مارلين أبو عون - النجاح الإخباري - ما إن تفتح قضية ما تحاكي حياة المواطنين في قطاع غزَّة إلا وتسمع العديد من القصص المختلفة، وعاملها المشترك الظروف الاقتصادية العصيبة التي يعيشها الغالبية العظمى من الناس، باستثناء المسؤولين وحاشيتهم وأبنائهم الذين لا يجدون مشكلة في أي من قضايا حياتهم المعيشية، بل يحثون المواطنين على الصبر.
بعيداً عن أزمة الكهرباء المتفاقمة التي تأقلم عليها المواطن، عائلات مشرّدة بلا مأوى تقتات الفقر والعوز، يبحث بعضهم على شقق بالأجرة وسرعان ما يتركونها لعدم قدرتهم على دفع الإيجار الشهري.
أزمة المستأجرين تتفاقم شهراً تلو الآخر، والمؤجرون نفذ صبرهم مع استمرار الأزمة وقلة الدخل الفردي، وشبح البطالة التي بلغت نسبتها (53.7%) حسب آخر إحصائية رسمية في قطاع غزَّة.
كلُّ شهر يهل على الغزيين هو كابوس يهدد بالتنقل من سكن إلى سكن ومن شقّة إلى أخرى، الشهر الجديد، يحملون هاجس الترحال والتشتت، فأصحاب الشقق في عوز واحتياج لأجرتها ولن يتقبلوا الأعذار.
(مش فاتحها "تكية" ما معك مصاري للايجار خد عفشك واطلع)
قصص موجعة كثيرة مفصّلة على مقاسات همومهم، منهم المواطن أبو أسعد هو أب لخمسة أطفال أربعة منهم في المدارس وخامسهم طفل رضيع يحتاج الحليب الصناعي ومصاريف أخرى، منذ سنوات وهو يعانون قصص الإيجار ويتنقلون من بيت لآخر في كلّ مرّة قصة مختلفة.
في حديث له مع مراسلة "النجاح الإخباري" قال:"منذ سنوات وأنا أتنقل من منزل إلى آخر حتى، ووصل عدد المنازل التي استأجرتها خلال عامين فقط خمسة منازل والسبب الرئيس الذي يجعلني أترك المنزل هو عدم قدرتي على سداد إيجار الشقة شهريًّا فتارة أدفع نصف شهر وتارة أُأجل الدفع للشهر التالي، ما لا يروق للمؤجؤين.
وتابع: "أجرة المنازل تتراوح بين (500-700) شيكل، في وقت من الصعب أن أوفر المبلغ لدفعه للإيجار، وجواب المؤجر الدائم "أنا مش فاتحها تكيّة، معك ادفع وأقعد، ما معك خد عفشك واطلع".
أزواج على عتبة الطلاق والسبب؟
"أم محمد" أم لثلاثة أطفال ربة منزل، هي وزوجها على خلاف دائم بسبب الفقر وقلة العمل، فزوجها بالكاد يوفر لهم لقمة العيش ولا يستطيع أن يدفع الإيجار الشهري، وترى أن لا ذنب لها ولأطفالها في هذا الوضع، تقول: "منذ ثلاث سنوات، أعيش بالإيجار وقد تنقلت بين منزلين غصبًا، فصاحب المنزل يطالبنا بالإيجار ولا نستطيع دفعه فندخل واسطة لكي يصبر علينا، أحيانًا ندبر جزءًا من المبلغ لكنّنا لا نسلم من تذمره أيضًا، أصحاب المنازل يريدون الانتظام في الدفع شهريًّا".
وأضافت، "في مرَّة من المرات استغل صاحب المنزل خروجنا من البيت ووضع قفلًا فوق القفل الخارجي، حين عدنا، قال لنا لا أريد أن أؤجركم أعطوني نقودي وخذوا عفشكم"، حتى اضطر زوجي لكتابة كمبيالة على نفسه لصاحب المنزل بالمبلغ المطلوب على أن يدفعه على أقساط كي نستطيع أن نأخذ عفشنا".
