نهاد الطويل - النجاح الإخباري - تواصل الإدارة الأمريكية الذهاب إلى أقصى حدود التطرف في القضية الفلسطينية من خلال كلّ القرارات التي بدأت من إعلان القدس المحتلة "عاصمة لإسرائيل" في (6 ديسمبر/ كانون الأول الماضي)، ثمَّ عمدت إلى نقل السفارة الأميركية من "تل أبيب" إلى القدس في (14 مايو/ أيار الماضي)، قبل أن تعلن عن وقف دعمها لـ"أونروا" في ظلّ "غياب" واضح لدور أوروبي من شأنه أن يجترح الحلول، أو يقدم البديل وبالتالي كسر حالة الهيمنة الأمريكية.
مخاطرة
في هذا السياق أكَّد المستشار والخبير في الشؤون الأوروبية حسام شاكر، أنَّ التطرَّف الأمريكي حيال التعاطي مع الملف الفلسطيني هو تعبير عن تخبط وقصر نظر في مفاهيم التسوية السياسية.
ورأى شاكر لـ"النجاح الإخباري"، أنَّ كلَّ القرارات التي اتّخذتها الإدارة الأمريكية تعني لصانعي السياسة الأوروبية مغامرة كبيرة بمستقبل المنطقة برمتها.
وردًّا على قراءته لتصرف الغرب، شدَّد شاكر على أنَّ التحوَّل الاستراتيجي في السياسة الأمريكية سيحرج الاتّحاد الأوروبي ويدفعه ربما لسد "الفراغ ولو لفظيًّا".
وردًّا على سؤال يتعلق بواقعية مطالبة صحيفة "الإندبندنت" البريطانية للغرب بلعب دور أكبر في إطار انتقادها لسياسات ترامب في الملف الفلسطيني، شدَّد شاكر على "أنَّ القرارات الترامبية هي بمثابة بيانات نعي لمشروعات التسوية السياسية، وهو ما لا تريده أوروبا المعنية أصلًا أن تبقي الأمل بوجود تسوي سياسية وأفق للتفاوض".
وكانت الصحيفة "الإندبندنت" البريطانية تطرَّقت في عددها اليوم الإثنين، إلى ملف الحصار الإسرائيلي على غزَّة، منتقدة الموقف الأمريكي بشكل خاص بعدما انسحبت الولايات المتحدة من تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).
وتقول الصحيفة، إنَّ الانسحاب الأمريكي من الأونروا يجعل مسؤولية الغرب أكبر في التدخل ودعم الفلسطينيين.
وعند هذه النقطة يقلّل شاكر لـ"النجاح الإخباري" من قدرة أوروبا على اجتراح الحلول أو تأمين البديل عن الدور الأمريكي رغم الدور الفرنسي لجهة "مؤتمر باريس" الذي نظمَّ مؤخّرًا للسلام.
من جهته يرى المحلل السياسي الأردني صدام المشاقبة أنَّ الأوروبيين يدركون خصوصية منطقة الشرق الأوسط التي تتميز بروابط جغرافية وتاريخية معها وبأهمية الاستقرار بها الأمر الذي يدفعها باستمرار لاتّخاذ سياسات أكثر توازناً من الإدارة الأمريكية المنحازة والشريكة بالكامل لدولة الاحتلال.
في هذا الإطار يستشهد المشاقبة في تعليق له لـ"النجاح الإخباري" على تصويت معظم الدول الأوروبية ضد قرار ترامب بالجمعية العامة للأمم المتحدة والتي حصلت به فلسطين على (129) صوت وظهر من خلاله مدى انعزال الإدارة الأمريكية وإسرائيل عن المجتمع وهو ما يعكس حالة القلق من سياسات الرئيس ترامب من قبل بلدان القارة الأوروبية.
بدوره يرى الكاتب الصحفي ياسر خليفة أنَّ الموقف الأوروبي لا زال في مربع "القول" ولم ينتقل إلى الفعل.
مشدّدًا لـ"النجاح الإخباري" على أنَّ المطلوب من الدول الأوروبية التعاطي بشكل جدي مع الملف الفلسطيني وتسجيل موقف الاعتراف القانوني بدولة فلسطين ناهيك عن تقديم مبادرات وازنة لكسر الانفراد الأمريكي للعملية السياسية.
"علماً بأنَّ الاحتلال رفع من وتيرة عدوانه بعد قرارات ترامب وذلك عبر مصادرة آلاف الدونمات والإعلان عن بناء آلاف الوحدات السكنية، إلى جانب إصدار العديد من القوانين أبرزها قانون ضم القدس وغيرها" أضاف خليفة.
تحرك محموم
وتواصل الديبلوماسية الفلسطينية تحركها المحموم في مسارات عدَّة لتعزيز حضورها الدولي ومواجهة خطط الإدارة الأميركية، فكشفت عن ترتيبات تجرى للتوجّه إلى الأمم المتحدة مجدَّدًا لطلب عضويتها الكاملة، بالتزامن مع جهود لضمان إطلاق مفاوضات للسلام تحت الرعاية الدولية، بعدما شدَّدت على رفضها الوساطة الأميركية.
وبدا أنَّ التحرك الفلسطيني أتى ثماراً ولو جزئيًّا، إذ حصل الرئيس محمود عباس خلال زيارته قبل أشهر لبروكسيل على دعم من الاتّحاد الأوروبي في اتجاه تشكيل إطار دولي لرعاية عملية السلام، وليس أن تحل أوروبا بديلاً من الولايات المتحدة بحسب ما ذكره دوبلوماسيين غربيين.
وكان مندوب فلسطين الدائم لدى الأمم المتحدة رياض منصور أكّد أنَّ "الجانب الفلسطيني يعد للتوجّه إلى مجلس الأمن لطلب منح فلسطين عضوية كاملة في الجمعية العامة للأمم المتحدة"، موضّحًا أنَّ بعثة فلسطين في المنظمة الدوليّة "تجري اتصالات مع الدول الأربعة عشر الأعضاء في مجلس الأمن لمعرفة موقفهم من هذا التوجه".
انتكاسات للقضية سببها ترامب
وشهد العام الماضي منذ تولي ترامب لمنصب رئيس الولايات المتحدة عدداً من الانتكاسات للقضية الفلسطينية، كان أبرزها يوم (6 ديسمبر/كانون الأول)، عندما اعترف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل، متجاهلاً التحذيرات من جميع الجهات بما فيها الاتحاد الأوروبي.
وفي الأول من (يونيو/حزيران)، استخدمت الولايات المتحدة حق النقض في الأمم المتحدة ضد مشروع قرار لمجلس الأمن، الذي يدعو إلى حماية الفلسطينيين، وأعلنت في (19 يونيو/حزيران)، انسحابها من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة الذي تتَّهمه بالانحياز ضد إسرائيل.