غزة - خاص - النجاح الإخباري - اتخذ المجلس المركزي الفلسطيني في اجتماعه الاخير الذي عقد في رام الله، جملة من القرارات الهامة على صعيد العلاقة مع الادارة الأمريكية، والاحتلال الاسرائيلي، وأيضا المصالحة الوطنية مع حركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة منذ منتصف العام 2007، لكن أهمها قرار الانفكاك الامني والاقتصادي مع دولة الاحتلال الاسرائيلي، وتعليق الاعتراف بإسرائيل، ويرى محللون أن تنفيذ القرارات التي اتخذت في المجلس الوطني درس آليات تنفيذها المجلس المركزي، ورفع توصيات بالبدء بها إلى اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية من أجل تطبيقها، قد تحتاج إلى مزيد من الوقت، بسبب الاتفاقيات الموقعة مع الاحتلال وأبرزها "أوسلو" واتفاقية باريس الاقتصادية، نظرا للترابط بينهما في العلاقات الأمنية والاقتصادية واعتماد الاقتصاد الفلسطيني بنسبة تقارب 90% على الاقتصاد "الاسرائيلي" في المعاملات التجارية، التي تدخل إلى الضفة الغربية وقطاع غزة عبر المعابر والموانيء"الاسرائيلية".
فلماذا اتخذت القيادة الفلسطينية قرارات هامة تجاه قطع العلاقة مع الاحتلال، وما هي أبرز الجوانب الايجابية في قطع العلاقة، وأيضا الآثار التي قد يترتب عليها الانفكاك التدريجي من الاتفاقيات مع الاحتلال؟.
الكاتب والمحلل السياسي المختص في الشأن الاسرائيلي، د. هاني العقاد، أوضح أن الذي دفع القيادة الفلسطينية إلى التحلل من الاتفاقيات الموقعة مع الاحتلال والانفكاك تدريجيا منها، خطوة في الاتجاه السليم، مشيرًا إلى أن حكمة القيادة في قطعها بالتدريج، جاء بعد دراسة شاملة للموقف السياسي وانسداد الأفق مع الاحتلال في مسار تطبيق ما تم الاتفاق عليه في الاتفاقيات الدولية الموقعة مع الاحتلال، وتنصل حكومات الاحتلال المتعاقبة من تنفيذ المراحل المتعاقبة والانتقال من مرحلة السلطة الوطنية الفلسطينية إلى إقامة الدولة وعاصمتها القدس الشريف على حدود الرابع من حزيران عام 1967، واستمرار الاحتلال في تهويد القدس وعزلها، والتوسع الاستيطاني في الضفة الغربية وسلب المزيد من الاراضي لصالح الاستيطان وتوسيعه، وتهجير التجمعات السكنية والتي كان آخرها محاولات الاحتلال لاخلاء قرية الخان الأحمر بنية ضمها للاراضي التي تسيطر عليها دولة الاحتلال وعزل القدس والاغوار عن بقية مدن الضفة الغربية.
وأشار في تحليل خاص بـ"النجاح الاخباري" إلى أن انغلاق المسار السياسي، وتعنت الاحتلال في تطبيق ما تم الاتفاق عليه، وانحياز الادارة الأميركية الجديدة وتبنيها لمواقف حكومة الاحتلال، بنقل السفارة الأميركية إلى القدس، وقطع المساعدات عن السلطة الوطنية الفلسطينية ومؤسساتها، ومنعها تقديم الدعم لـ"الاوروا"، وحجب الدعم عن المؤسسات العاملة في القدس، دفع القيادة الفلسطينية إلى اتخاذ مواقف جرئية وحازمة من الادارة الاميركية والاحتلال، والبحث عن راعٍ دولي ونزيه لعملية السلام، والدعوة لمؤتمر دولي برعاية أوروبية، من أجل انهاء الهيمنة الأميركية، وعدم الاعتراف بشرعيتها في رعاية التسوية السياسية، واتخاذ موقف منها نتيجة انحيازها الكامل لدعم الاحتلال.
ويتفق معه الكاتب والمحلل السياسي، د. ناصر اليافاوي، في أن المأزق السياسي التي فرض نتيجة القرارات التعسفية الاسرائيلية والاميركية، فرض واقعا جديدا في التعاطي معها، ودفع القيادة الفلسطينية لاتخاذ جملة من القرارات تقوّض من الدور الأميركي المنحاز أساسا لدولة الاحتلال في قراراتها والدفاع عن جرائمها التي ترتكتب يوميا بحق الفلسطينيين، الأمر الذي قاد القيادة الفلسطينية لرفضها بالكامل والبحث عن خيارات جديدة تُجبر المجتمع الدولي للتدخل من أجل تطبيق القرارات الأممية والدولية الخاصة بالقضية الفلسطينية، فيما اعتبر الاثنان أن القرارات خطوة مهمة نحو انهاء الاحتلال.
وأشار اليافاوي إلى أن قرارات المركزي حملت عدة رسائل في جميع الاتجاهات وأبرزها للاحتلال والادارة الأميركية والمجتمع الدولي من أجل تدخل عاجل وسريع يحمي حقوق الشعب الفلسطيني واستقلاله وتقرير مصيره.
وقالت مصادر لصحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية، إن تنفيذ قرارات المجلس المركزي سيكون بالتدرج وليس مباشرة. وأضافت: "الاقتراحات على الطاولة الآن ليس الانسحاب مباشرة من اتفاق أوسلو، وإنما التفكك من التزاماته كما تفعل حكومة الاحتلال". وتابعت: "نناقش الآن خطة قد تمتد لعام أو أكثر من أجل تطبيق القرارات".
