منال الزعبي - النجاح الإخباري -
ثلاثون عامًا على رحيلك يا ناجي وما زلنا غير ناجين من الرصاصة التي اغتالتك، ففي كل يوم يرتقي منا الشهيد تلو الشهيد، يقتلون يدًا ترسم وحنجرة تغني ويشنقون شاعرًا بحبل القصيدة وتهمة الوطن.
"لا يحيا الفلسطيني إلا ميّتًا"، هذا هو القدر الذي يجلدنا صباح مساء، فقد بتَّ اليوم وبعد ثلاثين عامًا على رحيلك حيًّا في ذاكرتنا وعلى جدراننا وفي صميم القضية.
في قرية الشجرة قضاء الجليل عام(1936) ولدت ومع حرب (1948) أصبحت ضمن شتات اللاجئين الفلسطينيين طفلًا في مخيم عين الحلوة بجنوب لبنان.
في المخيم يكبر الوجع فقد نما وعيه السياسي، فشارك في المظاهرات والنشاطات السياسية ما ألقى به في السجن في لبنان، فحفر مواقفه على جدران السجن ساخرًامن كل ما يجري.
من ثمَّ التحق بمعهد الفنون اللبناني لفترة لكنّ الفقر منعه من إكمال تعليمه.
في عام (1961) نشر له الكاتب الفلسطيني غسان كنفاني ثلاثة أعمال في مجلة "الحرية" اليسارية الفلسطينية.
وفي عام (1963) انتقل إلى الكويت، وظلَّ يرسم لعدد من الصحف على مدى (11) عامًا.
وفي عام (1969) وُلد حنظلة ليغدو رمزًا وولدًا بارًا بأبيه يحفظه في ذاكرة الأجيال.
كان يحاوره ساخرًا ومربيًّا وراصدًا لأدق تفاصل الواقع الموجعة.
في عام (1974) عاد إلى لبنان حاملًا حنظلة بين ضلوعه ليشهد معه الحرب الأهلية والغزو الإسرائيلي عام (1982).
وتنقل اللاجئ ما بين حلم ووهم بين لبنان والكويت ومن ثمّ لندن فقد تعرَّض لرقابة مشدّدة في الكويت حتى خاف أن يختنق حنظلو بين ضلوعه.
في لندن وتحديدًا بتاريخ (22 يوليو/تموز 1987) أطلقت النار عليه خارج مكاتب الصحيفة في لندن وتوفي بعدها بخمسة أسابيع، ولم تكشف ملابسات اغتياله حتى الآن.
فنان لا تشتريه بثمن
وتحت عنوان "طفل في فلسطين: رسوم ناجي العلي" جمع ابنه وأصدقاؤه مجموعة من رسومه صنّفت ضمن موضوعات شكَّلت أبواب الكتاب.
ويقول رسام الكاريكاتير الأمريكي الشهير جو ساكو في المقدمة "كانت انتقاداته اللاذعة موحية سياسيًّا بشدة، إلا أنَّ حنظلة هو الذي يعطيها بعدًا شخصيًّا لدى قراء ناجي العلي".
ويعتبر جو ساكو أن لناجي العلي فضلًا في تمكُّنه من إعداد كتابه الساخر "فلسطين" الذي نال عنه أرفع الجوائز، وهو عبارة عن تقارير صحفية بالرسوم الكرتونية عن الأوضاع في فلسطين المحتلة وإسرائيل.
أمّا ناجي العلي فقد كان موقفه: "مهمتي أن اتحدث بصوت الناس، شعبي في المخيمات في مصر والجزائر، وباسم العرب البسطاء في المنطقة كلها والذين لا منافذ كثيرة لديهم للتعبير عن وجهة نظرهم".
يضم الكتاب مختارات من الرسوم عن قضيته الأساسية فلسطين، وعن حقوق الانسان ـ ليس في فلسطين فحسب، بل في العالم العربي ـ وعن السلام والمقاومة وأمريكا والنفط وغيرها.
اسم لا ينسى
لم يتوقف الاهتمام بناجي العلي بين قطاع واسع من المثقفين والفنانين العرب، وسجلت السينما العربية حياته في فيلم بطولة الفنان المصري الراحل نور الشريف.
رثاه القريب والبعيد فقد قال الشاعر أحمد مطر:
من لم يمت بالسيف مات بطلقة
من عاش فينا عيشة الشرفاء
اما الشاعر العراقي مظفر النواب فوصف العلي:
ترسمُ صمتاً نظيفاً
فإن المدينة تحتاج صمتاً نظيفاً
وترسمُ نفسك مُتجهاً للجنوب
البقاع
العروبة
كل فلسطين !!!
اشتهر العلي حتى صار معروفًا بين جمهور عريض ومتنوّع من مثقفين وقرّاء وناقدين وأدباء وحتى الفلاحين والفقراء من الباعة وعلى أرصفة الشوارع ذاع ذكره وجال حنظلة الشوارع العربية وسكن ذاكرة الجدران والجرائد والمعارض.
شخصية حنظلة التي تجاوزت في أبعادها حدود القضية لتلامس واقع الناس المعيش
كطفلٍ فلسطيني يعطي ظهره للجمهور في رسوم العلي ما يشهده ويشهد عليه.
واشتهرت رسومات ناجي العلي الكاريكاتيرية بانتقاداتها الحادة واللاذعة، لكن بلغة راقية ورسومات سلسة مشحونة وموحية في الوقت ذاته.
قالت صحيفة نيويورك تايمز عنه يومًا: "إذا أردت ان تعرف رأي العرب في أمريكا فانظر في رسوم ناجي العلي".
وقال عنه الاتحاد العالمي لناشري الصحف: "إنَّه واحد من أعظم رسامي الكاريكاتير منذ نهاية القرن الثامن عشر".
الريشة الخالدة وضعت لنا خطوطًا حمراء على الوجع وأدرا حنظلة ظهره للعرب ولكل المعرضين عن قضايانا في انتظار أن يلتفت لنا البشر ويبتسم القدر.