نابلس - النجاح الإخباري - يُمكن اختصار التعديل الذي شرعه الكنيست على قانون حجة المعقولية بأنه يعني إلغاء رقابة القضاء على القرارات والإجراءات والتعيينات الحكومية. ويُعتبر هذا التعديل، بالنسبة للمعارضة، أحد أهم وأخطر التعديلات في الخطة التي يُنفذها الائتلاف الحكومي بقيادة بنيامين نتنياهو، وجميع هذه التعديلات تتعلق بسلطة القضاء والقانون. لكن بعيدًا عن تأثير الخطة على الوضع الداخلي الإسرائيلي، فإنها أيضًا تحمل تأثيرًا قانونيًا وحتى اقتصاديًا علينا نحن الفلسطينيين أيضًا.

يُطلق التعديل القانوني يد جيش الاحتلال وجهاز "الشاباك" في انتهاك حقوق الفلسطينيين عمومًا، سواءً فلسطينيي القدس والخط الأخضر، وحتى في الضفة الغربية وقطاع غزة، فعلى سبيل المثال تحرم سلطات الاحتلال النشطاء في القدس وذوي الأسرى من حق الرعاية الطبية بناءً على تعليمات أمنية وليس تنفيذًا لأي قانون، وفي هذه الحالات يلجأ الضحايا للمحكمة العليا أو المحاكم ذات الاختصاص، باعتبار أن القرارات بحقهم انتقامية، وبالفعل حدث أن هذه المحاكم -حفاظًا على سمعتها- أقرت أن العقوبات غير قانونية وقضت بإلغائها، وإن كان بعد مداولات تستغرق وقتًا طويلاً.

وفي حالات أخرى، أمرت المحكمة العليا بإزالة بؤر استيطانية أقيمت على أراضي فلسطينية في الضفة الغربية ذات ملكية خاصة، بعدما تقدم أصحاب هذه الأراضي بأوراث وإثباتات تؤكد ملكيتهم لأراضيهم. وإن كان استصدار مثل هذه القرارات قد استغرق وقتًا طويلاً واحتاج لجهد قانوني كبير قادته منظمات متخصصة بالتعاون مع أصحاب الأراضي، غير أن هذه الفرصة لم تعد متاحة بعد الآن، خاصة في ظل حكومة المستوطنين الحالية التي أطلقت يد الاستيطان والاستيلاء على الأراضي في الضفة الغربية بأوامر رسمية أحيانًا وبدون أي أوامر أحيانًا أخرى.

تأثير آخر سيتحمله الفلسطينيون لا يقتصر على تعديل قانون المعقولية، بل يتعلق بجميع خطة التعديلات القضائية، وهو التدهور الاقتصادي الناتج عن هذه الخطة، وهو الذي ظهر في الأسابيع الماضية، وتعزز بعد مصادقة الكنيست على التعديل بالقراءة الثانية والثالثة، حيث تراجع سعر الشيكل مقابل الدولار بنسبة 2.1% إلى 2.7% في غضون 24 ساعة بعد المصادقة على التعديل، ويُنتظر تراجعه أكثر مع استمرار الأزمة الإسرائيلية، ليؤثر على الفلسطينيين الذين يستوردون البضائع والسلع والخدمات من الخارج بعملة الدولار، وتراجع قوة الشيكل يعني انخفاض قدرتهم الشرائية.

في المقابل، خطة التعديلات القضائية المستمرة، بدءًا من تعديل قانون المعقولية وصولاً إلى تشريعات أخرى تتعلق بالمحكمة العليا، تُتيح للفلسطينيين فرصةً لملاحقة قادة الاحتلال وضباطه بصفتهم مجرمي حرب، فالتعديلات المتوقعة تُكذّب مزاعم الاحتلال للعالم على مدار العقود الماضية حول قضائه المستقل، وبالتالي يُجرده من "القبة الحديدية القضائية"، وهي مفهوم إسرائيلي يعني محاكمة القادة والضباط الإسرائيليين المسؤولين عن الجرائم بحق الفلسطينيين، من أجل توجيه ضربةٍ قضائية استباقية، ليس فقط لتحاشي ملاحقتهم أمام محكمة الجنايات الدولية، وإنما أيضًا أمام محاكم دولٍ يتيح قانونها المحلي محاكمة أشخاصٍ ارتكبوا جرائم ضد أشخاصٍ آخرين، رغم أن تلك الجرائم لم تقع على أراضيها، وهذا الخطر واجهته "إسرائيل" في الشكوى التي وُجهت في بلجيكا ضد رئيس وزرائها الأسبق أرئيل شارون.

هذه المسألة أوضحها القاضي السابق في المحكمة العليا يورم دنتسير للقناة  12 العبرية  بعد تشريع  تعديل قانون سبب المعقولية، إذ قال: "المحكمة العليا هي الدرع الحامي لجنود وضباط الجيش الذي يحول دون محاكمتهم أمام القضاء الدولي. مع ذلك هذه المحكمة صادقت على العشرات وربما المئات من العمليات العسكرية".

ويعتقد دنتسير، أن تعديل قانون سبب المعقولية ليس مبررًا كافيًا ولا سببًا مقنعًا للتشكيك باستقلالية القضاء الإسرائيلي أمام المحاكم الدولية، لكن الخطر يكمن في أنه يشكل المرحلة الأولى لسلسلة التغييرات القضائية التي تنوي الحكومة الإسرائيلية تشريعها، وهي التي ستُجرد القضاء الإسرائيلية بوصفه سلطة مستقلة جزءًا من صلاحيته الجوهرية. ويدعم هذا الرأي خبراء القانون الدولي في "إسرائيل"، فهم يعتبرون أن التعديل لا يشكل خطرًا مباشرًا على "سمعة" القضاء في "إسرائيل"، بزعم أنه "قضاء مستقل قادر على التحقيق في شبهات ارتكاب الجيش الاسرائيلي جرائم حرب".

ويظهر الخوف من نتائج التعديلات القضائية في العرائض التي بدأ بنشرها الطيارون وكذلك الجنود والضباط الاحتياط المحتجون على التعديلات القضائية، إذ أكدوا أن المس بالقضاء يعني أن إزالة الحماية القضائية الإسرائيلية التي تمنع اصدار أوامر حبس واعتقال وتحقيق بحقهم من قبل محاكم دولية أو محاكم قُطرية لدول يتيح قانونها ملاحقة مجرمي الحرب.

ولا يُشكل تعديل قانون عدم المعقولية إلا مرحلة أولى من خطة التعديلات القضائية التي أعدها الائتلاف الحكومي، والمراحل المقبلة من هذه الخطة تتضمن سلسلة من التغييرات المهمة في النظام القانوني، مثل اشتراط حق هيئة المحكمة بإلغاء تشريعات الكنيست ليكون عند وجود إجماع من أعضاء الهيئة، وليس كما هو الآن.

كما تشمل التعديلات القضائية تشريع قانون يتيح إلغاء قرارات المحكمة العليا بأغلبية 61 عضوًا فقط في الكنيست، وتغيير تكوين لجنة اختيار القضاة بحيث يتم السيطرة عليها بالكامل من قبل الائتلاف الحكومي، وتقليص صلاحيات المستشارين القانونيين للحكومة، بحيث لا تُلزم استشارتهم الوزراء.

 

المصدر: الترا فلسطين - أنس أبو عرقوب