي للمقدسيين، يحمل في طياته خفايا تقضي على الوجود المقدسي، وتطبيق مخطط "القدس الكبرى" الذي يطمح له الاحتلال كما أكَّد خبراء لـ"النجاح الإخباري".
وأوضح المحلل السياسي والمختص في الشأن الإسرائيلي صالح النعامي في تحليل خاص لـ"النجاح الإخباري"، أنَّ إسرائيل تسعى لتوفير بيئة مناسبة من أجل تحسين قدرتها على حسم مصير القدس وضمان تهويدها.
وأشار إلى أنَّ خطة الاحتلال في تقليص الفروق الاقتصادية والاجتماعية بين المقدسيين والمستوطنين تضمنت مشاريع لتحسين الواقع الاقتصادي في القدس المحتلة وتقليص مظاهر مشكلة السكن الناجمة عن رفض سلطات الاحتلال منح تراخيص لبناء المنازل وتحسين واقع البنى التحتية في المدينة ودمج المقدسيين في سوق عمل الاحتلال.
وفي الوقت ذاته رجح النعامي أنَّ هدف الاحتلال من الخطة هو من أجل التأثير على الوعي الجمعي للمقدسيين ودفعهم للتعاون مع المشاريع الهادفة لاستكمال تهويد المدينة والتأثير على دافعيتهم لمقاومتها.
ولفت إلى أنَّ خطة الاحتلال تحمل في طياتها توحيد مناهج التعليم، حيث يهدف الاحتلال بشكل أساسي إلى التأثير على الوعي الجمعي من خلال التدخل في المناهج الفلسطينية وشطب اسم فلسطين وكل ما يتعلق فيها.
ومن وجهة نظر الاحتلال حسبما رآها المحلل السياسي، إنَّ تحسين الواقع الاقتصادي في القدس المحتلة ينطلق من افتراض مفاده أنَّ إحداث تحول على الواقع المعيشي والاجتماعي، سيقلل من اندفاع المقدسيين للانخراط في العمل المقاوم ضد الاحتلال.
وأضاف أن هذا الأمر يساعد بشكل غير مباشر في تراجع مستوى ممانعتهم لسياسات التهويد وإقناعهم بعدم التعرض لحملات اقتحام المسجد الأقصى التي ينفذها المستوطنون اليهود، والتي تعاظمت بشكل دراماتيكي منذ نحو عام.
وتابع "الأمر الذي يؤدي لتحسين البيئة الأمنية في القدس المحتلة، وبالتالي تنفيذ مخططات الاحتلال الهادفة إلى إحداث تحوّل في ميزان القوى الديمغرافي بين الفلسطينيين والمستوطنين، وصولاً إلى أهداف خطة "القدس الكبرى"، التي ترمي إلى زيادة عدد اليهود في المدينة إلى مليون مستوطن".
أما من الناحية الإسرائيلية أوضح النعامي أن تنفيذ مخطط حكومة بنيامين نتنياهو سيقنع المزيد من المستوطنين اليهود من غير أتباع التيار الديني بشقيه الصهيوني والحريدي، بالتوجه إلى الإقامة في المستوطنات في القدس المحتلة ومحيطها.
وحول إمكانية نجاح خطة الاحتلال في التهويد، استبعد المحلّل السياسي ذلك، مستشهدًا في المحاولات السابقة التي حاولت التأثير على وعي الفلسطينيين، وفرض مناهج تعليمية تكرِّس رواية المحتل لكنها فشلت بذلك.
وأضاف لـ"النجاح" أنَّ ما يرجح فشل هذه الخطة هو أن تحسين الواقع الاقتصادي لم يسهم في تقليص مستوى المقاومة ضد الاحتلال. قائلا "عشية اندلاع الانتفاضة الأولى أواخر عام (1987)، كانت الأوضاع الاقتصادية في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس ممتازة مقارنة مع الواقع حالياً، ومع ذلك رفض الفلسطينيون التعايش مع الاحتلال وخاضوا غمار انتفاضة استمرت نحو سبع سنوات وأحدثت تحولاً عميقاً على بيئة الصراع".
وحول نجاحها على المستوى الإسرائيلي الداخلي، رأى النعامي أن الاستقطاب بين قوى اليمين الديني والعلماني التي تشكّل الائتلاف الحاكم في إسرائيل، يسهم في إفشال هذه الخطوة.
وأوضح أنَّ موشيه ليئون، المرشح الذي يُتوقع أن يفوز برئاسة بلدية القدس، والمدعوم من قوى اليمين الديني،توعد بجملة من الإجراءات التهويدية، وفرض سياسة أكثر تشدداً من التي ينتهجها رئيس البلدية الحالي نير بركات ضد البناء غير المرخص للفلسطينيين في القدس المحتلة؛ وهو ما يعني أن الأسباب التي تدعو المقدسيين إلى مواصلة التصدي للسياسات الإسرائيلية ستتعاظم فقط.
