عبد الله أبو حشيش - النجاح الإخباري -
مع أنفاس الفجر الأولى يخرج المواطن تامر جمعة (39 عامًا) كلَّ يوم من مخيم الشاطئ غربي مدينة غزة، قاصدًا البحر، يحمل في يده صنارته البسيطة، ليصطاد كمية قليلة من السمك بما يتناسب مع خبرته التي اكتسبها من هوايته بهذا المجال على مدار سنوات طويلة.
تحوَّلت حياة جمعة خلال السنوات الماضية، إلى وضع لا يطاق بسبب عدم توفر فرصة عمل له، ما أدى لعجزه عن توفير مستلزمات حياته ، سيما أنه يعمل عامل في مجال البناء، لكن ضيق الحال جعله يحوّل هوايته لمصدر رزق لقوت عياله، لا للتسلية والترفيه.
ويعيل "جمعة" أسرة مكونة من تسعة أفراد، أكبرهم (15) عاماً.
ويقول أبو محمد لـ "النجاح الإخباري": "إنَّ مهنة صيد الصنارة كانت هواية، أمارسها ثلاثة أيام أسبوعيًّا لأحصل على وجبة سمك طازجة لأطفالي، لكن هذه الأيام بالكاد استطيع توفير وجبة واحدة شهرياً، لأنني مضطر لبيع ما أصطاده".
وأوضح "جمعة" أنَّ احتياجات منزله المادية كلَّ شهر تتجاوز الـ (300) دولار، وهذا ما تعود عليه خلال عمله في مجال البناء، بينما هذه الأيام لا يستطيع توفير نصف المبلغ المطلوب، فحصيلة هوايته لا تكفي كمصدر دخل أساسي".
ويحاول "أبو محمد" أن يقضي وقتاً طويلاً، على تلك الصخرة الصلبة تحت أشعة الشمس الحارقة ليصطاد كمية وفيرة من السمك تسدُّ متطلبات أطفاله التي لا تنتهي.
بينما المواطن حسين حمدان من مدينة غزَّة يخرج يوميًّا بعد صلاة الفجر، إلى شاطئ البحر حاملًا صنارته الصغيرة ليصطاد كميته المتواضعة من الأسماك المتنوعة ومن ثمَّ يبيعها بالسوق بعد أن كانت مجرد هواية للتسلية.
ويقول المواطن حمدان لـ" النجاح الاخباري": "اختار وقت الفجر للصيد هرباً من الشرطة البحرية التي تلاحقنا تمنع صيد الصنارة من داخل أسوار ميناء غزة، حيث يأخذ الصيادون تلك المنطقة كونها مليئة بالصخور، سيما أنَّ هناك أنواع كثيرة من الأسماك تتغذى على الأعشاب الصخرية بكثافة، ما يزيد فرصة الصيد في هذه الأماكن، لكن هاجس الملاحقة تضعنا في سباق مع الوقت كأننا نسرق رزقنا".
ولا يختلف المواطن حمدان عن سابقه، الذي كان الصيد بمثابة هواية منذ نعومة أظفاره، لكنَّ الفقر الذي يعيش فيه جعله يستغل هذه الهواية ويحوّلها لمصدر رزق أساسيّ، في ظلّ سوء الأوضاع التي يعيش بها سكان القطاع، علمًا أنَّه موظف حكومي، إلا أنَّ القروض البنكية والديون تراكمت عليه، ما جعله يعجز عن سدِّ وتأمين احتياجات بيته، الأمر الذي دفعه لبيع كمية الأسماك البسيطة التي يصطادها بصنارة تحمل معها حكاية أوجاع لا يعرف سرَّها إلا جدران منزله.
ويوجد الكثير من أمثال المواطنين "جمعة وحمدان" في قطاع غزَّة منهم خريجو جامعات، تحوَّلت حياتهم من النعيم إلى الجحيم، بسبب قلة فرص العمل في ظلِّ الظروف المعيشيّة الصعبة.
الجدير بالذكر أنَّ "صنارة صيد الأسماك" لا يستخدمها إلا هواة الصيد، كما هو متعارف عليه في غزّة، كنوع من الترفيه عن النفس، وإشباع رغبتهم في تناول الأسماك، إلا أنَّ الظروف دفعت الهواة لتحويلها لمصدر رزق أساسي، هذه الهواية "المهنة" التي رغم سهولتها واتقان الكثيرين لها، تحتاج صبرًا طويلًا ورضىً بما يقسمه الله واحتمال قسوة أشعة الشمس الحارقة.