سائد نجم - النجاح الإخباري - تصدَّر في الفترة الأخيرة الكتاب المثير للجدل "تاريخ الشعب الفلسطيني: من العصور القديمة إلى العصر الحديث" لمؤلفه الإسرائيلي أساف وول (Assaf A.Voll) باللغة العبرية، في قائمة أكثر الكتب رواجاً ومبيعاً خلال الأشهر الأخيرة بترجمته الإنجليزية عبر الموقع الأمريكي العالمي "أمازون"، والمكون من مئة وعشرين صفحة بيضاء فارغة.
وعلى الرغم من أن الكتاب جاء فارغا يخلو من أية كلمة، إلا أن الوصف فاق كل توقع بأنه "ثمرة سنوات عديدة من البحث في آلاف المصادر وبشكل دقيق في مراجعة المكتبات والأرشيف في جميع أنحاء العالم، لإنتاج ما يعتبر المراجعة اﻷكثر شمولاً واتساعاً لـ3000 سنة من المساهمة الفريدة للشعب الفلسطيني للعالم واﻹنسانية".
باختصار، ما أراد الكاتب - وهو محاضر سابق في جامعة حيفا - قوله، إنه وبعد تمحيص وبحث طويل وجد أن الشعب الفلسطيني بلا تاريخ أو تطور، وبالتالي لا يمكن اعتبارهم شعباً أو لهم أية صلة بأي قومية، أو أي امتداد طبيعي في الأرض فلسطين.
ومع أن الكتاب لم يحمل سوى بضع كلمات في أول صفحتين، إلا أنها كانت مفعمة ومتأثرة بالخطاب الاستشراقي في الشعور بالتفوق وإلغاء الآخر والعداء الكامن - الظاهر، والشعور بالتنافس على المكان مع "شرقي" لا يستحق أن يكون سوى تابعاً محتاجاً لهذا المحتل الذي يحسن استثمار موارده وتطويرها بعكس الآخر البدائي.
وربما هذه العلائقية المشتركةمع الغرب الذي تأثر بالموروث الاستشراقي - قدر بحوالي 60،000 كتاباً فقط في فترة 1800 - 1950 ميلادي تتعلق بالشرق الأدنى - والذي كون بدوه تراثاً كاملاً مبنياً على دراسة الشرق في ظروف استعمار وتنافس وتفوق سياسي، وتجارب الرحالة التي كانت عبارة عن إسقاطات لا واعية لكراهيتم، وحسهم الدائم بأهمية غزو الشرق والسيطرة عليه، وبالتالي لم تكن أبحاثهم في الشرق علمية خالصة.
فلم يكن غريباً أن لجأ المؤلف اليهودي إلى حيلة لم يعبأ فيها سوى بطمس الآخر، بعد أن نفدت الأدلة وفشلت كافة عمليات الحفر والتنقيب في إيجاد آثار تثبت ارتباطهم بالمكان، حتى أن الأبحاث التوراتية سرعان ما وصفت لاحقاً في جامعات أمريكية بأنها ليست علمية بعد اكتشاف تزوير عدد كبير من الحقائق لأجل مشروع سياسي، في ظل عمليات الطمس والتهويد المستمرة في أحياء القدس وفلسطين عامة، وتوظيف الأبحاث لصالح السياسة.
وبالرغم من اختلاف المتابعين على تصنيف الأوراق الفارغة كـ "كتاب"، فقد أثار "أمازون" غرابة الجمهور القارئ بأن قَبِل بمواصفات الكتاب وتم تسعيره بـ 7.99 دولار أمريكي، قبل أن تسحبه مؤخراً بلا أسباب واضحة.
يرى مراقبون أن ثمة ارتباط وتعاطف أمريكي واعٍ وغير واعٍ مع نموذج إسرائيل في تجربة إقامة دولة على أنقاض شعب أصلي وأصيل، عبر محوه وجودياً وثقافياً، وفي ذلك أشار الكاتب والمؤرخ منير العكش في كتابه "أمريكا والإبادات الجماعية - حق التضحية بالآخر" حول ما ارتكبته أمريكا من جرائم بحق السكان الأصليين "الهنود الحمر"، وكيفية الإنشغال على منهج تبديل شعب بشعب وثقافة بثقافة، وصناعة تاريخ من المستعمرات على أنقاض ثقافة وتاريخ محلي أصيل.
الهدف من هذا الكتاب، حسب ما نشر في موقع breakingisraelnew، هو أن يكون "الكلمة الأخيرة في موضوع التاريخ الفلسطيني"، لتبلور في ذلك صراعاً مفتوحاً ومحاولة مستمرة في سد حالة النقص التي تعانيها إسرائيل والإنكفاء في قوقعة المُستَهدف، فتسعى إلى كافة الوسائل بشكل مطرب لتحقيق غايتها في البقاء والوجود.
ومما لا شك فيه أن مؤلف "الكتاب الفارغ" عبر عن مكنون العقل الباطني للمنهجية الإسرائيلية، التي ترغب لو أنها تجهز على هذا التاريخ وتمحوه بطمسه وحذفه جملة واحدة في محاولة ربما تكون أكثر جدوى من المجازر التي لم تأتي أكلها، كون شعبها "شعب الله المختار" يمتلك الأحقية في ذلك الميراث.