ايناس أحمد - النجاح الإخباري - يتسابقون مع الريح ليصافحوا سور القدس العظيم، فيطبع على كفوف أيديهم تاريخ المدينة وحضارتها، يقفزون فوق سطوح الخان متحدين هيمنة الاحتلال وتهويده، بأن القدس عربية، تارة تراهم يتشقلبون على درجات باب العامود، وتارة اخرى سرعان ما تلمحهم يطيرون كما الحمام فوق القبة الذهبية، وحدهم يستطيعون رؤية القدس من اعلى، يتسلقون سورها دون ادنى خوف وأو رهبة.
ثابتون صامدون كمسجدهم، رغم مضايقات الاحتلال و مستوطنيه، الا انهم يسطرون في كل يوم حكاية ثبات وصمود لكن من نوع اخر، فريق باركور القدس.
تسلل الباركور الى القدس
بدأ قتيبة أبو سنينة برفقة صديقه سامي البطش، بتعلم رياضة الباركور، التي اجتاحت أذهانهم من خلال مشاهدة فيلم أجنبي لمبتكر هذه الرياضة ديفيد بيل.
رياضة الباركورهي،مجموعة حركات يكون الغرض منها الانتقال من نقطة إلى أخرى بأكبر قدر من السرعة والسلاسة، بالاعتماد على القدرات البدنية لتخطي الأشجار، الصخور،القضبان الحديدية أو حتى الجدران والأسوار.
ابتكر هذه الرياضة الفرنسي ديفيد بيل أثناء تدريباته العسكرية في الجيش، حيث كان يمارس نشاطات بدنية مشابهة للجمباز وبعض الفنون القتالية، وبمرور الوقت ومشاركته ما تعلمه مع أصدقائه تطورت مهارات ممارسي الباركور لرياضة شوارع فيها الكثير من التشويق والمغامرة.
من فيلم لممارسة على أرض الواقع
فيلم تلو الاخر، ومن قناة يوتيوب الى أخرى، حتى أصبح قتيبة أبو سنينة وسامي البطش قادرين على ممارسة حركات رياضة الباركور التي لا تخلو من المخاطر والاصابات، تلك الرياضة التي خطفت قلوبهم ولب عقولهم.
اختاروا بانضمام محمد البكري سطوح خان السلطان في البلدة القديمة بالقدس، للتدريب والتأهيل للممارسة الباركور، وجدوا فيه المساحة والامكانيات البدائية اللازمة للعب، تسلقوا الحمايات الحديدية ليتحرجوا فوق القباب وصولاً الى المشي على الجدران.
كان عرضهم ملفت لسكان البلدة القديمة بما فيهم الشباب، الذين بدأوا بالتوافد للعب مرة بعد الأخرى، ازداد العدد وازداد الاهتمام أكثر بنشر رياضة الباركور بين شباب القدس.
باركور القدس يلمح النور
أصبحت الحاجة ملحة لتأسيس نادٍ يدعم رياضة الباركور، لكن الامكانيات المادية والمعنوية شحيحة في ظل الاجتياح الجديد لرياضة الباركور فلسطين وخصوصاً مدينة القدس.
يقول قتيبة أبو سنينة مؤسس فريق باركور القدس، "تطورنا شيئاً فشيء بالرغم من الاصابات، و صلنا لمرحلة نستطيع فيها تكوين فريق لان عدد المتدربين زاد عن المئة وعدد الاقبال ما زال مستمراً على رياضة الباركور".
يضيف أبو سنينة، "تم تكوين فريق باركور القدس بمبادرة مني ومن سامي البطش ومحمد البكري ومحمد الفاتح، وفي عام 2008 تطورنا لمرحلة استطعنا فيها استئجار نادٍ لتدريب الباركور في مركز برج اللقلق المجتمعي."
أصبح لفريق باركور القدس نادٍ متخصص لتدريب الرياضة التي استقطبت الشباب، واستدرجت عقول الصغار، حتى أصبح عدد المدربين عشرون مدرباً، وعدد المتدربين فوق المئة من بينهم ستين طفلاً.
البلاتين رفيق مدربي الباركور
كون رياضة الباركور تعتمد على التسلق والتدحرج والقفز لمسافات عالية وتخطي الأسوار، الأمر الذي يميزها بخطورة كبيرة، جعلها لا تخلو من الاصابات والكسور.
فمؤسس الفريق قتيبة أبو سنينة، تعرض لكسر في الرقبة وجروح في الوجه ما زالت آثارها باينة لكل من يراه، اما صديقه سامي البطش فكسرت ركبيتيه أثناء سفر الفريق الى تركيا لاستعراض الباركور، تم علاجه بتركيب بلاتين في ركبيته.
اما يزن الهنيني أصغر مدربي الفريق اخذه حبه للتطور السريع بالرياضة والاحتراف فيها الى كسر اصابع قدميهوتركيبالبلاتين له.
اما سفير، يبدو انه أقلهم حظاً، كسرت اكتافه ويديه وقدميه، وركب له البلاتين في كل ما سبق.
يقول قتيبة أبو سنينة، "اكثر ما اعاق تطورنا كفريق و تطور الباركور في مدينة القدس هو الاصابات، كل رياضة لا تخلو من الاصابات خصوصاً في ظل غياب الامكانيات والدعم فان مجال الاصابة سيكون اكبر وأوسع."
