الاء عامر - النجاح الإخباري - آلة قديمة ومكان برائحة العصر الماضي الجميل، معزوفة شاذية تتكرر على مسامعنا وأمام أعيننا، آلة أشبه بجرامفون تنثر ألحان حبات الزيتون، ليس على قرص موسيقي بل تتراقص في حوض يعطر المكان برائحة زيت وزيتون فلسطين.
بعبق تاريخي تأصّل بمعصرة هي من أقدم معاصر الزيتون الفلسطينية، في بلدة بيتا التي تبعد مسافة (14كم) جنوب- شرق مدينة نابلس، لا سيما وأنَّ التسمية جاءت من الملجأ والبيت الآمن لجميع السكان، بين ثنايا المكان أحجار قديمة وأشخاص لا يبرحون المكان مع رحيل الصيف يحملون بين أيديهم أكياس الزيتون لتراها بعد حين تدور بين رحى حجرين ثقيليين على خطى الأجداد وربما من سلفهم.
في يوم خريفي يتقاطر الناس من أراضيهم إلى معصر (الكيلو للزيتون )، حجران كبيران وغسالة لحب الزيتون ورافعة له، كما وتحتوي على مكابس مائية، إضافة لآلة تفرز الزيت عن الزيبار.
جيّاد الجاغوب، أحد المالكين لهذه لمعصرة (الكيلو للزيتون) يعرفنا: "تمَّ بناؤها سنة (1932) وورثناها عن الأجداد لتبقى تراثًا لعائلة الجاغوب"، وعن آلية عملها يواصل الجاغوب:" حب الزيتون يصل إلى المعصرة يحتوي على بعض الأوراق، يتمُّ التخلص منها عن طريق ماكينة تسمى الذرّاية؛ ليبقى حب الزيتون خالي من الأوراق ومن ثمَّ يتم انتقاله إلى المغسله ليتم غسله من التراب والأوساخ ويكون جاهزًا للطحن".
من الشجر إلى الحجر يتابع الجاغوب: " تصل حبّات الزيتون إلى حجر البد الذي يقوم بهرس الزيتون ليصبح جاهزًا للانتقال إلى مرحلة الخلط عن طريق خلاط ليبقى الزيتون المهروس طازجًا ومن ثمّ يوضع على كفف مصنوعة من خيوط خاصة؛ ليتمّ كبسها عن طريق مكابس تعمل بضغط الماء ثمَّ يجفف ليستخرج الزيت مخلوط بتلك الماده السوداء(الزيبار)، وأخيرًا توضع في خزانات ليتم نقلها للمرحلة الأخيرة وهي فرز الزيت عن الزيبار وهكذا تتم معالجة الزيتون ".
(العصر البارد )، هكذ تسمى رحلة عصر الزيتون في المعاصر القديمة والسبب لذلك هو استخراج زيت صحي بعيدًا عن درجات الحرارة العالية المؤثرة على جودة وطعم الزيت.
يؤكد جياد: "يتم استقبال العديد من الزائرين ليس فقط بغرض جلب الزيتون إنَّما حبًا بالاطّلاع على التراث وعلى آلية عمل المعصرة ".
جهد ووقت كبير مقارنة بالمعاصر الحديثة
في الجهة الأخرى قرية إماتين التي تبعد مسافة (11كم) غرب نابلس، معصرة على مدخل القرية وعلى مدخلها جاروشة لطحن الزيتون، وخلاط لدرسه، برحلة نصف ساعة، تمرُّ حبّات الزيتون المدروسة إلى مخضة (توربين) تفصل خليط الزيت عن الجفت، وفي محطة أخيرة لماكنة (الفرّازة) تقوم بفرز الزيت عن الزيبار والماء العكر، لنصل بعدها للذهب الأصفر كما يسميه البعض.
يذكر محمد البري أحد أعضاء المعصرة: "أنَّ تكلفة بناء معصرة أو تجديدها (100.000) دينار من منشأة وماكنات"، يتابع البري:" السرعة والجهد القليل ونظافة المكان وقلة النفقات هو الدافع لتجديد المعاصر القديمة بأخرى جديدة، فخلال يوم واحد يتمّ عصر (24) طنًا من الزيتون بأيد ثلاثة عمال كحدٍ أقصى مقارنة بالمعاصر القديمة التي تحتاج من (4-6) عمّال أمّا السبب الآخر يكمن في درجة نقاوة الزيت حيث تبلغ نسبة الحموضة في الزيت المعصور بالطريقة الأوتوماتيكية ما بين (1.7- 1.9%) وتقلّ بذلك عن نسبة الحموضة المعصورة على النظام القديم والتي تصل إلى (2.5 – 4.5%) ".