رحمة خالد - النجاح الإخباري - في ركن منسي من القبلة الأولى وثالث الحرمين تتجذر قداسة المكان الثقافية والتاريخية تحت الأرض، فرغم جهل رواد مدينة الصلاة بالمكتبة الختنية المحاذية للمسجد الأقصى القديم أو ما سمي بمسجد النساء إلا أنها صومعة لناسك متعبد بالعلم والثقافة وكنز صلاحي يقاوم المحتل بكتب ومخطوطات عريقة لا تزال تحفظ تاريخ فلسطين والقدس .
فمكتبة الختنية تعد جزءا لا يتجزء من مكتبة المسجد الأقصى التي تقع في الجهة الجنوبية من حرم القدس الشريف والتي تأسست عام 1927، فيقول حامد أبو طيف أمين مكتبة المسجد الأقصى "تمثل مكتبة الختنية صندوقا لكنوز العلوم الشرعية والفقهية حيث كانت بالسابق زوايا صلاحية يقصدها طلبة العلم للتبحر في العلوم الإسلامية".
ومن الجدير ذكره أن صلاح الدين الأيوبي قد بنى مكتبة الأقصى لإغلاق باب النبي والذي مثل ثغرة يتسلل من خلالها خطر الصليبيين، وكانت في بداياتها مدرسة شرعية تدرس العلوم الإسلامية حيث اتخذت مكانها في البداية بما يسمى الآن بالقبة النحوية حتى عام 1948.
ويضيف أبو طيف "لقد ظلت المكتبة تلعب دورا مهما بالحياة الثقافية حتى تحولت أواخر الحكم العثماني بسبب الاهمال لمخزن يحتفظ بالقناديل والأسرجة المخصصة لإنارة المسجد الأقصى"، ويتابع " استحدثت المكتبة الختنية نتيجة الضغط الكبير في مكتبة الأقصى ولحاجتنا للتوسع".
ولقد عايشت المكتبة الرئيسية فترات تنقلية بين المكان والمسمى حيث اتخذت مبنى لكلية الدعوة بين عامي 1981-1996وبعد ذلك انتقلت المكتبة للمدرسة الأشرفية حتى عام 2000 حيث استقرت في مسجد النساء واستحدثت الزاوية الختنية في المسجد الأقصى القديم.
ويعزو أبو طيف سبب تسمية المكتبة بهذا الاسم لزيارة أحد رجال الدين من العائلة الختنية للزاوية عام 520 هجري فيقول "زار رجل الدين عبدالله الختني عام 520 هجري الزاوية الصلاحية وأشرف عليها لذلك سميت بهذا الاسم".
وقد مثلت المكتبة متحفا عريقا يحتفظ بالمخطوطات النفيسة والثمينة والتي تنقسم ملكيتها ما بين عامة وخاصة، فيوضح يوسف أزبكي مسؤول قسم المخطوطات والمطبوعات القديمه " لقد وصلت تلك المخطوطات للمكتبة عن طريق وقفيات من علماء بيت المقدس، بالإضافة لخطاب وجهته الأوقاف لأهل القدس لمن يملك منهم مخطوطة أو مطبوعة قديمة".
كتاب المستصفى الغزالي لأبي حامد الغزالي وكتاب التلخيص للخطيب البغدادي هما أقدم المخطوطات التي تختضنها كنفات المكتبة حسب ما ذكرها الأزبكي لــ موقع "النجاح الإخباري"، بالإضافة لوقفية الشيخ المقدسي محمد خليلي المتوفي عام 1147 هجري.
وحول آلية الحفاظ على المخطوطات والمطبوعات من التلف يقول أزبكي "لقد قمنا بتجهيز مكان مخصص لترميم المخطوطات والحفاظ عليها في المدرسة الأشرفية، حيث تعقم أوراقها بغاز النيتروجين لحمايتها من التآكل بسبب الدودة الأرضية أو البكتيريا الأخرى الضارة".
وقد تلقى مركز الترميم تدريبات عالية في إيطاليا كي يتمكن من ترميم الكم الكبير من المخطوطات وتعقيمها، ويشير أزبكي إلى أن عملية التعقيم تجرى مرة واحدة كل عشر سنوات بحيث يستغرق تعقيمها مدة شهر واحد.
وحول العراقيل التي يعاني منها نهوض المكتبة يجملها أبو طيف قائلا "الاحتلال برموزه هو المعيق الأول لنهضة المكتبة والطالب بحيث أعاق الجدار العازل وصول الطلبة الجامعييين من مختلف المحافظات لإجراء بحوثهم ورسائل الدراسات العليا التي تشكل المكتبة مرجعا ومصدرا يغذيها"، ويتابع "القصور الواضح من الجهات الداعمة هو أيضا تحديا كبيرا لنا وعدم الاهتمام بالقراءة والكتاب وغياب وعي العديد عن أهمية المطالعة من الصعوبات التي تواجه زوايا المكتبة".
وفي ذات السياق تضيف المقدسية أفنان أبو حماد إحدى المتطوعين في المكتبة "يوجد صعوبات في أكثر من جانب تواجه المكتبة حيث الاقبال عليها تعيس بالإضافة لحاجة المكتبة لعملية التبويب التي توفر الوقت والجهد للزائرين".
فالختنية لا تزال رغم الذي تعانيه القدس من اعتداءات وإغلاق مستمر وتنكيل يومي كنزا ينال قاصدها جهادين: علم وعبادة.