هبة أبو غضيب - النجاح الإخباري - تشهد الساحة الفلسطينية تناقضات كثيرة على المستوى السياسي الداخلي والخارجي، التي يمكن تمّثلها بما يشهده قطاع غزّة من الحديث عن تسهيلات اقتصادية إلى جانب استمرار مسيرات العودة، ومحاولات الرئيس الأمريكي الإعداد لما يسمى "صفقة القرن" التي خرجت بتسريبات غير مؤكدة، وطول أمد انهاء الانقسام، في الوقت الذي أعلن الرئيس محمود عباس جام غضبه على الولايات المتحدة الامريكيّة نتيجة قرارتها تجاه القدس، فإلى أين تتجه البوصلة؟ وما السبيل لمواجهة المشروع الأمريكي وإحباطه؟ وماذا عن الموقف الفلسطيني الرسمي مع أمريكا؟ وما الهدف الرئيسي لأمريكا حاليا؟
حول هذا أكّد الكاتب والمحلل في الشؤون الأوروبيّة والدوليّة حسام شاكر أنّ التناقضات التي تعيشها الساحة الفلسطينية بحاجة للتمسك برفض مشروع الإدارة الامريكية أو ما يسمى "صفقة القرن"، باعتباره مشروعًا يهدد القضية الفلسطينيّة.
وأوضح شاكر في تحليل خاص لـ"النجاح الاخباري" أنه لا يمكن للصفقة أن تمر طالما وٌجد الرفض الفلسطيني من الأطراف كافة، وفقا لما هو معلن حتى اللحظة.
ووصف شاكر البيت السياسي الفلسطيني بأنه يعمل دون المستوى في استجابته لهذا التحدي، مشيرا إلى أنّه لا يوجد مقاربة وحدوية فلسطينية حتى اللحظة.
سبيل فلسطين وهدف أمريكا
وفيما يتعلق بسبل مواجهة المشروع الأمريكي، بيّن المحلل السياسي أنّ غياب العمل المزدوج الفلسطيني من خلال السلطة ومنظمات التحرير والمجلس الوطني، والتراشق الموجود يخلق مزيدا من التوتر على الساحة الفلسطينية.
ولفت الى أنّ فلسطين تشهد مؤخرا اشكالًا واضحًا في قضية المشاريع الخارجيّة، حيث يتم توصيف أي مشروع قادم تحت عنوان تخفيف الأوضاع الإنسانية بأنه يتبع صفقة القرن، مؤكدًا على ضرورة رفع الحصار عن غزّة خاصةً أنّ الشعب الفلسطيني قادرٌ على التحدي وأثبت ذلك عندما أوقع الاحتلال بمأزق مسيرات العودة والطائرات الورقية.
أمّا عن الهدف الأمريكي تجاه القضية الفلسطينية، أوضح شاكر أنّ الأولى تمارس غموضًا كبيرًا في تحركاتها، حيث لا يوجد حتى اللحظة وثيقة تحتوي على المشروع الامريكي.
وأكّد أنّ أمريكا تسير باتجاه تعزيز الاحتلال في المنطقة وتصفية القضية لصالح شكل سيادي دون سيادة حقيقية، اضافة إلى محاولة إنهاء الملفات المحتقنة، وتعزيز يهوديّة الدولة، وخنق "الأونروا" كونها شاهدٌ رئيسيٌ على القضيّة الفلسطينيّة.
خطر يحدق بغزّة
ورأى شاكر أننا أمام محاولة لإشغال الفلسطينيين بالوضع الاقتصادي، محذرًا من محاولة رسم صورة في غزّة محتواها "لو تخليتم عن مقاومة الاحتلال سوف تحظون برفاهية الحياة وتوفير ميناء"، مشيرا إلى أنّ الأخطر من ذلك هو الإنجراف التطبيعي من العالم العربي مع الاحتلال مع تجاوب القضية الفلسطينية.
من جهته زعم رئيس وزراء حكومة الاحتلال، "بنيامين نتنياهو"، أنّ "المبعوثين الأمريكيين "جاريد كوشنير وجيسون غرينبلات" لم يعرضا عليه خطة السلام الامريكية التي يعملان عليها خلال زيارتهما للقدس الأسبوع الماضي، مؤكدًا أنّ الجهود الأمريكيّة تنصب حاليا على حل الأزمة الإنسانيّة في قطاع غزّة.
ونقلت القناة العاشرة عن "نتنياهو" قوله إنّ "الأمريكيين يركزون الآن على إيجاد حل للأزمة في غزّة، لكنهم يواجهون صعوبات في جمع الأموال من بقيّة العالم لإعادة تأهيل البنية التحتيّة في قطاع غزّة".
وبحسب زعم القناة العبرية فإن أحد المشاكل الرئيسية التي تواجه الأمريكيين والأمم المتحدة هو رفض الرئيس محمود عباس التعاون، لذا فان "الإدارة الأمريكيّة تتجه لتحقيق استقرار الوضع في غزّة دون عباس".
