منال الزعبي - النجاح الإخباري - لم يكن نيسان شهرًا للكذب، بل شهر الكوابيس والإجرام الصهيوني الذي ظهر بأبشع صوره في التاسع من نيسان عام (1948)، كان يوم الجمعة يومًا عبوسًا قمطريرًا على الشعب الفلسطيني بشكل عام، وفي تاريخ النكبة بشكل خاص.
إنّها دير ياسين، الجرح الغائر في ثنايا الذاكرة، عقب الهجوم الذي نفذته الجماعتان الصهيونيتان الإرهابيتان "آرغون" و"شتيرن"، مستهدفةً القرية الواقعة غرب مدينة القدس المحتلة، متوقعة أن يقوم أهالي القرية البالغ عددهم نحو (750) نسمة، في ذلك الوقت بالفرار منها، خوفًا على حياتهم، ليتسنّى لها الاستيلاء عليها.
بدأ الهجوم على القرية قرابة الساعة الثالثة فجراً، وحسب شهيود عيان، تفاجأ الصهاينة بنيران الأهالي التي لم تكن في الحسبان وسقط من اليهود (4) قتلى وما لا يقل عن (32)جريحًا.
طلبت هذه العصابات المساعدة من قيادة "الهاغاناة" في القدس وجاءت التعزيزات، وتمكّنوا من استعادة جرحاهم، وفتحوا نيران الأسلحة الرشاشة والثقيلة على الأهالي دون تمييز بين رجل أو طفل أو امرأة.
أورد المؤرخ فلسطيني وليد الخالدي الذي كتب بغزارة عن اللجوء الفلسطيني وحرب (1948)، بعض الشهادات عن تلك المجزرة:
قال شهود عيان في وصف المجزرة: "كان العروسان في حفلتهما الأخيرة أوَّل الضحايا، فقد قذفا قذفًا وألقي بهما مع ثلاثة وثلاثين من جيرانهم، ثم ألصقوا على الحائط وانهال رصاص الرشاشات عليهم وأيديهم مكتوفة".
وقد روى فهمي زيدان الناجي الوحيد بين أفراد عائلة أبيدت عن بكرة أبيها، وكان حين وقوع المجزرة في الثانية عشرة من عمره، ما جرى لأفراد عائلته قائلًا: " أمر اليهود أفراد أسرتي جميعًا بأن يقفوا، وقد أداروا وجوههم إلى الحائط، ثمَّ راحوا يطلقون علينا النار،أصبت في جنبي، واستطعنا نحن الأطفال أن ننجو بمعظمنا لأنَّنا اختبأنا وراء أهلنا، مزَّق الرصاص رأس أختي قدرية البالغة أربع سنوات، وقُتل الآخرون الذين أوقفوا إلى الحائط: أبى وأمي وجدي وجدتي وأعمامي وعماتي وعدد من أولادهم".
فيما قالت حليمة عيد التي كانت عند وقوع المجزرة امرأة شابة في الثلاثين من عمرها، ومن أكبر أسر قرية دير ياسين: "رأيت يهوديًا يطلق رصاصة فتصيب عنق زوج أختي خالدية، التي كانت موشكة على الوضع، ثمَّ يشقُّ بطنها بسكين لحام، ولما حاولت إحدى النساء إخراج الطفل من أحشاء الحامل الميتة قتلوها أيضًا، واسمها عائشة رضوان".
وفي منزل آخر، شاهدت الفتاة حنَّة خليل (16) عامًا، إرهابيًّا يهوديًّا يستل سكينًا كبيرة، ويشق بها من الرأس إلى القدم، جسم جارتها جميلة حبش، ثمَّ يقتل بالطريقة ذاتها، على عتبة المنزل، جارها فتحي.
تكرَّرت تلك الجرائم الوحشية من منزل إلى منزل، وتدل التفاصيل التي استقيت من الناجين، على إرهابيات يهوديات من أعضاء منظمات ليحي واتسل شاركن في المذبحة، ويصف جاك دي رينيه رئيس بعثة الصليب الأحمر في فلسطين عام (1948)،الإرهابيين الذي نفَّذوا المذبحة في دير ياسين بالقول: "إنَّهم شبَّان ومراهقون، ذكور وإناث، مدججون بالسلاح – من مسدسات ورشاشات وقنابل يدوية.
ويضيف قائلًا: "دخلت أحد المنازل فوجدته مليئًا بالأثاث الممزق، وبأنواع الشظايا، رأيت بعض الجثث الباردة ، حيث أدركت أنَّه تمَّ تصفيتهم بواسطة الرشاشات والقنابل اليدوية والسكاكين، وعندما هممّت بمغادرة المكان سمعت أصوات تنهدات، وبحثت عن المصدر فتعثرت بقدم صغيرة حارة، كانت فتاة في العاشرة من عمرها مزقت بقنبلة يدوية لكنَّها ما تزال على قيد الحياة، وعندما هممت بحملها حاول أحد الضباط الصهاينة منعي فدفعته جانبًا، وواصلت عملي، في دير ياسين ذُبح السكان بدم بارد دون تمييز. "
أسفرت تلك المجزرة عن استشهاد ما بين (250-360) فلسطينيًّا، قُتلوا بدم بارد.
ما حدث هناك انتقل بين القرى المختلفة في منطقة القدس وغيرها، وانتشر كالنار في الهشيم فكان له أسوأ الوقع والتأثير على تهاوي دفاعات القرى وتدني معنويات سكانها .