ساري جرادات - النجاح الإخباري - يعبِّر المثل الفلسطيني "على قد فراشك مد رجليك"، عن أهمية القناعة في حياة الشعب، ويتخذه العديد منهم مدخلًا في شراء الملابس أو الأواني الخزفية، والتحف والأدوات الكهربائية والأثاث، وغيرها حتى باتت محلات "الرابش" تعج بكل أشكال المواد اللازمة لمد البيت بكل أنواع المستلزمات.
سوق "الرّابش" أو الأثاث المستعمل أو القديم أو المخلّفات والملفوظات أو المتروكات، وفي مناطق أخرى يسمى "سوق العُتَّقْ" أو "سوق البالة"، وتعني الكلمة الشيء المهترىء أو المستخدم، وبات له أسواق خاصة في مدن مختلفة من الضفة الغربية، أشهرها في مدينة الخليل.
وأطلقت الكلمة على الأغراض التي كان يرميها الانتداب البريطاني في أوعية مهملات معسكراته، فيلتقط المواطنون الفلسطينون ما يمكن الانتفاع منه، وويستطيع من يحالفة الحظ التقاط أشياء بحالة جيدة، وبعد الانجليز، أصبح "الرابش" من فضائل معسكرات قوات الطوارئ الدوليَّة، إلى أن بات سوق ضخم، ويتوسع يوماً بعد يوم.
وتتلاصق المحلات التجارية على طول الطريق هنا في بلدة اقترن اسمها بهذا المشهد، بيت عوا جنوب مدينة الخليل، صاحبة سوق المواد المستعملة الأكثر شهرة، وتميزت به منذ ستينيات القرن الماضي، ويحتوي على بضائع مختلفة الأشكال والألوان، إرث تاريخي بدأه الأجداد وتابعه الأبناء، وشهد تطوراً ملحوظاً على مدار السنين.
ويستقطب سوق البلدة معظم سلعه من البلدات العربية أو المستوطنات الاحتلالية، أو من أراضي عام (1948)، حيث يقصدها التجار للتنقيب عن رزقهم، في جمع الأثاث المستعمل والملقى على جنبات الشوارع وأمام البيوت، وفي أحيان كثيرة يتم شرائه من أصحاب بيوت قرروا تغيير ما لديهم من أثاث.
وبعد إتمام عملية الجمع والشراء، تبدأ عملية الترميم والإصلاح للأثاث، ويقوم عمَّال مختصون بإعادة ترميم وإصلاح المواد التالفة، وتجديدها، وهناك محال خاصة في البلدة لتوفير المواد اللازمة لتجديد الأثاث المستخدم، وعمال متخصصون في ذلك وغسلها، ومن ثم عرضها للبيع.
وقال مالك أحد محلات الأثاث المشهورة في مدينة الخليل "بلال المسالمة" لـ"النجاح الإخباري": بدأت عملي في "الرابش" في سن الطفولة المبكرة، ببيع بعض المواد المستعملة، وتطورت إلى أن تمكنت من فتح سبع محلات للأثاث المستعمل ومنجرة وورشة تصليح، وأشغل حوالي أربعين عاملاً.
واضَّطر المسالمة لترك مقاعد الدراسة، والعمل في "الرابش" بعد وفاة والده عن عمر ناهز (72) عامًا، وله من الزوجات ثلاثة، حيث وقع على كاهليه مهمة توفير لقمة العيش لعشرين نفراً، كان هو أكبرهم بعد وفاة والده، وتدرج في العمل إلى أن بات أحد أبرز تجار "الرابش".
وقالت "خلود فطافطة" (27 عامًا) لـ"النجاح الإخباري":"ما يدفعني إلى هذا المكان حبي للأشياء القديمة والعتيقة، ولدي رغبة شديدة في اقتنائها، كأني أبحث عن شيءٍ ما يخصني، وعن تفاصيل تملؤني بالسعادة، ولها ملمس قوي ورائحة حيَّة تتجسد في وجودي".
وقال الشاب "محمود البص" (30 عامًا) من بلدة السموع قضاء مدينة الخليل لمراسلنا: "اشتريت أثاث منزلي متكامل لعش زوجيتي من الرابش، وأشار إلى أنَّ الأسعار مقارنة مع الأثاث الجديد متواضعة ومنخفضة بنسبة (70%)، وتجد كل مرادك في "الرابش"، ونعثر أحياناً على أغراض شبه جديدة والأسعار تلائم قدراتنا الشرائية.
ويرى أستاذ العلوم الماليَّة والمحاسبية في جامعة الخليل "مجدي الجعبري" أنَّ بيع الأثاث المستعمل موجود في كل اقتصاديات دول العالم، وتلجأ بعض فئات المجتمع من ذوات الدخل المتوسط والمنخفض إلى شرائه، وبشكل خاص الأسر المقبلة على الزواج وفتح بيت جديد، لتجنب شراء الأثاث الجديد المعروف بأسعاره المرتفعة.
وأضاف الجعبري في حديثه لـ"النجاح الإخباري": أنَّ تغيير العائلات الإسرائيلية لأثاث منازلهم بشكل دوري، للاستفادة من المحفزات الضريبية التي تمنحها لهم سلطات الاحتلال، تؤدي إلى توفر كميات كبيرة من أثاثهم في السوق الفلسطيني وبجودة عالية، ومتنوعة.
يُشار إلى أنَّ نحو (50%) من القوى العاملة في البلدة وجدوا فرصتهم للعمل في هذه التجارة، وما أدخلته من حرف كالنجارة والتصليح، وتقدر مصادر دخل هذه القطاعات في البلدة بنحو (50) ألف دولار يومياً، ولكن مساهمته الاقتصادية لا تقتصر على الحد من البطالة فقط، فمن معظم المدن والبلدات الفلسطينية يرتاده المتسوقين ما جعلها بلدة سياحيَّة أيضًا.