المراهنة الداخلية السياسية
أما عن الوضع الداخلي لفلسطين، استبعد المحلل السياسي إنشاءَ دولةِ منفصلةِ في غزّة، مشيرًا إلى أنّ مقولةَ المصالحة تقادمت، واليوم يمكن المراهنة على تخفيف التوتر وعدم الذهاب لمزيد من التصعيد بين الطرفين في اللحظات الحاسمة لمواجهة صفقة القرن.
واختتم شاكر حديثه مع النجاح مشيرًا إلى أنّ المسؤولية تقع بشكل كبير على عاتق القيادة الرسميّة التي تستطيع ادارة المشهد، وتنفيذ خطوات عمليّة الفترة القادمة.
بدوره أوضح الكاتب والمحلل السياسي جهاد حرب أنّ الساحة الفلسطينية تشهد تناقضات عدة من حيث الإعداد الأمريكي للصفقة، والمظاهرات الواسعة في غزة، إضافة إلى الإنقسام الفلسطيني الذي طال أمده ويقع على عاتقه اشكاليات متعلقة بٍبنية النظام السياسي والقدرة على مواجهة الإدارة الامريكيّة مؤكدًا أنها لن تستطيعَ تقديم الصفقة في ظل الرفض الفلسطيني لها.
بدوره أوضح عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير أحمد مجدلاني أنّ نقطة الارتكاز الأساسية والسبيل الوحيد لمواجهة المشروع الأمريكي واحباطه هو الصمود الوطني الفلسطيني والذي تٌمثله القيادة السياسية والرئيس محمود عباس ، وكذلك إنهاء الانقسام وتعزيز الصمود الوطني الفلسطيني من خلال وحدة شعبنا السياسية والديموغرافية.
وأعرب عن قلقه إزاء تصريحات "العديد من قيادات حركة حماس"، مضيفًا : "نحن نفهم منها أنها محاولة لتقديم أوراق اعتماد للالتحاق بالمشروع الأمريكي".
خياراتنا
من جهته أشار حرب في تحليل خاص لـ"النجاح الاخباري" إلى أنّ خطوة الدفع الأولى لمواجهة صفقة القرن وحدة الفلسطينيين، مستدركًا أنّ احتمالية انتهاء الإنقسام بالمدى المنظور بعيدة جدًا في ظل الصراع على المكانة والنفوذ، مستبعدًا في الوقت ذاته اقامةً دولةٍ منفصلةٍ في غزّة.
وبرر حرب عدم إقامة دولة في غزّة بأنّ العمق الإستراتيجي للقطاع في الضفة، اضافة إلى أنّ القدرات الاقتصاديّة والبشريّة لا تسمح بذلك، مؤكدًا أنّه لا يوجد أي مواطن فلسطيني يجرؤ على القبول بدولة هناك تحت مسمى تحسين الوضع الاقتصادي.
وأضاف حرب إن خيارات الفلسطينيين لرفض الصفقة تتمثل بالاستمرار في المسار بالمجتمع الدولي وادماجه بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والعمل بشكل واسع بالمسار القضائي والقانوني المتعلق بمحكمة الجنايات الدولية ومجلس حقوق الإنسان، والجمعيّة العامة للأمم المتحدة وتجنيد جميع القوى والنقابات داخل الاتحاد الأوروبي لمقاطعة إسرائيل اقتصاديًا، ومن ثم الوصول إلى البرلمانيين والحكومات للضغط على حكومة الاحتلال الإسرائيلي على غرار ما جرى بنظام الفصل العنصري جنوب أفريقيا.
وأشار إلى ضرورة تفعيل المقاومة الشعبية في مواجهة الاحتلال بحيث تصبح منهج حياة، وفقا لطبيعة وظروف كل بقعة جغرافيّة.
أما عن الموقف الفلسطيني الرسمي مع أمريكا، نوه حرب إلى أنّ عدم وجود اتصال مع الادارة الامريكيّة لا يعني قطع جميع السبل مع دول العالم والتي قد تمرر معلومات كوننا بمرحلة استثنائية.
من جهته أوضح مجدلاني أنّ الهدف الرئيسي لدى الجانب الأمريكي الآن هو الحفاظ على مناخات السلام لكن دون صنعه، وقطع الطريق أمام أي مبادرة دولية من أجل أنّ تبقى واشنطن الراعي الوحيد والمحتكر للعملية السياسية في المنطقة وفي ذات الوقت تهيئة المناخات لحكومة "نتنياهو"لمواصلة فرض الحل الأحادي الجانب على الارض.
وحذر من أنّ الإدارة الأمريكية تحاول استغلال الوضع الإنساني في غزّة، "وهي المسؤولة عنه في الأساس مع الاحتلال الإسرائيلي"، موضحا أنها "تتاجر بمعاناة أبناء شعبنا من أجل تمرير ما يسمى بالحل الاقتصادي تمهيدًا لفصل غزّة عن الضفّة وإحباط المشروع الوطني".
وقال : "يجب أنّ ندرك جيدا أنّ التباكي على مأساة غزّة، هدفه الرئيس تمرير مؤامرة أكبر بكثير من تحويل قضية غزّة من سياسية إلى إغاثيّة وإنسانيّة"، مشيرًا إلى أنّ "حصار إسرائيل هو المسؤول بالدرجة الأساسيّة عن معاناة أبناء شعبنا في غزّة".