مارلين أبوعون - النجاح الإخباري - آفة تفتك في المجتمع، وطريق للضياع والدمار لا عودة منها، من يقع في وحلها يخسر صحته وأسرته وكرامته واحترامه بين الناس بل ونقوده.
المخدرات تطفو على السطح في غزة الغارقة بالهمّ والمآسي، مع قلة فرص العمل والوضع الاقتصادي المتدهور لتحلّ مصيبة جديدة قديمة تضاف إلى قائمة همومهم ومصائبهم، في بلد فقير لا يملك المواطن فيه قوت يومه، فأي ثمن قد يدفعه المتعاطي والمدمن؟
يلجأ الكثير من المتعاطين لطرق النصب والاحتيال والسرقة لتوفير ثمن المخدرات.
كل ما كسبه من تجارة المخدرات ضاع
الشباب سائد.أ (34)عامًا، وهو أحد الشباب المتعافين من المخدرات يقول لـ"النجاح الإخباري" : "أنا شاب عاطل عن العمل تعرفت على مجموعة من أصحاب السوء، أقنعوني بأنَّه يمكن الحصول على فرصة جيدة لتحسين وضعي الاقتصادي، ولا تكلّف مجهوداً، وأجني أموالاً طائلة من خلالها، لمعت الفكرة في عيني وتحمست لها." ، كان العمل في بيع وترويج المخدرات، الذي يجني أموالاً طائلة، في ذلك الوقت وصلت حبة الترامادول إلى (50) شيكل للحبة الواحدة، ومع ذلك كان إقبال الشباب على شرائها كبير، كان المطلوب مني فقط أن أوزّع كرتونة الحبوب المخدرة على الشباب، مقابل نسبة معينة يتم تحديدها بالاتفاق، وبسريّة تامّة طبعًا"، وتابع: " بصراحة العمل في بيع المخدرات خطير جدًا، لكن كلما كنت أتذكر التزاماتي المطلوبة مني للبيت ولإبني، أصر على العمل وكسب المزيد، وحينما جرت الأموال في يدي وتحسن وضعي المادي قرَّرت تجربة الحبوب؛ علّي أحس بالسعادة وكم كنت مخطئاً، فمن اليوم الذي أدمنت فيه حبوب الترامادول وليريكا والحشيش وأنا مغيب تمامًا، غاب عقلي وصحتي ومستقبلي، حتى أسرتي غابت، لم أعد قادرًا على شيء وعندما علم أصحاب السوء بخبر إدماني وبأنَّني لم أعد التفت لعملي وأنَّني أتعاطى سحبوا مني العمل وأخبروني أنَّني أصبحت خطراً عليهم.
أما عن رحلت علاجه قال:"أصبحت هائمًا على وجهي بعد أن خسرت عملي وصحتي ،فكلّ همي أن اشتري المخدرات وأشربها وأنام، كلما احتجت نقودًا بعت أثاث منزلي، كل ما كسبته من تجارة المخدرات خسرته من أجلها، زوجتي يئست من حالتي ومن احتمال علاجي تركتني وذهبت لبيت أهلها، لحظتها كان لابد لي من أن أقف مع نفسي وأقوي إرادتي، وفعلًا توجَّهت لأحد مراكز الإدمان، وخضعت لخطة علاجية قاسية استمرت شهورًا عديدة، حتى منَّ الله عليَ بالشفاء، واستعدت حياتي السابقة" ، وأضاف موجّهًا نصيحة للشباب: "لا تضعفوا أمام قلة فرص العمل والفقر، والحوجة فهي أفضل بكثير من الوقوع في براثن الإدمان، ليلة واحدة تعيشونها في رحلة العلاج بألف ليلة بدون أكل ،كما أوجه رسالتي إلى الأهل، لا تعطوا أبناءكم مالًا من غير أن تسألوهم عن الوجهة التي سيُصرف بها، وانتبهوا على أولادكم من رفقاء السوء".
مدمن آخر تحدّث عن قصته لـ"النجاح الإخباري"، وقد تحوّل للنصب والاحتيال، بعد أن كان موظفًا في شركة كبيرة في غزّة، عماد .ع والذي يعمل محاسبًا كان حاله مستقرًا قبل أن يتعرف على زميله في العمل فايز.م، بدأت السهرات والارتياح حتى طلب منه فايز أن يجرب سيجارة حشيش، راقت له وسهرة بعد سهرة أصبح عماد مدمنًا لا تمر ليلة دون أن يشتري الحشيش، خسر عمله في الشركة بعد أن ساءت حالته ودخل في دوامة السهر والتأخير والتراخي في العمل حتى تمَّ طرده، لينضمّ لجيش العاطلين عن العمل بل والمدمنين، يقول:" بعد أن طُردت من عملي، زادت حاجتي للمال لأشتري الحشيش حتى صديقي الذي عودني على شربها لم يتعرف علي ولم يرد على مكالماتي، دفعتني الحاجة للنصب أصبحت أخدع الناس بحجة أنَّني سأقدم لهم خدمات ما وآخد منهم النقود وأختفي، ومرة من المرات نصبت على رجل وعدته أن أوظف ابنه في الشركة التي أعمل بها بحجة علاقتي القوية بالمدراء، ولما اكتُشف أمري وذهب هذا الرجل إلى الشركة، التي بدورها قدّمت شكوى ضدي للمحكمة فتمَّ حبسي بتهمة النصب والاحتيال، وقضيت شهورًا طويلة في السجن بين الإهانة والحوجة والعذاب مطالبات بتغليظ العقوبات.
كل ما سبق ليس إلا نموذجًا مصغّرًا لقصصٍ كبيرة تحدث في غزَّة والضفة، يقع أصحابها في وحل الإدمان الذي يجر بعده مصائب كبرى ما خلق حالة من الاجماع بضرورة تغليظ العقوبات على تجار ومروجي المخدرات تصل للإعدام .
وتثير الكميات المضبوطة من المواد المخدّرة كل يوم الصدمة والذهول ما دعى البعض للقول بأنَّ إعدام عدد من التجار والمروجين أفضل من إعدام جيل كامل من الشباب، عبر إغراقهم في وحل المخدرات.
وقال ذوي الرأي أنَّ هذه العقوبات يجب أن تتزامن مع حملات توعية في المساجد والمدارس، وتشديد رقابة أولياء الأمور على أبنائهم، وإحكام السيطرة على كل المنافذ المؤدية للقطاع، والتي من الممكن إدخال المخدرات من خلالها.
وحول الأساليب الغريبة التي ابتكرها تجّار المخدرات لادخالها للقطاع والتي عرفت أثناء الضبط فتارةً يضعون المواد المخدرة داخل مغلفات مواد غذائية "شبس"، وتارة يخلطون "فروش الحشيش" وسط الأسماك، مستغلين صعوبة تفتيشها بالأيدي ،وداخل إطارات السيارات، وداخل بعض الأجهزة الكهربائية، وداخل مراهم طبية مغلفة.
وتشير دراسة فلسطينية إلى أنَّه تمَّ ضبط حوالي (26500) شخص يتعاطون المخدرات بشكل خطر في فلسطين بينهم (16453) في الضفة يتعاطون الحشيش والمارجوانا الصناعية،و(10047) في غزة يتعاطون حبوبًا مخدرة وحشيش بشكل رئيس، والعدد في ازدياد.