عبد الله أبو حشيش - النجاح الإخباري - يخرج الفتى أحمد مراد ابن الثانية عشر من عمره، إلى ميناء غزة البحري بشكل يومي مصطحباً معه عربته الكهربائية التي قدمها له والده قبل عدة سنوات بمناسبة تفوقه بدراسته في المرحلة الأساسية، من أجل استخدامها كأرجوحة للأطفال المصطافين على كورنيش الميناء لتوفير قوت يوم منزله، بعدما انضم والده لقائمة العاطلين عن العمل بفعل قلة الفرص في قطاع غزة.
ولم يتمكن أحمد من رؤية والده مصاب بحالة اليأس، التي أصابته، بسبب قلة فرص العمل، ليكون الأمر المذهل بالتفكير من تلك الفتى، بأن يقوم بمساندة والده في حياته لو بشيء بسيط، ربما هذا يكون دافع حقيقي لتحمل المسؤولية وهو بهذا العمر، بدلاً من استثمار إجازته الصيفية بالمراكز الترفيهية والثقافية والمخيمات المتنوعة مثل باقي أولاد عمره.
لا تقتصر وجود هذه العربات في ميناء غزة فحسب، إنما في كافة حدائق غزة، حيث في مكان يتجمع فيه الناس للترفيه عن أنفسهم، لا تخلو من عربات الأطفال البلاستيكية التي تشغّل من خلال بطاريات شحن كهربائي، ويعمل عليها أطفال ومراهقون يكسبون قوت يومهم من خلال أخذ الأطفال وعائلاتهم في جولات صغيرة مقابل مبلغ زهيد من المال، لاسيما أنها وسيلة لكسب الرزق، بديلا عن حالات التسول التي يلجأ لها بعض الفتية، رغم انه من المفترض أن يكونه هؤلاء هم جزء من العائلات المصطافة بالمتنزهات العامة برفقة أهلهم، لكن ضيق الحال هو من فرض عليهم ذلك.
ويقول أحمد في حديثه لـ" النجاح الإخباري": تفوقت بالصف الثاني الإعدادي بنسبة95%، ورأيت والدي جالس بالبيت دون أن يحقق لي أدنى طموحي، نتيجة عدم استطاعته على ذلك لأنه عاطل عن العمل، لكنني كنت قوي بالتفكير تجاهه وأخذت على عاتقي أن أقوم بتجربة العمل وهي أول مرة أمارسها، حيث جاءت الفكرة بعدما شاهدت بعض الأطفال يعملون على نفس العربة التي تتوفر لدي، والتي قدمها والدي لي أثناء تفوقي بالدراسة بالفصل الخامس الابتدائي.
وينوه أحمد أنه يجني من خلال العمل على عربته الكهربائية ما يقارب ثلاثون شيكل يوميا، لكن ليس كل يوم مثل الآخر، إنما أحيانا يصل ما يحصله خلال فترة العمل حوالي عشرة شواكل فقط.
وفي نهاية كل يوم يجمع أحمد نقوده، ويضعها في يد والده، الذي اندهش من خطوه ابنه الجريئة في تغيير واقع بيته النفسي بشكل عفوي، من خلال توفير جزء بسيط من احتياجات المنزل اليومية ومشاركه والده همومه ومسؤوليته وهو في سن الزهور.
وتغير واقع البيت، ليس بالهدف المطلوب، إنما بنظام (ريحة البر ولا عدمه)، بفكرة بسيطة تتعلق بسرعة البديهة لدى الفتى أحمد، الذي تنازل عن كل طموحه الذي كان يسعى لتحقيقه خلال فترة إجازته الصيفية.
وامتزجت مشاعر والده بالفخر على وجود ابنه سند له بحياته وهو في هذا العمر، والحزن عليه عندما يخرج من البيت كل يوم ظهراً تحت أشعة الشمس الحارقة ويبقى لمنتصف الليل متنقلاً بين الميناء والمتنزهات الأخرى، لجمع مبلغ بسيط بالكاد يسد رمق البيت المتعطش لكل احتياجاته.
وخلال حديث والد الفتى لـ"النجاح"، قائلاً: يتمتع ابني أحمد بالهدوء الكامل بالبيت، حيث يحب مشاهدة التلفاز بشكل مستمر على قنوات الأفلام الوثائقية والقنوات الاجتماعية الأخرى،وكذلك يهوى متابعة مواقع الانترنت المختلفة، والفيسبوك.
ويرى والده أن سلوك ابنه تغير خلال الفترة الحالية، حيث يخرج من البيت ويعود له مرة أخرى نهاية الليل وهو يفكر باحتياجات المنزل وقيمتها، حتى يتسنى له جمعها من خلال عمله على عربته التي لم أتوقع يوماً أن تكون هديتي له مصدر رزق لنا جميعاً.
ويعتبر توجه ابنه أحمد للعمل، هو شعور بالمسؤولية الكبيرة تجاه البيت وإخوانه الأطفال، الذي يحتاجون الكثير من المتطلبات اليومية.
ويبقى القلق يراود أبو أحمد خوفاً على ابنه من تراجع مستواه التعليمي، من خلال تفوقه في تجربة العمل خلال فترة الإجازة الصيفية، فقمت بمرافقته أكثر من مرة لأتعود منه على طريقة عمله حتى أستلم منه العربة بعد بدء العام الدراسي الجديد، لطالما أن العمل ليس عيباً حسب قوله.