نابلس - وكالات - النجاح الإخباري - منذ أن اعترفت لجنة رؤساء الجامعات الإسرائيلية بانضمام جامعة مستوطنة "أريئيل"، وما تلاها من مصادقة اللجنة الوزارية الإسرائيلية للتشريع على قانون حظر العلم الفلسطيني في حرم جامعاتها، منتصف يوليو (تموز) الجاري، لا ينفك المئات من الأساتذة الجامعيين اليهود يبدون قلقهم البالغ من أن تنعكس تلك القرارات بشكل سلبي على مكانة الأكاديمية الإسرائيلية ومستقبل الأبحاث العلمية فيها، وتعريض علاقات جهاز التعليم العالي مع مؤسسات وهيئات في الخارج لخطر جسيم، وهذا ما حصل.
رابطة علماء الأنثروبولوجيا الأميركية، التي تضم أكثر من 12 ألف أكاديمي في مجال الأنثروبولوجيا الثقافية والبيولوجية واللغوية والطبية والتطبيقية، وافقت على قرار بفرض مقاطعة أكاديمية على إسرائيل وقطع العلاقات مع جامعاتها، بسبب دورها في التمييز ضد الفلسطينيين.
وبهذا القرار الذي اعتبر الأول من نوعه الذي يدعم مقاطعة مؤسسات أكاديمية لدولة بكاملها، تنضم أكبر جمعية لعلماء الأنثروبولوجيا في العالم إلى قائمة اتخذت الخطوة نفسها وتضم جمعية دراسات الشرق الأوسط (MESA) وجمعية الدراسات الأميركية(ASA) ومجلس أميركا اللاتينية للعلوم الاجتماعية CLACSO)) والجمعية الكندية للدراسات الاشتراكية (SSS) وغيرها من الجهات الأكاديمية حول العالم.
وتوجد في إسرائيل خمس جامعات، إضافة إلى معهد التخنيون للعلوم والتكنولوجيا في حيفا والجامعة المفتوحة وعشرات من المعاهد المتخصصة بمجالات عديدة وكثيرة من العلوم والمواضيع التربوية والاجتماعية والفنية والاقتصادية وغيرها.
يوم مظلم
وكجزء من القرار سيتم منع المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية من استخدام وتوزيع ونشر مواد المنظمة وأعضائها، بما فيها مجلاتها، ومنع المؤسسات من المشاركة في المؤتمرات والفعاليات نيابة عن المنظمة، واستخدام منصاتها ومرافقها المختلفة، في حين سيتمكن مختصو الأنثروبولوجيا الإسرائيليون من النشر في مجلات الرابطة والعمل محررين في تلك المجلات وحضور المؤتمرات بشكل فردي فقط، كما سيستمر السماح للباحثين الإسرائيليين في حضور الفعاليات.
وفيما وصفت رئيسة الرابطة رامونا بيريز القرار بـ"المثير للجدل" وبأنه "سوف يلفت الانتباه إلى معاناة الشعب الفلسطيني ويزيد من مساحة الحوار الأكاديمي، وديناميكيات السلام في المنطقة"، سارعت الرئيسة التنفيذية للمنظمة اليهودية الأميركية ميريام إيلمان بالدعوة إلى الاحتجاج على هذه الخطوة بشكل واسع، لأنها "ستؤثر في من يعمل في إسرائيل".
من جهتها، اعتبرت منظمة (AMCHA) التي ترصد "معاداة السامية" القرار بأنه "يوم مظلم للتعليم العالي في إسرائيل"، معتبرة أن انتشاره بين أنحاء الجامعات في العالم سيكون له تأثير لسنوات قادمة. في حين قال الباحث الإسرائيلي في مركز القدس للشؤون العامة وشؤون الدولة يوسي كوبرفاسر، إن "الفلسطينيين يسعون إلى خوض صراع لإخراج الصهيونية من العالم"، وإن "حركة المقاطعة تخوض كفاحاً لتخليد مقولة إن إسرائيل ليس لها حق في الوجود".
كوبرفاسر أضاف في مقال نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، "يجب أن يكون هدف إسرائيل واضحاً، من خلال رؤية الصورة الاستراتيجية، والقول لمن يدعم حركة المقاطعة إن هذا الطريق لن يجلب السلام إلى المنطقة".
