رهيفة الرواغ - النجاح الإخباري - تخيل أن تذهب لطبيب نفسي لترتاح وتتلقى علاجك فلا تستفيد! وتسوء الحالة حتى تضطر للعلاج الروحاني،لأن كلَّ الدلائل تشير إلى أنَّك شخص ممسوس، ويجب اخراج الجن من جسدك بالضرب؟!
هذا معروف ومألوف للجميع إلا أنَّ الغريب والمنكر أن يفارق المريض الحياة بسبب الضرب المبرح وسط استغاثته وصراخه.
حادثة تعتبر جريمة قتل حتى لو كان الضرب بحجة العلاج، خاصة إذا كان المسؤول عن هذه الحادثة مشعوذًا أو انتهازيًّا أو ممتهنًا لهذه المهنة يمارسها كمصدر رزق على حساب المساكين مستغلاً جهلهم وسذاجتهم وبعدهم عن الدين.
وحسب إحصائية قديمة حديثة تبيَّن أنَّ نسبة المتعلمين في أوساط الشعب الفلسطيني هي الأعلى عربيًّا، وخصوصًا في قطاع غزَّة، حيث إنَّ (96.4%) من أبناء قطاع غزَّة متعلمون، فيما ترتفع النسبة بين الذكور لتصل إلى (98.3%)، ما يعكس إقبالًا عالي المستوى على التعليم في القطاع الأفقر في الوطن العربي، إلا أنَّ العقلية القديمة والمعتقدات الخاطئة لا زالت تسيطر على الجيل الكبير فيرثها الأبناء ويصدقونها.
ولا أحد يختلف على وجود الجن والمس والسحر يصاب به أصحاب النفوس الضعيفة وعلاجه القرآن، إلا أنَّ سوء التعاطي مع الحالة وعدم التمييز بين الأمراض الروحية والنفسيّة وسوء تصرّف الراقي كثيرًا ما يتسبب بالأذى للمرضى ويزهق أرواح الناس.
في فترة أصبح فيها المواطن الغزي يعاني جميع الأمراض النفسية والعصبية التي سرعان ما يتحوّل إلى العلاج الروحي إذا لم يتحسن، فيلجأ للمعالجين بالقرآن من الرقاة فيدخل المريض في نوبة كبيرة من الصراع الداخلي والوسواس القهري الذي يزيد حالته سوءًا يوماً بعد يوم.
ضُرب حتى الموت
وكان خبر وفاة الشاب عرفات أبوشدق (31) عامًا، قد أرّق قطاع غزَّة إذ ضجَّ قبل أيام بالحادثة، فقد دخل هو الآخر في أزمة نفسية عصيبة تعذر عليه الشفاء منها فاضّطر أهله لعرضه على شيخ أخبرهم بدوره بأنَّ عرفات ممسوس ويحتاج لجلسات علاج، وفي آخر جلسة بحسب رواية أهله أصيب باختناق ومات على الفور، الروايات كثرت حول الحادثة والشرطة قامت بالتحفّظ على إخوته والشيخ المعالج لوجود شبهة جنائية، وقالت التحريات الأوليّة إنّه مات جرّاء الضرب المبرح، أما المعالج فقال: "قتله الجن، فبدل أن يخرج من أصبع رجله الكبير قتله ..!"، رواية لا يصدقها عقل، لرجل فارق الحياة تحت الضرب المبرح وتوسلاته بأن يتوقفوا ويتركوه وشأنه حتى فارق الحياة!
قصة الضحية أبو شدق وغيرها الكثير من القصص يرويها أصحابها بعد نجاتهم من موت محقّق، ولم يتعافوا، في ظلّ وجود المشعوذين ممن يدّعون العلاج بالقرآن مقابل مبلغ من المال التقى النجاح الإخباري بأحد الشيوخ المعالجين بالقرآن الكريم ويدعى (م.ا) وحضر جلسة كان يعالج فيها المريضة إم سامر.خ (26)عامًا والتي عانت على مدار سنة كاملة فقدت خلالها شهيتها للطعام حتى انخفض وزنها للنصف، تاركة حياتها وأولادها وزوجها لا تستطيع أن تلقي لهم بالًا.
في البداية اقترب منها الشيخ وقرأ عليها آيات من القرآن وقال: "إن كان هناك أيّ مس شيطاني أو سحر فتحرك يدها اليمنى أو رجلها لكنَّها لم تتحرك بسهولة، وبعد نصف ساعة تقريبًا تعالت صرخات أم سامر ولم تعد تحتمل الاستماع للآيات في حين ارتعش جسدها، فطلب الشيخ من أهلها أن يقيدوها جيّدًا ليقرأ آيات من القرآن على الماء لتشربه في حين ينفث الماء على وجهها قائلًا إنَّها ممسوسة، والماء المقروء عليه سيحرق الجن، وبالفعل كلما قرأ عليها أخذت تصرخ وهو يرفع صوته بالقراءة والضرب على جسدها بين الفينة والأخرى، حتى هدأ جسمها فجأة، فقال: "سنريحها ونحدد جلسة أخرى بعد أسبوع".
وقال الشيخ (م.ا) لـ"النجاح الإخباري" موضّحًا ما حصل مع هذه الحالة التي أثارت فينا الخوف: "هذه المريضة فيها مسّ شيطاني نتيجة عمل أسود أخذته عن طريق الشرب أو الأكل، فنحاول أن نخرجه منها لكن هذه هي الجلسة الأولى ونحتاج عدّة جلسات أخرى لتشفى ونحصنها من أيّ عمل، وعندما سألناه لماذا لم يخرجه في نفس الجلسة قال: "لا يمكن أن يخرج في نفس الجلسة فالذي يسكن جسدها متعلق بها، واذا أطلنا الجلسة أكثر ستتعب وتنهار، الأفضل أن نريحها للجلسة الأخرى على أن تقرأ مجموعة من الآيات القرآنية على الماء وتستحم بها وتأخذ نوعًا من خلطة الأعشاب الخاصة لحالتها، وأضاف مجيبًا عن كيف شخصّها قال، إنَّ الله أعطاه كرامات وخصّه بها، فهو يرى ما سيحدث الأيام القادمة! ولايمكن الافصاح عنها، علمًا أنَّه تقاضى (300) شيكل مقدمًا ثمن أعشاب وعلاجات سيحضها للمريضة، في حين قال أهلها أنَّها تعيش ظروفًا نفسيّة صعبة بسبب الأوضاع الاجتماعية التي تعرّضت لها و يحياها القطاع.
قصص كثيرة في غزة فهناك العشرات من الشيوخ يعالجون بالقرآن منهم من دخل ممتهنًا هذه المهنة في مقابل مبلغ من المال يعتاش منه، ومنهم من وهب علاج الآخرين لله ولا يأخذ عليه أجرًا، وهم قلة.
يُشار إلى أنَّ الطب النفسي ينكر العلاج الروحاني، ويتعامل مع أيّ حالة تصله على أنَّها اكتئاب مزمن أو توترات عصبية ونفسية، وكذلك العلاج الروحاني ينكر العلاج النفسي ويقول إنَّ جميع سكان غزَّة يمرون بنفس الظروف متطرقين للحديث عن المسّ والعمل والسحر المذكور بالقرآن الكريم ولا ينكره أحد.