غيداء نجار - النجاح الإخباري - في الآونة الأخيرة، كثيراً ما بتنا نسمع أو نقرأ في الصحف والمواقع الإلكترونية أنَّ هناك شجاراً وقع بين أقارب، أو حتى غرباء، بل وأصبح هذا الموضوع شبه يومي، حدث اعتادت الآذان سماعه، ولم يعد الشارع الفلسطيني يستغرب من هذه الظاهرة، علمًا أنَّه في السنوات الماضية لم نكن نسمع بها، وإذا حدثت فتكون بنسبة قليلة، ويعلل البعض أنَّه سابقًا لم يكن هنالك وسائل إعلامية كما الآن تنقل جميع الأخبار وبالسرعة الفائقة، مغفلين تغير أطباع الناس ومزاجهم.

قبل فترة ليست ببعيدة وقع في نابلس أربعة شجارات بين عدَّة شبان في ليلة واحدة، نتج عنها (14) إصابة بجروح تتراوح ما بين خطيرة ومتوسطة وطفيفة.

ولوحظ أنَّ الشجارات تزايدت بشكل ملفت بحدود شهر تقريباً، ولو عدنا بالذاكرة إلى شهر رمضان الفضيل سنجد أنَّه لم يخلُ من هذه الشجارات، ففي أوَّل أيامه احتضن تراب قلقيلية دماء أحد ضحايا الشجارات.

وفي حديث لـ"النجاح الإخباري" حول هذا الموضوع، أوضح الناطق باسم الشرطة المقدم لؤي ارزيقات مخصصًا إحصائيات تعلقت فقط بشهر رمضان: إنَّ الشرطة سجَّلت خلال شهر رمضان وقوع (530) شجارًا في جميع محافظات الضفة، نتج عنها ثلاث حالات قتل في كل من نابلس وقلقيلية وبيت لحم، وما يقارب (150) موقوفًا، وفي أيام العيد (59) شجارًا، و(18) إصابة، وما يزيد عن (100) موقوف.

وبيَّن ارزيقات، أنَّ أسباب الشجارات كانت بسيطة جداً، إما خلافات بين شباب أو أطفال و من ثمَّ تدخُّل العائلات الذي يُكَبِّر الحدث، وإما خلافات مادية أو مشادّات كلامية.

وتابع قائلًا: إنَّ طبيعة الأسلحة المستخدمة في الشجارات أغلبها آلات حادة من سكاكين وخناجر وغيرها، والتي يطلق عليها الأسلحة البيضاء.

ويضيف ارزيقات قوله: إنَّ خسائر وأضرارا مادية وقعت نتيجة الشجارات، من حرق للبيوت والممتلكات، موضحًا أنَّ هذه الأعمال تكون كردة فعل على حالات القتل، خاصة في المناطق المصنفة 'ج' والتي تحتاج لتنسيق من أجل وصول قوَّات الأمن التي تمنع هذه الأفعال وتقوم بحماية الممتلكات والمواطنين والسيطرة على هذه الشجارات.

كما ونوَّه إلى أنَّ أكثر فترة حدثت بها الشجارات كانت خلال شهر رمضان وأيام العيد، وكانت اغلبها وبنسبة (80%) تحدث في متنزهات.

وبالرغم ممّا شهده الناس والمجتمع، وما سمعه وقرأه خلال مختلف الوسائل الإعلامية سواء على التلفاز أو الراديو وفي الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي، إلا أنَّ ارزيقات يؤكِّد لنا أنَّ نسبة الشجارات هذه الفترة كانت أقل من التي قبلها، ففي رمضان الماضي (925) شجاراً.

ومما لا شك فيه أنَّ وجهاء العشائر والقضاء العشائري، لهم دور مساند للأمن والقانون، ولكن تختلف الإجراءات المتبعة لديهم عن الإجراءات القانونية، ويتم التماشي مع أرائهم في محاولة لتهدئة النفوس لكي لا تتفاقم الشجارات.

ومن جهته يعزي مستشار مدرب التنمية البشرية الدكتور أكرم عثمان هذه الشجارات لأسباب عدَّة: "غياب القيم والمبادئ وعدم القدرة على التفاهم مع الآخرين، وافتقار الشخص لمهارات التفاهم والحوار فغالبًا  يلجأ للعنف النفسي من خلال الشتم والتهديد، أو العنف الجسدي، خاصة إذا وجد الجانب الآخر يتصدى له، وغالبًا ما يبدأ الشجار بالنظرات والشتم والتهديد خاصةً إذا وجد الآخر ندًا له ربما يتطور الشجار بين الطرفين".

ويضيف د.عثمان :" إلى جانب القيم والمبادئ أيضاً ثقافة الاحترام والحوار، وهذا برأيي يعود لضعف التنشئة الأسرية والمدرسية، فعموماً في الوسط الشعبي وحسب الإحصائيات فإنَّ العنف منتشر بين طلبة المدارس، وخصوصًا ممن يتسربون أو يخرجون من مدارسهم، كما أنَّ الأوضاع المادية لها دور، عدا عن أنَّ البطالة لها دور كبير في هذه الشجارات فبعض الأشخاص يكبت غضبه ويأسه لعدم إيجاده لعمل بداخله، وهذا الغضب والحقد على المجتمع ككل يخرج بهذا الشكل، والأوضاع القائمة في مجتمعنا من تفكك أسري وعائلي".

ولمواقع التواصل الاجتماعي أسبابها في ذلك، والتي كان من المفروض أن تقرّب من الناس، ولكن للأسف يحدث العكس، فأصبح الفرد يفضّل الجلوس على هذه المواقع وينزوي بنفسه بعيدًا عن الآخرين.

خلال  شهر رمضان يطرق مسامعنا أنَّ سبب الشجارات فيه هو الصوم، بحجة أن المدخنين يفرغون عصبيتهم بمن حولهم، وينفي د.عثمان هذا الكلام قولاً وتفصيلاً ويقول: "الصائم لديه القدرة لتحمل الجوع والعطش، كما أنَّ الصيام قيمة أخلاقية كبيرة".

ويرى البعض أنَّه لا يوجد لدى الشارع الفلسطيني ثقافة الشعور بالآخرين والتعاطف معهم، بالرغم من ظروف الاحتلال والاجتياحات والاغتيال والأسر والقتل والتجريح، والتي من المفترض أن ينتج عنها التعاطف والتعاضد، وللأسف نجد التعاطف لدى المجتمعات الغربية بشكل أكبر مما يوجد عندنا.

ويغيب عن أذهاننا أنَّه في بعض الدول عند الاختلاف في أمر ما وبحال الشجار يقولون "بدون أيدي"، حتى لو كانوا يحملون المسدسات فإنَّهم يضعونها جانباً، والمفروض أن نعلم انَّ الجميع مختلف عن الآخر والحياة هكذا تسير بالاختلاف أحيانًا، ولكن بالحوار والتفاهم والاحترام ممكن أن نصل لحلول.

كما أنَّ الأشخاص الموجودون في السجون الجنائية والمتهمون بجرائم قتل، يتعاطون أدوية للأمراض النفسية، وأصبح عندهم اكتئاب، وآخرون انفصام في الشخصية، وهناك من يعاني من القلق والتوتر خصوصًا عند تفكيره أنَّه من الممكن بعد انتهاء محكوميته وخروجه من السجن أن يُقتل.