ويرى الباحث بجامعة بن غوريون لدراسات واقتصاد الشرق الأوسط، يوفال أبلباوم، أن "المؤسسات التابعة لحركة المقاطعة تستغل كل مناسبة دولية للإعراب عن التضامن مع الفلسطينيين وإدانة إسرائيل في المحافل الأكاديمية الغربية عموماً، والأميركية خصوصاً، مما يجعل من المؤسسات الأكاديمية منصة واسعة لبث التحريض على كراهية إسرائيل العمياء، والتركيز على انتهاكاتها المنهجية لحق الفلسطينيين في التعليم، وتجريد اليهود من إنسانيتهم"، وفقاً لموقع "زمن إسرائيل".
انتصار تاريخي
في المقابل اعتبرت حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها"BDS" قرار رابطة علماء الأنثروبولوجيا الأميركية "انتصاراً تاريخياً للحركة حول العالم". وقالت في بيان إنه جاء على خلفية "تورط المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية في تطوير الأسلحة والأنظمة العسكرية التي تستخدم في قتل وجرح وترويع الفلسطينيين، وتسهم في كل أوجه نظام الاضطهاد المركب ضد الشعب الفلسطيني".
ودعت الحركة الجهات الأكاديمية حول العالم إلى دعم النضال الفلسطيني المستمر من أجل الحرية والعدالة والمساواة من خلال دعم المقاطعة الأكاديمية لإسرائيل.
وأشارت إلى أن معهد "L Greenberg" الوطني للطب الشرعي بجامعة تل أبيب لا يزال يحتجز جثث عديد من الفلسطينيين، وأن برنامج الدراسات الأمنية الوطنية بجامعة حيفا يصمم إطار العمل العنصري لما وصفته "التهديد الديموغرافي العربي"، والذي ساعد في تشكيل طريق جدار الفصل العنصري الذي اعتبرته محكمة العدل الدولية غير شرعي في 2004.
المنسق العام لحركة"BDS" محمود نواجعة قال "في ظل تنامي ونجاح حالة تأييد الشعوب لمقاطعة دولة الاحتلال في السنوات الأخيرة يكثف شركاء الحركة ونشطاؤها في كل أنحاء العالم العمل بشكل جاد للوصول إلى فرض العقوبات الجدية على إسرائيل بمستوى دول من خلال الأمم المتحدة، وذلك بإعادة إحياء وتفعيل لجنة مناهضة الأبرتهايد (الفصل العنصري) التي كانت فاعلة إبان الأبرتهايد في جنوب أفريقيا."
بدوره ذكر الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية مصطفى البرغوثي أن فرض المقاطعة على إسرائيل من قبل أكبر جمعية لعلماء الأنثروبولوجيا في العالم احتجاجاً على سياستها تجاه الفلسطينيين "انتصار للمقاومة الشعبية الفلسطينية وصفعة لحكومة المستوطنين في إسرائيل".
ولفت البرغوثي الانتباه إلى أن "السبيل للخلاص من الاحتلال يمر عبر المقاومة الشعبية وفرض المقاطعة والعقوبات على حكومة المستوطنين وليس بالمفاوضات التي تستغلها حكومة نتنياهو غطاءً للتوسع الاستيطاني."
وقف التمويل
نهاية العام الماضي رفض الرئيس الإسرائيلي يتسحاق هيرتسوغ مقارنة وضع إسرائيل مع الفلسطينيين بنظام الفصل العنصري الذي ساد في جنوب أفريقيا. ووصف حركة "BDS" بأنها "وحشية وتنشر الأكاذيب وتسعى إلى بناء سياسة طويلة الأمد من شأنها تقويض وجود إسرائيل وبأنها حملة للترويج للكراهية والتحريض".
في حين تمسكت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بمعارضتها حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات التي تدعو إلى قطع العلاقات مع إسرائيل ككل، وليس فقط المستوطنات، إلا أنها قررت نهاية يونيو (حزيران) الماضي وقف تمويل البحث العلمي مع المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية في الضفة الغربية من منظور أن "الانخراط في تعاون علمي وتكنولوجي ثنائي مع إسرائيل في المناطق الجغرافية التي خضعت لإدارة إسرائيل بعد عام 1967 والتي لا تزال خاضعة لمفاوضات الوضع النهائي يتعارض مع السياسة الخارجية للولايات المتحدة".