تعيش في حاصل هي وأطفالها الصغار
"ياسمين.ب"، من يرآها يظن أنَّها تجاوزت الخمسين، لكنَّها في الحقيقة لم تتجاوز الثلاثين، قلة حيلتها بعد وفاة زوجها وتنصل أهله من التزاماتهم بما يخص أطفالها السبعة جعلها تعمل هي وأطفالها الأربعة ببيع الحلوى وتنظيف البيوت كي تستطيع أن تدفع ثمن إيجار الحاصل الذي تقطن فيه، وبكل الأحوال هي أيضًا مهدَّدة بالطرد منه؛ لتراكم الإيجار عليها ثلاثة أشهر، تقول: "بعد وفاة زوجي تبدل حالنا أنا وأطفالي، كنت أعيش في منزل العائلة الذي لم يعد يسعنا، فدلّني أهل الخير على حاصل إيجاره بسيط يمكن ان يأوينا، مكان لم يقينا برد الشتاء ولا حر الصيف، هو مرتع للحشرات والزواحف وفوقها لا أستطيع أن أوفر أجرته".
وأضافت ياسمين: "مخصّصات الشؤون الاجتماعية التي نراها كل أربعة شهور هل هي لسد احتياجات أطفالي؟ أم لمتطلبات الحياة اليوميّة؟ أم لدفع أجرة المنزل؟ ما ذنب أطفال فقدوا حنان الأب أن يفتقدوا كرم العيش ودفء منزل يأويهم؟".
وجهات النظر بين المؤجر والمستأجر على النقيض
وفي السياق ذاته كان لـ "النجاح" ببعض المؤجرين، من بينهم أبو نضال الذي يؤجر ثلاثة شقق من عمارته التي يقطنها، حيث لجأ للسكن في شقة واحدة مع أبنائه ليستفيد من إيجار الشقق الثلاث؛ علّه يوفّر دخلًا يسد رمق الفقر والظروف الاقتصادية الصعبة، قال: "منذ خمسة عشرعامًا وأنا أأجر منزلي، وبصراحة المستأجرون يتعبونني جدًا، منهم من يؤجل دفع الإيجار كلّ ثلاثة شهور على شيكات الشؤون الاجتماعية وليتهم يدفعونها كاملة، أعيش صراعًا ونزاعات لا حدود لها معهم، فأضطر إلى طردهم، أنا أيضًا عندي أسرة وأعباء حياة بدنا نعيش."
أمّا "عيسى المدهون" وهو صاحب عمارة سكنية يقول: "أنشأت هذه العمارة كمشروع استثماري، كمصدر دخل يفيدني ويفك أزمتي، لكنّي وقعت بين مستأجرين يعجزون عن ايفاء الأجور، هذا يراكم وهذا يؤجل، كلّ منا له ظروفه القاهرة، ماذا استفدت في هذه الحالة؟ الأفضل أن أبقيها مغلقة!".
ويختم عيسى حديثه من لا يستطيع دفع أجرة منزل لماذا يستزوج ويستأجر؟ لا استطيع أن أتحمل ظروفهم ومشاكلهم "كلنا في الهوى سوا".
صاحب عمارة سكنيّة آخر هو "أبو خالد" يقول: "لم نعد مثل السابق فأنا أأجر العمارة ما يقرب عن السبع سنوات ولم أجد أصعب من هذا السنوات الأخيرة، كان الله بعون الناس".
قصص تعجز الالسن عن وصفها، والأقلام عن تلخيصها، وجع غزّة المحاصرة الجريحة خلق الكثير من المآسي، وتبقى معاناة المستأجرين مستمرة باستمرار الوضع البائس الذي تسبب فيه الانقسام والحصار الإسرائيلي الجائر على القطاع.