النجاح الإخباري - قبل ستة عشر عاما، شقت الدبابات الإسرائيلية طريقها نحو مدن الضفة الغربية، إيذانا ببدء تنفيذ عملية أطلق عليها الاحتلال اسم "السور الواقي" التي أعلن عنها "اريئيل شارون" الذي كان يشغل آنذاك منصب رئيس وزراء الاحتلال، وفي التاسع والعشرين من آذار/مارس من العام 2002، تحركت دبابات الإحتلال الإسرائيلية قاصدة مقر الرئاسة في مدينة رام الله، حيث شرعت بمحاصرته وإغلاقه من مداخله كافة، حيث كان يقيم الرئيس ياسر عرفات برفقة نحو 480 من العسكريين والمدنيين والمتضامنين الأجانب.
وسبق هذا الحصار جملة من التهديدات أطلقها قادة الاحتلال وعلى رأسهم شارون، الذي توعد ضمنيا باغتيال الرئيس ياسر عرفات، وقال في إحدى خطاباته: "عرفات سينال ما يستحق"، كما وصفه بأنه "عدو لإسرائيل" و"عقبة أمام السلام وخطر على استقرار الـمنطقة كلها."
ووفقًا لتقرير نشرته وكالة الأنباء الرسمية، شرعت سلطات الإحتلال خلال حصارها مقر الرئاسة، إلى احتلال كافة المباني المحيطة به، كما قامت جرافاتها بهدم الأسوار الخارجية، في حين استخدم جيش الاحتلال العشرات من الرجال والشبان دروعا بشرية، لتسهيل اقتحام المقر، فيما بدأ جنود الاحتلال المتمركزين داخل دباباتهم وآلياتهم العسكرية الثقيلة بإطلاق النار والرصاص والقذائف في جميع الاتجاهات.
وتشير التقديرات إلى أن نحو 20 ألف عنصرًا من قوات الإحتلال ترافقهم 500 دبابة، إضافة إلى 50 طائرة مقاتلة و80 جرافة عسكرية، شاركوا في حصار الرئيس عرفات.
وجرى خلال ذلك قطع الماء والتيار الكهربائي عن المقر المحاصر، بهدف دفع المحاصَرين للاستسلام، لكن الرئيس عرفات رد حينها بجملته الشهيرة "يريدوني إما أسيراً وإما طريداً وإما قتيلا.. لأ أنا بقولهم شهيداً.. شهيداً.. شهيداً"، ما جعل إسرائيل تهدده عبر مكبرات الصوت بقصف مقره في حال لم يقم بتسليم من أسمتهم بالمطلوبين لديها.
وشاركت الطائرات المروحية في حصار الرئيس عرفات، حيث أمطرت مقره بالرصاص والقذائف ما أدى إلى إصابة ثلاثة من حراسه، لكنه كان يعيش في ذلك الوقت ظروفا صعبة بسبب قطع الماء والكهرباء والنقص الحاد في الطعام، كذلك شهدت أجهزة الاتصال داخل مقر الرئاسة حدوث تشويش متعمد من قبل الاحتلال، ولم يسمح للطواقم الطبية والإغاثية بالدخول إلا بعد مرور ما يربو على عشرة أيام من الحصار.
لم يكن عرفات خلال حصاره يميز نفسه عن بقية المحاصرين، كان يفترش الأرض مثلهم، ورغم حاجته للدواء إلا أن مساعديه لم يتمكنوا من إحضاره له إلا بعد ثلاثة أسابيع من بداية الحصار، كما خضع عرفات لفحص طبي على يد طبيبه الخاص الدكتور أشرف الكردي، الذي جاء برفقة وزير الخارجية الأردني في حينه مروان الـمعشر، وأثبت بعد الفحوصات أن عرفات بصحة جيدة ومعنوياته عالية، لكنه كان خسر الكثير من وزنه.
وسبق حصار مقر الرئاسة بأن أعلنت حكومة الإحتلال في الثامن من كانون الأول عام2001، أن قرار مغادرة الرئيس عرفات من مدينة رام الله خاضع لإمرتها، ثم بدأ ذلك يأخذ شكلاً آخر تمثل في الحصار الفعلي على الأرض.
تبع ذلك بأن منعت سلطات الإحتلال الرئيس عرفات من المشاركة في القمة العربية التي انعقدت في العاصمة اللبنانية بيروت في 26 آذار عام 2002، وهدده شارون بعدم السماح له بالعودة إلى فلسطين حال خروجه منها.
بيد أن الحصار لم يمنع الوفود الدولية من زيارته في مقره المحاصر، وكان أبرز من سمحت لهم حكومة الإحتلال بزيارة عرفات، المبعوث الأوروبي لعملية السلام ميغيل انخيل موراتينوس، والمفوض الأعلى للسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي خافيير سولانا، ووزير الخارجية الأميركي كولن باول.
وعلى الأرض تواصلت ردود الأفعال العربية والدولية المنددة بحصار الرئيس عرفات وخرجت المسيرات والمظاهرات في العديد من المدن والعواصم العربية والعالمية، كما عبر مجلس الأمن الدولي التابع للأمم الـمتحدة عن قلقه الشديد على سلامة عرفات، فيما اتهمت دول عربية إسرائيل بالتسبب بوفاته كونها لم تسمح له بمغادرة مقره إلا بعد تدهور صحته.
وفي الأول من أيار 2002، ومع ساعات الفجر الأولى انسحبت دبابات الإحتلال الإسرائيلية من مقر الرئاسة بعد تفجير آخر مبنى فيها، ورفع الحصار عن الرئيس عرفات وخرج من مقره المدمر محمولا على أكتاف مرافقيه، حيث طافوا به وهو يرفع إشارة النصر، ويحيي مئات الفلسطينيين والأجانب الذين تجمعوا لاستقباله.
غير أن رفع الحصار عن عرفات لم يكن كاملا، فقد حظر شارون على الرئيس عرفات مغادرة فلسطين إلا في حال قرر عدم العودة إليها من جديد.