مصطفى الدحدوح - النجاح الإخباري - داخل ورشته الواقعة أسفل منزله شرق حي الشجاعية في غزة، يجلس الشاب، محمود الحلو متحديا الخطر الذي يداهم صحته ليكسب قوت يومه، جراء قيامه بتجميع الألواح الرصاصية المشبعة بحامض الكبريتك المتهالكة تمهيدًا لإعادة صهرها وبيعها لأصحاب محال تصليح وتجديد البطاريات الموزعين بالقطاع.

وأصيب الحلو نتيجة عمله بهذه الألواح الرصاصية بالفشل الكلوي، والتي يبلغ سعر الكيلو الواحد منها ما بين 15 شيكلاً لـ 18 شيكلاً، وفقا لجودة المنتج وسعر السوق.

أما العامل حمدي حجازي، الذي اعتاد على العمل وسط الدخان والغازات الخانقة التي تنتج أثناء صهر البطاريات، قال "إن العاملين بمجال صهر الرصاص أمامهم أحد الخيارين، إما الموت من الجوع، أو الموت من أضرار العمل بصهر الرصاص الذي لا يجد له بديلا".

وحسب احصائيات سلطة جودة البيئة فيتواجد قرابة 47 ورشة تعمل في مجال إعادة تدوير البطاريات، في أربع محافظات من أصل خمس محافظات في قطاع غزة، إذ خلت محافظة رفح من أي تواجد لتلك الورش، في حين تضم محافظة الشمال 12 ورشة، ومحافظة الوسطي 3 ورش، ومحافظة خان يونس تضم ورشتين، ويعمل في كل ورشة من ثلاثة إلى ستة عمال تتراوح أعمارهم بين 11 سنة إلى 50 عاما، وتتحدد القدرة الإنتاجية للورشة بناء على عدد العاملين بها.

ويعاني 23% من بين العاملين في هذا المجال من تسمم الرصاص، الذي أدى إلى إصابتهم بأمراض مزمنة، على رأسها تلف الجهاز العصبي، والفشل الكلوي، والعجز الذهني والاصابة بسرطان الدم.

أسعار متداولة:
وتباع البطاريات فئة 100 أمبير والمعاد تدويرها مقابل 450 شيكلا، فيما يبلغ سعر الجديدة منها 950 شيكل، ويقدر سعر البطارية فئة 150 أمبير ب550 شيكل، بينما يبلغ سعر الجديدة منها 1100 شيكل، وفئة 200 أمبير المعاد تدويرها يبلغ سعرها 675 شيكل، ويبلغ سعر الجديدة منها 1350 شيكلا.

وتبلغ أسعار البطاريات التالفة التي يشتريها أصحاب الورش ويعيدون تدويرها إلى خمسو شواكل للبطارية متوسطة القدرة (100 أمبير)، ويبلغ سعر البطارية الكبيرة 10 شواكل، ويقدر المهندس خالد أبو غالي مسؤول ملف البيئة في سلطة جودة البيئة بغزة، عدد البطاريات المستعملة المتوفرة في السوق بـ 70 ألف بطارية.

زيادة الخطورة:

وأوضح الدكتور حسن طموس، بأن عملية تدوير الرصاص تأتي بطرق عشوائية جراء جمع البطاريات المستعملة بشكل غير آمن، ومخالف للمعايير البيئية المنصوص عليها في اتفاقية بازل لعام 2002 والخاصة بالتخلص من النفايات الخطرة "البطاريات"، والتي تنص على التخلص من النفايات الخطرة عبر مراحل تجميع بواسطة مختصين في مناطق بعيدة عن التمركز السكاني حتى تتم عملية المعالجة الآمنة لها.

وطالب الدكتور محمد أبو ندى رئيس قسم الأعصاب بمستشفى عبد العزيز الرنتيسي التخصصي للأطفال، الجهات الحكومية بإلزامية نشر الوعي حول خطورة تعامل الأطفال والعمال غير الآمن مع البطاريات، خاصة بعد تصنيف منظمة الصحة العالمية مادة الرصاص في الترتيب الثاني للمواد السمية بعد مادة الزرنيخ.

وأفاد الدكتور جمال صافي المختص في العلوم البيئة بجامعة الأزهر في غزة، أن خطورة الرصاص المصهور تكمن في البخار المتطاير خلال عملية الصهر الذي لا يرى بالعين المجردة والتي يستنشقها العاملون، مما يهدد أيضا سلامة الأهالي في المنطقة المحيطة بورشة إعادة تدوير البطاريات. 

قوانين ذات صلة:

وأوضحت منظمة الصحة العالمية عبر موقعها الرسمي، في ملخص دراسة عالمية صدرت في آب/أغسطس 2015 بأن الرصاص مادة تراكمية التأثير، ولفتت إلى أن معدل تعرض الأطفال عالميا للرصاص يسهم سنويا في إصابتهم بنحو 600 ألف حالة جديدة من العجز الذهني، كما يؤدي إلى 143 ألف وفاة سنويا بين الأطفال لكونهم الأكثر عرضه للإصابة

وينص قانون البيئة الفلسطيني رقم (7) لسنه 1999 في المادة (7) على: " أن تقوم الوزارة (سلطة جودة البيئة) بالتنسيق مع الجهات المختصة بوضع خطة شاملة لإدارة النفايات الصلبة على المستوى الوطني، بما في ذلك تحديد أساليب ومواقع التخلص منها، وكذلك الإشراف على تنفيذ هذه الخطة من قبل الهيئات المحلية".

كما نصت المادة (11) على "أنه لا يجوز لأي شخص أن يقوم بتصنيع أو تخزين أو توزيع أو استعمال أو معالجة أو التخلص من أية مواد أو نفايات خطرة سائلة كانت أو صلبة أو غازية والمحددة من الجهة المختصة إلا وفقاً للأنظمة والتعليمات التي تحددها الوزارة بالتنسيق مع الجهات المختصة".