وكان الرئيس الفلسطيني محمود عباس قال، إن قرارات المجلس المركزي الأخيرة، اتخذت بهدف مواجهة الظروف الصعبة التي تمر بها القضية الفلسطينية، وأضاف خلال ترؤسه الاجتماع الأول للجنة الوطنية العليا المكلفة بتنفيذ قرارات المجلس المركزي الفلسطيني: "نجتمع اليوم لمتابعة تنفيذ القرارات والقضايا كافة التي أوكلت إلينا من قبل المجلس"، وتابع، "المهمة صعبة في ظل الوضع الأصعب والأخطر، ولكن لدينا الإرادة لننفذ كل القرارات بكل العقلانية والاحترام".
ولفت "العقاد" إلى أن تنفيذ القرارات سيغير المشهد السياسي الفلسطيني بأكمله على كافة الاصعدة، والتقدم خطوات أسرع نحو الاستحواذ على مواقف دول العالم التي تدعم انهاء الاحتلال، وانتزاع اعترافات تُثبّت شرعية القرارات الدولية والتي من شأنها أن تضع السلطة القائمة بالاحتلال والادارة الأميركية في موقع الحرج والعزلة الدولية، وتشكل لوبي عالمي ضاغط من أجل اقامة مؤتمر دولي للسلام يُفضي إلى تحديد جدول زمني لإنهاء الاحتلال واقامة الدولة الفلسطينية.
وشدد العقاد على أن قرار سحب الاعتراف بـ"اسرائيل" واتباعه بقطع العلاقات يضمن استمرار السلطة الوطنية الفلسطينية، مشيرًا إلى أن البديل يكمن في تعزيز دور الأمم المتحدة كوسيط نزيه لعملية السلام، وتحملها مسؤولياتها الكاملة تجاه الشعب الفلسطيني، إضافة إلى احراج المجتمع الدولي ودفعه للخروج عن صمته تجاه الممارسات التعسفية التي تمارسها سلطات الاحتلال من أجل تدمير المشروع الوطني الرامي إلى اقامة دولة فلسطينية وفق القرارات الأممية الصادرة عن الأمم المتحدة ومجلس الأمن.
ونبَّه إلى أن التحدي الخطير يكمن في تطبيق القرارت التي تم اتخاذها، وفق جدول زمني يتم بالتدريج مع تقييم كل خطوة، من أجل وضع حد لمحاولات الاحتلال والادراة الأميركية بتطبيق صفقة القرن، متوقعا أن تشهد الفترة المقبلة تضييق الخناق على السلطة الفلسطينية، قد تصل إلى حصارها، من أجل محاولات تمرير "صفقة العصر" التي توقفت أمام تعنت موقف الرئيس الفلسطيني، والقيادة.
وحذَّر من سيناريوهات جديدة قد يلجأ إليها الاحتلال في المرحلة المقبلة ردًا على القرار الفلسطيني المستقل، من محاولات فرض الفراغ الأمني، بتقطيع مدن الضفة الغربية وعزلها أكثر مما هو الحال عليه، ورفع وتيرة القتحامات للمدن والقرى والمخيمات، بحجج وذراع أمنية واهية، منوها إلى أن الخيار الأمثل أمام القيادة الفلسطينية يكمن في بذل المزيد من الجهود الدبلوماسية والتحشيد الدولي واصرارها على عقد مؤتمر دولي للسلام يتبنى جدولا زمنيا لانهاء الاحتلال واقامة الدولة.
وتسعى حكومة الاحتلال للمصادقة قريبًا على مضاعفة عدد موظفيها من اليهود والعرب في "الإدارة المدنية"، وذلك لأول مرة منذ إبرام اتفاق أوسلو، علمًا أن عدد موظفي الإدارة المدنية انخفض بعد التوقيع على أوسلو، بناءً على فرضية أن دولة الاحتلال ستنسحب من الضفة.
ووفق صحيفة "إسرائيل اليوم" العبرية، فإن اللجنة الفرعية في الكنيست لشؤون "الضفة الغربية"، برئاسة عضو الكنيست عن حزب البيت اليهودي موتي يوغيف، قدمت توصية لحكومة الاحتلال الإسرائيلية للمصادقة على خطة سيتم بموجبها إضافة 280 موظفًا جديدًا إلى "الإدارة المدنية" في السنوات القادمة، من بينهم 150 موظفًا فلسطينيًا.
و"الإدارة المدنية" هي هئية الحكم والإدارة التي أنشأتها حكومة الاحتلال الإسرائيلية عام 1981، وتعتبر الجسم المكلف بإدارة الضفة الغربية وقطاع غزة، وهي جزء من كيانٍ أكبر يُطلَقُ عليه "مكتب تنسيق الحكومة في المناطق"، ويتبع لوزارة حرب الاحتلال. وبعد توقيع اتفاقية أوسلو تولت السلطة الوطنية الفلسطينية مهامها إلى حد كبير في عام 1994.
وكانت صحيفة "كالكيست" العبرية الاقتصادية قد كشفت مؤخرًا النقاب عن توقيع اتفاقية بين وزارة المالية في حكومة الاحتلال الإسرائيلية و"الإدارة المدنية"، ستحصل بموجبه الثانية على ميزانيةٍ تصل إلى 9 مليون شيقل لبناء 12 منشأة جديدة في الضفة الغربية، من أجل مساعدة شركات الإنشاءات الإسرائيلية على تشغيل العمال الفلسطينين بهدف تخفيف الضائقة السكنية في "الاراضي التي احتلتها اسرائيل".