بالأرقام: تمهيد التهويد
بدوره أكَّد الأمين العام للهيئة الإسلامية المسيحية لنصرة القدس والمقدسات د. حنا عيسى أنَّ إسرائيل منذ احتلالها للقدس عام (1948) هدفت إلى الإستيلاء على (19) كيلو متر مربع من مجموع (21) كيلو متر مربع، حيث بدأت بتوسعة المدينة للسيطرة عليها واحتلت ما تبقى منها عام (1967).
وأضاف عيسى في تصريح خاص لـ"النجاح الإخباري" أنَّ القدس مساحتها (125,156) كيلو متر مربع، (84%) منها لصالح الجزء الغربي، و(16) للجزء الشرقي من القدس.
وأوضح أنَّ إسرائيل نشرت مستوطناتها تدريجيًّا حول القدس وداخلها، مؤكّدًا أنَّها أنشأت (29) مستوطنة داخل القدس، و(43) حول القدس (43).
وأشار إلى أنَّ الاحتلال يركز من الأساس على كيفية طرد الفلسطينيين وإفساح المجال للمستوطنين.
وأضاف أنَّ عام (1967) بلغ عدد اليهود في القدس (195) ألف و(700) يهودي، بينما كان عدد الفلسطينيين (67) ألف و(609) مواطنًا، وفي المقابل عدد الإسرائيليين في القدس الآن يبلغ حوالي (882) ألف إسرائيلي ويبلغ عدد الفلسطينيين (330) ألف فقط.
ولفت عيسى إلى أنَّ الخطة الإسرائيلية لعام (2020) تهدف لبقاء (12%) فقط من الفلسطينيين في القدس، ولكن الاحتلال لم يفلح بذلك فقام بتمديدها لعام (2025)، في الوقت الذي تفرض فيه إسرائيل الضرائب على المقدسيين بشكل كبير من أجل تهجيرهم.
وأضاف أنَّ الاحتلال يمنع المقدسيين من البناء لحجة الترخيص، قائلا "مبلغ الترخيص المفروض على البناء في القدس في عام (1990) بلغ ثلاثة آلاف دولار، بينما يصل الآن لـ(150) ألف دولار، ما يعني أنَّ (120) مترَا يحتاج لمليون دولار.
وأكَّد أنَّ فرض الضرائب على المقدسيين منذ (1967) دفعهم لإغلاق (250%) من محالهم التجارية، حيث تجمع إسرائيل (100) مليون دولار من الفلسطينيين في السنة، تصرف على الجزء الشرقي من المبلغ (7%) وماتبقى تحوله للجزء الغربي من القدس للمستوطنين.
وأشار إلى أنَّ الهدف مما سبق اضعاف البنية التحتية للفلسطينيين وتهجيرهم.
هذا عدا عن تدخل الاحتلال في العملية التعليمية، حيث أوضح عيسى لـ"النجاح" أنَّ (55%) من التعليم تحت سيطرة المنهاج الاسرائيلي لتجهيل الفلسطينيين وإبقائهم تابعًا بهدف الحفاظ على التوازن القومي اليهودي في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
كما فرض الاحتلال قانون القومية في (19/7/2018) لتطبيق مخطط "القدس الكبرى" ويهودية الدولة كعاصمة أبدية للاحتلال، ونوَّه إلى أنَّ (95%) من مدينة القدس المحتلة تمَّ تهويده.
"إلى جانب هذه الانتهاكات تسعى إسرائيل في الوقت الحالي لطرد الفلسطينيين من شعفاط وكفر عقب، وعزل (140) ألف مواطن فلسطيني وتكرار سيناريو الجدار العازل عندما عزلت (120) ألف فلسطيني". قال عيسى
"منذ الـ(67) سحبت إسرائيل هوية (15) ألف مواطن فلسطيني من مدينة القدس.
وتابع منذ (1968) حتى شباط (2014) صادرت إسرائيل (24) ألفًا و(200) دونم من الأراضي الفلسطينية، وتسعى لمصادرة الممتلكات تحت مسميات مختلفة كالتسريب والبيع.
وتوقع عيسى أن تنجح مخططات الاحتلال كونها تعمل ببطء في الوقت الذي نجحت فيه بخلق خلافات فلسطينية جانبية.
المطلوب الآن من وجهة نظر الأمين العام للهيئة استراتيجية ومرجعية موحَّدة، وضخ أموال لمساعدة المقدسيين على دفع الضرائب المترتبة عليهم، إضافة إلى تعزيز الوعي لدى الفلسطينيين حول القدس مناشدًا المؤسسات الرسمية بذلك.