سائد نجم - النجاح الإخباري - تعاني بلدان الوطن العربي في الفترة الأخيرة مرارة الحروب الأهلية والتدخلات الخارجية، فبعد تقسيمها الأخير بسايكس بيكو عام 1916، عوامل الهجرة والتقسميات والهدم والتدمير والانتهاكات الإنسانية هو المشترك بين العراق وسوريا وليبيا، باستثناء فلسطين التي تعاني ويلات الاحتلال الإسرائيلي والانقسام السياسي الداخلي.
تعددت العوامل المؤثرة المكونة للوضع المعيشي الفلسطيني الواقع بين صراعه مع الاحتلال الإسرائيلي الذي يسيطر على أكثر من 80% من مساحتها المقدرة بـ 27 ألف كم²، وبين تبعات الانقسام الفلسطيني التي بدأت بعد أحداث عام 2006 بين حركتي فتح وحماس، في ظل وجود البطالة في الضفة، وتفاقمها بشكل مدقع في غزة التي تواجه الضيق والحصار.
على الرغم من تتابع النكبات والقتل والإبعاد إلا أن عدد الفلسطينيين -بحسب جهاز الاحصاء المركزي الفلسطيني عام 2015- المقدر فـي العالم بلغ حوالي 12.37 مليون؛ 4.75 مليون في أراضي الضفة وغزة، وحوالي 1.47 مليون في الأراضي المحتلة عام 48، وما يقارب 5.46 مليون في الدول العربية ونحو 685 ألف في الدول الأجنبية.
بالقتل والاعتقال والتنكيل وحواجز عسكرية تقطع أوصال المحافظات، يفرض الاحتلال الإسرائيلي سيطرته على الضفة الغربية، ويحكم قبضته على ما تبقى من أراضي المواطنين من خلال الاستمرار ببناء المستوطنات ومصادرة الأراضي وهدم المنازل، كذلك لا يسلم الموطنون من اعتداءات المستوطنين اليومية على الأهالي والأراضي.
كما لا تخلو تلك الاعتداءات من الوسائل التي يستخدمها الاحتلال في بتهديد الأماكن المقدسة والأثرية، بعمليات الإفراغ والتهويد.
انتهاكات الاحتلال وصلت إلى أبعد من ذلك، فقد بلغ عدد المعتقلين في سجون الاحتلال إلى أكثر من 7 آلاف فلسطيني، يفتقدون إلى مقومات الحياة الانسانية، كذلك عدوان الاحتلال المتكرر الذي خلف آلاف الشهداء والإصابات، ودمار هائل في البنى التحتية في غزة.
أما سياسياً فلا يزال يعيش الشعب الفلسطيني تبعات الانقسام بين (فتح) في الضفة، و(حماس) التي تسيطر على قطاع غزة، وغياب الرؤية الموحدة في البرنامج السياسي وإنهاء الاحتلال، وفشل كل الجهود الدبلوماسية في حلها.
أما سوريا التي بلغ عدد سكانها بموجب تقديرات عام 2013 (22.5) مليون نسمة بمساحة 185,180 كم²، فتعيش أوضاعاً مأسوية مع تصاعد وتيرة الأزمة التي بدأت تزامناً مع أحداث ما يسمى بالربيع العربي عام 2011، والتي وصل بها الحال إلى حرب طاحنة متعددة الأطراف أدت لمقتل ومصرع 210060 شخصاً بحسب تقديرات المرصد السوري لحقوق الإنسان عام 2015، ولجوء أكثر من ستة مليون إلى (الأردن، ولبنان، وتركيا، والعراق) تم تسجيلهم، فيما لا يزال عشرات الآلاف من المهجرين غير مسجلين.
الاحتجاجات التي بدأت سلمية في مارس عام 2011 بمدينة درعا احتجاجا على النظام الذي يرأسه الرئيس السوري بشار الأسد، أفضت لنشوء مقاومة مسلحة غير مركزية بعد قمعها، لتتحول فيما بعد إلى حرب مدن ومعارك تستخدم فيها الأسلحة الثقيلة، وبمشاركة مقاتلين وتنظيمات أجنبية مثل "داعش" وجبهة النصرة وحزب الله اللبناني وغيرهم، ليحل مؤخراً تواجد (روسيا وأمريكا وتركيا) المختلفة مصالحها ميدانياً على الأرض السورية.
دمار واسع في البنية التحتية خلفتها الأزمة لعدد وافر من المدن السورية، وإتلاف في المواقع أثرية، وشبه انهيار في الاقتصاد، كذلك الأعداد المرتفعة باستمرار للقتلى، واللاجئين، والجرحى، والمعاقين، والمعتقلين، والمخطوفين، والمختفين.
تعيش العراق أوضاعا مشابه من حيث المأساة، فالأطراف المتنازعة المكونة من "داعش" الذي يسيطر على الموصل ثاني أكبر مدينة وعلى أجزاء اخرى، وبين القوات الحكومية والمليشيات الشيعية التابعة لها، بالإضافة إلى تجمعات الأكراد على شكل كتائب، فيما تسيطر كلٌ منها على جزء بطريقتها، فيما تتناحر بالسلاح لترسيخ نفوذها الذي يخدم رؤية كل منها.
العراق الذي بلغ عدد سكانه أكثر من 36 مليون نسمة عام 2016 موزعين على مساحة 437,072 كم²، يشهد بحسب منظمة العفو الدولية انتهاكات صارخة لحقوق الانسان من قبل "داعش" والقوى المتنازعة التي تقوم بعمليات الأسر والخطف والقتل والتمثيل بجثث أسراها إلى الموت، بدوافع طائفية.
يعاني الموطنون في العراق من استمرار بالهجرة والنزوح هرباً من الخطف والقتل المستمر الذي تقوم به "داعش" حيث تواجدت، وكذلك هرباً من الغارات الجوية التي تنفذها القوات الحكومية، لأن الأطراف بحسب تعبير منظمة العفو "لا تعير أية أهمية لقوانين حقوق الإنسان الدولية".
تبعات "الربيع العربي" بعد أن بلغت ذروتها، امتدت لتشمل ليبيا والتي بلغ عدد سكانها 6.4 مليون نسمة لعام 2011، على مساحة تقدر بأكثر من مليون ونصف المليون كم²، على الرغم من وفرة دخل الفرد والموارد الغنية، وامتلاكها لاحتياطي نفط هائل.
بعد الإطاحة بالرئيس الليبي مقتل معمر القدافي في مدينة سرت عام 2011، أدت الصراعات القبلية والميليشيات إلى تقسيم البلاد، لتصبح ليبيا ذات المساحة الواسعة والكثافة السكانية المنخفضة بلا حكومة مركزية، لتبقى مقسمة حتى الأيام الأخيرة بين "داعش" من جهة، والقبائل والميليشيات، وقوات حفتر، في ظل التدخل الفرنسي والدول الغربية المستفيدة.
وما بين مستفيد ومتنازع، تتدحرج الأزمة العربية بتوقعات لرسم خريطة جديدة يرى مراقبون أنها ستكون الأفظع بعد سايكس بيكو، فمصر والسودان وغيرها، ليست بمنأى عن ظروف تلك البلدان.