ساري جرادات - النجاح الإخباري - داخل محل صغير هذا تنطوي حكاية أخرى من نماذج المواجهة والإقدام على تحدي الظروف القاهرة التي تضرب كافة مناحي الحياة الفلسطينية، يسجل رائد روايته الممتدة بين تصليح الدراجات الهوائية على وقع أصوات الطيور التي تمده بشحنات الأمل والصبر على ما قسمته له السماء بقناعة تامة وابتسامة دائمة.
لم يستطع شلله النصفي ولا إصابة نخاعه الشوكي وبضع كسور في الظهر والقدمين مجتمعة أن تجعله طريح الفراش، أو الوقوف أمام المؤسسات والجمعيات التي تتغنى بالعمال والأشخاص ذوي الإعاقة وحقوقهم، واتخاذهم قرباناً لمشاريعهم التي لم تعد مصارف بلدهم قادرة على إيداعها لديها.
وقال رائد حلايقة (42 عاماً) ل "النجاح الإخباري": سقطت عن ورشة للبناء وتعرضت لإصابة بالغة الخطورة، ست شهور من الانعزال والانحباس على الذات كانت كافية لإقناعي بضرورة البحث عن عالم آخر يقيني عد بلاطات البيت ومراقبة حركة غيوم السماء، وتوجهت لطبيب نفسي، وهنا بدأت الحكاية.
يضيف "نسجت جمعية الشبان المسيحية لي آفاق الأمل بغد أفضل، ووفرت لي مشروع تربية الطيور، والذي رغم انهماكي سابقاً في العمل كنت اشتاق لها كما أشتاق لأطفالي الخمسة، وأفضل قضاء أوقاتي بينها، وهي هوايتي منذ أيام طفولتي، فزادت من أعدادها لدي، وتكاثرت لتنجب حبوباً وسنابل تدر لقمة العيش لأطفالي.
أخذ رائد شهيقاً عميقاً من الضحك وقال لمراسلنا: متطلبات الأطفال لا تعد أو تحصى، ولا يمكن وضعها في قالب محدد، مما اضطرني لفتح ورشة لتصليح الدراجات الهوائية لمواجهة غلاء المعيشة، وحركة التطور المستمر في المأكل والمشرب، وأعتمد على نفسي في رحلتي الذهاب والإياب لمنزلي عبر سيارتي.
ويشكو رائد من غياب الاهتمام الحكومي والقطاع الخاص في دعم الأشخاص ذوي الإعاقة، ولفت إلى أن الجهود الشخصية التي يبذلها المعاقين هي سبيلهم في إعلاء مطالبهم ورفع صوتهم لنيل حقوقهم المهضومة من قبل الكير من لمؤسسات، ولم يعفي اتحاد المعاقين من مسؤوليته تجاه قضية المعاقين.
رائد، الإنسان المكافح لم يستثني دور زوجته في دفع عجلات إيمانه بعدالة الأيام، انه حكاية رباعية الألحان، ومدججة بكل أنواع الإرادة والعزيمة والقتال نحو غد أفضل، يستقبلك بابتسامة عرضها ساحل فلسطين المتوسط، وبلذة القهوة العربية المعهودة، ويصطف أطفاله حوله وجباههم تعلوها مشاعر القلق من مستقبل يتأرجح بين عكازات والدهم.
وناشد المواطن رائد دولة رئيس الوزراء الفلسطيني الدكتور رامي الحمد لله بتوفير ماكينة لصناعة الأكواب الورقية، لتعيله وأحد عشر من زملائه المعاقين في سد احتياجاتهم، وتتوزع مهامها عليهم احياءاً لفكرة الاعتماد على الذات، والانصراف عن الوقوف فوق أوتار الترقب والقلق والانتظار.
ويصلي رائد وفريقه لأن يتحقق مبتغاهم في ملامسة الماكينة، لتتوزع المهام بينهم من التصنيع والإنتاج والتسويق والمحاسب والسائق، وما يتطلب عملهم من موارد بشرية أخرى متوفرة فيهم، ويهدف مشروعهم لتشغيل أكبر قدر من الأشخاص ذوي الاعاقة، وهم سيأخذون على عاتقهم مهمة البناء والتطوير عليه.