هذا التوجه الأميركي أثر بشكل سلبي كبير في جامعة مستوطنة "أريئيل" ثاني أكبر المستوطنات شمال الضفة الغربية، على رغم من دمجها في مجلس التعليم العالي الإسرائيلي، واعتراض مجلس رؤساء الجامعات على هذه الخطوة.
صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية أشارت بدورها إلى أن قرار رؤساء الجامعات "جاء بفعل الضغوط السياسية من الحكومة الإسرائيلية من جهة، وبسبب خوفهم من المس بميزانيات وتمويل جامعاتهم من قبل وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية".
ووفقاً للبروفيسور الإسرائيلي عميرام غولدبلوم فإن "حكومة إسرائيل مستعدة لتدمير العمل الأكاديمي مقابل الفوز بدعم المستوطنين، الذين هم الجيش الأساسي الذي تبقى لليمين في الشارع".
تصاعد ملحوظ
وانطلقت حملة المقاطعة الأكاديمية لإسرائيل في أبريل (نيسان) 2004 من قبل الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل، كجزء من أعمال حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات ضدها (BDS).
وتدعو الحملة بحسب موقعها الرسمي إلى "مقاطعة المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية بسبب تورطها في استمرار الاحتلال الإسرائيلي"، وتنشط في دول عربية وأجنبية عدة، ولها فعاليات تلقى أصداءً واسعة، وشكلت إحراجاً لإسرائيل في مناسبات عدة.
وخلال السنوات الخمس الماضية تمكنت حركة المقاطعة الأكاديمية التابعة إلىBDS من إقناع أكثر من 350 قسماً ومركزاً ونقابة وجمعية أكاديمية، إلى جانب أكثر من 23 ألف أكاديمي وطالب وموظف وجامعي بتوقيع بيانات لدعم الحقوق الفلسطينية، مع عديد من المطالبات بمقاطعة أكاديمية لإسرائيل.
وحصلت على تعهدات وموافقات واسعة من جامعات وائتلافات طلابية بدعم المقاطعة الأكاديمية للمؤسسات الإسرائيلية، وبخاصة تلك التي ترعاها حكومة تل أبيب، وصوتت دائرة التحليل الاجتماعي والثقافي في جامعة نيويورك وكلية "بيتزر" لصالح مقاطعة برامج الدراسة في الجامعات الإسرائيلية.
ليس هذا فحسب، بل أوصت لجنة استشارية في جامعة براون الأميركية العريقة بسحب استثمارات الجامعة من الشركات الضليعة في الانتهاكات الإسرائيلية، إضافة إلى ذلك صوت مجلس إدارة ومحررو مجلة "N.Y.U. Review of Law & Social Change" بجامعة نيويورك لدعم حركة المقاطعة BDS ومقاطعة المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية.
وتمكنت الحركة خلال أبريل الماضي من إلغاء معرض ضخم لجامعات إسرائيلية في جامعة "يونيكامب" البرازيلية، إثر مطالبات مؤسسات المجتمع المدني البرازيلي المؤيدة لحقوق الفلسطينيين.
الناشط الفلسطيني جمال جمعة يقول "إرسال تل أبيب طلاباً إسرائيليين إلى جامعات العالم والعمل بكل الجهود والطرق لكبح نشطاء المقاطعة، لم ولن يجدي نفعاً، والدليل على ذلك ازدياد دعم الفلسطينيين في العالم، وبخاصة في المؤسسات الأكاديمية."
ومع اتساع رقعة المقاطعة الدولية للمؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية، يحذر أساتذة جامعيون من أن تبعاتها الاقتصادية والسياسية لن تقتصر فقط على تجفيف وإلغاء مصادر أساسية خارجية معتمدة لتمويل الأبحاث العلمية الإسرائيلية في مختلف المجالات العلمية، وامتناع مجلات علمية عالمية رائدة عن نشر مقالات وأبحاث لجامعات إسرائيلية، بل ستمتد إلى إحجام آلاف الطلاب الإسرائيليين الذين يستكملون دراساتهم الأكاديمية في الخارج عن العودة إليها، على ضوء ما سيلحق بمجال البحث العلمي في إسرائيل من ضرر جسيم جراء المقاطعة، قد يصل الأمر وفق توقعاتهم، لانسداد الآفاق والفرص أمام خريجي الجامعات الذين يرغبون في استكمال دراساتهم العليا في الخارج.
المصدر: اندبندنت عربية