امكانيات شحيحة ودعم معدوم
كان السبب في اصابة أغلب مدربي الفريق هي شح الامكانيات وغياب الدعم المادي والنفسي، يشجع أعضاء الفريق بعضهم على الاستمرار في ممارسة رياضة الباركور، متجاهلين اصابات تركت أثارها علامات في وجوههم وأجسادهم، قائلين: لا تمنعنا الاصابات من نشر الرياضة على مستوى مدينة القدس.
رياضة جديدة تغزو مدينة القدس فلا نوادي متخصصة للممارستها ولا حتى اعتراف مجتمعي بجرأتها، نقص الامكانيات من نوادٍ وأدوات، حيث من أساسيات النادي الخاص لممارسة الباركور، ان يكون واسعاً و ذو سقف مرتفع جداً، عدا عن الادوات التي يفتقدها النادي المستأجر من قبل فريق باركور القدس.
يقول قتيبة أبو سنينة، "حفرة الفرشات هي اهم اداة ونحن نفتقدها واذا توفرت لدينا نستطيع التطور بطريقة عجيبة، وهي عبارة عن حفرة بالارض بعمق ثلاثة أمتار وبعرض اربعة متر و طول ستة امتار مليئة بالفرشات الاسفنجية، والتي تمكن اللاعب من القفز وممارسة الرياضة والوقوع فيها دون حدوث اصابات أو تضرر جسدي".
معركة بقاء و رباط
لفريق باركور القدس نصيب من عنجهية الاحتلال، حيث يتدخل الاحتلال بشتى مجالات الحياة في مدينة القدس، ولم يسلم الفريق من اعتداءات الاحتلال ومستوطنيه، تعرض أغلب اعضاء الفريق للاعتقال والحبس المنزلي، والابعادات والمنع من ممارسة الباركور، فكان الاحتلال شريك بالمناصفة مع الاصابات لاعاقة تطور فريق باركور القدس.
يقول قتيبة أبو سنينة،" طال الاعتقال سامي البطش الذي كان يحمل علبة الرش ويكتب اسم الرياضة على الحائط، فقام أحد المستوطنين بالشكوى عليه وتم ابعادنا عن منطقة سطوح الخان المنطقة التي بدانا التدريب فيها."
كما طال الاعتقال محمد البكري والحكم عليه بالسجن لمدة ستة أشهر، اما قتيبة أبو سنينة حكم عليه بالحبس المنزلي لمدة خمسة عشر شهراً.
عدا عن اعتداءات المستوطنين، الذين قاموا بحرق معدات اللعب التي بذل الفريق كل ما بامكانه لتجميعها.
يقول قتيبة أبو سنينة،"لان قوات الاحتلال ليس من نطاق عملها ان تصادر المعدات، فانها تبعث بمستوطنيها وعلى مرأى من أعيينا لتحرق معداتنا."
اما الشرطة الاسرائيلية، فتمنع فريق باركور القدس من دخول الاماكن العامة،بحجة الحفاظ على سلامة السياح وبانهم يشكلون الخطر على المستوطنين، على الرغم من ان كل ما يفعلوه هو استعراض للحركات وممارستها.
ما بحبوا يشوفوا شباب القدس بتطور
أصبحت ممارسة الباركور مرهونة بمزاجقائد الشرطة الاسرائيلية في منطقة سطوح الخان، اذا كان القائدالمسؤول عن المنطقة في مزاج متعكر فالفريق ممنوع من اللعب، اما اذا جاء اخر بمزاج مرتاح فانه سيسمح للفريق باللعب.
اما اذا كان عدد المتدربين كبير اثناء الاستعراض،فيتم المنع على الفور، اما اذا كان العدد محصور باثنين أو ثلاثة فلا يمنعوا.
يقول قتيبة أبو سنينة،" ما بحبوا يشوفوا شباب القدس بتطور مستمر".
ويضيف، "مجال التطور بالباركور يكون مفتوحاً اكثر اذا كان العدد اكبر، نتشجع ونزكر بالحركات بشكل أفضل".
ألعب بالجكر والتفتيش التحلاية
بعد الأحداث التي أشعلت الشارع المقدسي بهبة شعبية، صار التضييق على مدينة القدس يلف عنقها، فلا مواطنيها بأمان ولا هم باستقرار، كذلك الباركور التي تم منع ممارستها منعاً باتاً في منطقة باب العامود بغض النظر عن عدد ممارسيها، فان المنع يأتي على الفور أو ان رصاص الاحتلال يتأهب على مصراعيه معلناً شهيدا.
يقول قتيبة أبو سنينة، "اذهب لباب العامود لاستعراض الباركور لأبين للناس انها ما زالت موجودة وتتطور في مدينة القدس، يتم تفتيشي مباشرة وهذه تحلاية، بعدها تدقيق الهوية واحتجازها لحين انتهائي من العرض، العب جكر بالاحتلال وسأبقى العب كما كنت قبل الاحداث الاخيرة، استعرض الحركات لكن بحذر شديد لانه أي حركة ممكن ان تستفز الجندي مطلقاً النار باتجاهي".
فريق باركور القدس، من فيلم لحكاية تحدٍ وصمود في وجه احتلال متغطرس، يحاول السيطرة على المدينة المقدسة، متجاهلاً أي حقوق انسانية أو نشاطات ترفيهية، يرفض منعاً باتاً أي تفريغ نفسي لسكان القدس.