مارلين أبو عون - النجاح الإخباري - لم يترك الغزيون فرصة للإبداع إلا وجربوها وأتقنوها، ومن بين الإبداعات التي لفتت الانتباه، قص وتركيب ألواح الجرانيت والرخام بشكل هندسي ومتقن على أيدي شباب ضاقت بهم السبل، فبعد أن تخرجوا من الجامعات، بحثوا عن فرص عمل لهم ليعيلوا أسرهم ولكنَّهم لم يجدوا، فتعلموا مهنة شاقة ومميتة في آن واحد.
بعد عناء طويل للشاب "أبو الأمير" عقب تخرجه من قسم الصحافة والإعلام في جامعة الأزهر، في إيجاد فرصة عمل يؤسس بها مستقبله، وجد طريقه في مكان أبعد ما يكون لتخصصه، أجبرته الظروف العصيبة التي يعيشها الخريجون في القطاع المُحاصر للجوء إليها، ألا وهي مهنة "الرخام والجرانيت"، ليبدع فيها ويصبح من المشهورين في تركيبها بتصاميمها وزخرفاتها المميزة.
أبو الأمير" شاب ثلاثيني وأب لثلاثة أطفال تخرج من جامعة الأزهر من قسم الصحافة والاعلام، تدرب في أماكن عدَّة دون جدوى، ولم يجد فرصة مناسبة، فعمل تارة في البناء وتارة في تصليح الهواتف الخلوية، وتعلم مهنة جديدة أحبَّها وأطلق لخياله العنان ليبدع فيها، فتعلم قص الجرانيت وتركيب جحارته؛ ليخرج مطبخاً جميلاً ترتاح فيه سيدة البيت بقصات وموديلات عصرية كثيرة.
بدأ "أبو الأمير" مشوار العمل في تركيب مطابخ الجرانيت قبل أربع سنوات تقريباً مع صديقه وابن دربه في البداية حتى تعلَّمها وبعدها انطلق إلى عالم تركيب المطابخ والأدراج والشبابيك، وتواصل مع زبائنه على صفحته عبر الفيسبوك الذين أبهرهم جمال وذوق ودقة نحته وتركيب الجرانيت فباشروا الاتصالات من أقصى جنوب القطاع وشماله
التقت مراسلة "النجاح الإخباري" بالشاب أبو الأمير وقد كسا وجهه وجسمه كمية كبيرة من الغبار والجرانيت غطَّت ملامحه باللون الأبيض، وحين سألناه عن تجربته في تركيب الجرانيت، ومدى رضا الزبائن عن عمله قال: "الحمدلله، الرضا والتوفيق من عند الله، وهذا ما ألمحه في عيون الزبائن عند الانتهاء من العمل، أسمع منهم كلمات الشكر والامنتنان، وأنَّهم لم يتوقعوا هذه النتيجة والجمال".
أما عن السبب الذي جعله يتَّجه الى هذه المهنة دون غيرها في ظلّ تخصيص لا يمتُّ لها بصلة،: " لم اختر هذه المهنة بإرادتي في البداية، فالظروف الاقتصادية وقلة فرص العمل جعلني أمارس عدَّة مهن حتى وصلت الى مهنة تركيب الجرانيت والرخام في المطابخ والمكاتب والغرف والصالات والشبابيك".
وعبَّر عن رضاه وسعادته بالعمل في هذه المهنة التي وجدها في ظلِّ البطالة رغم ما تسبب له من تعب وإرهاق لأيام طويلة بعد الانتهاء من العمل، وصعوبة التنفس نظراً لكمية الأتربة الناتجة عن قص الرخام والجرانيت التي تتطاير في وجهه.
ولفت أبو الأمير إلى أنَّ هذه المهنّة تواجه بعض العراقيل منها عدم توفر المادة اللاصقة (الديبق) في كثير من الأحيان بسبب إغلاق المعابر، أضاف: "هذا يجعلنا نشتريها بسعر مضاعف كي نكمل أعمالنا للزبائن الذين نعطيهم موعدًا محدّدًا لإنهاء أعملنا في بيوتهم وشركاتهم ، وبنفس الموعد".
وتعد خامات الرخام والجرانيت الأكثر استخداماً لمطابخ المنازل نظراً لأناقتها، فهي تعمل على خلق إشراقة في المطبخ بنقشاتها ولمعتها وتصاميمها المميزة؛ لتعطي لمسة مميزة وطابع خاص.
خالد محسن شاب آخر انضَّم إلى أبو الأمير في عمل الجرانيت والرخام وأبدى سعادة كبيرة بإقبال الزبائن عليه وطلبهم تصاميم مطابخ أو مكاتب أو أدراج، يقول:" برغم الوضع الاقتصادي السيء الذي يعيشه القطاع إلا أنَّ الطلب على تركيب الرخام كبير جدًا، وسعر الرخام والجرانيت يتنوّع من حيث النوع والشكل ولذلك يختلف سعر المتر الواحد من نوع إلى آخر فنحن نعمل على أنواع متعددة منها الروزابتا – المالتيكلر – براديسو - جالكسي، والطلب الشعبي على الروزابتا أكثر من غيرها لأنها تعد في متناول الجميع.
وعلى الرغم من تكلفتها فهي استثمار يستحق كلَّ الأموال المبذولة فيه، بالإضافة لذلك فإنَّها صالحة للاستخدام في كلِّ الغرف، والمطابخ والحمامات، وأيضاً كخامات لأرضيات الغرف أو الصالات.
وعن رأي المواطنين عن عمل هؤلاء الشباب التقينا بأبي أحمد الذي تواصل مع أبي الأمير لكي يغير ملامح مطبخه فطلب منه تركيب مطبخ جرانيت قال:"أنا سعيد جدًا بأنَّني تعاملت معه، هو فعلًا أبدع في تغيير ملامح مطبخي بدقة عالية جدًا ومريحة للنظر، ويواصل مازحًا: "على الأقل تخلَّصت من إلحاح زوجتي المستمر في تغيير عالمها الخاص لتبدع في عمل المأكولات، وهي سعيدة جدًالدرجة أنَّها لا تفارق المطبخ".
يذكر أنَّ الرخام هو نوع من أنواع الصخور، ويمكن بلورته والحصول على ألوان مختلفة حسب مكان استخراجه. أما الجرانيت، على صعيد آخر هو عبارة عن صخور صلبة مكوَّنة من صخور مكبوسة داخلها مثل الكوارتز والميكا، كلاهما مستخدم في البناء والديكور وعلى الرغم من التكلفة العالية تعتبر أقوى الخامات في العالم.
الجدير ذكره، أنَّ نسبة البطالة في قطاع غزَّة تجاوزت الـ (50%) بفعل الحصار الإسرائيلي، ورفض حركة حماس تمكين حكومة الوفاق الوطني من العمل في القطاع كما في الضفة الغربية.