النجاح الإخباري - يمسك الفلسطيني صقر كحيل (40 عاما) بتقارير طبية لأبنائه الأربعة الذين يعانون أمراضا طارئة ناتجة عن تلوث المكان الذي نزحوا إليه في مدينة دير البلح بوسط قطاع غزة، في حين يعجز عن توفير الأدوية المطلوبة لتدهور أحواله الاقتصادية نتيجة تعطله عن العمل طول أشهر الحرب الستة.
يعيش كحيل، النازح من مدينة غزة، في خيمة مجاورة لطفح الصرف الصحي في الشارعين المطلين على مكان نزوحه بشكل يجعله محاطا بتدفق مستمر للمجاري فضلا عن أكوام القمامة المتراكمة بالمكان.
تتعثر جهود الرجل في البحث عن مكان آخر ينزح إليه بعائلته بعيدا عن التلوث مثلما يفشل في تطبيب أبنائه والتخفيف من أوجاعهم المستمرة، خاصة أن معظم الأدوية غير متوفرة بالمستشفى الحكومي ويحتاج لشرائها من الصيدليات بأثمان مرتفعة.
يجلس كحيل أمام خيمته وإلى جواره سيل متدفق من الصرف الصحي بالشارع الملاصق للمكان، في حين يحرص على عدم إخراج أبنائه من الخيمة إلا عند الضرورة للتخفيف من أثر التلوث على صحتهم بعد أن أعياهم المرض وأفقد أصغرهم أحمد (6 سنوات) قدرته على اللعب والحركة كما كان قبل إصابته بنزلة معوية شديدة.
يزداد قلق الرجل على صغيره وهو يتأوه من الوجع ويخشى تدهور حالته إن هو ظل في مكانه المزدحم بمسببات التلوث، خصوصا وأن الأطباء أوصوه بالانتقال لمنطقة نظيفة إلى حد ما حتى ينام الطفل ويلعب ويتناول طعامه بعيدا عن القاذورات والمجاري.
يتحدث كحيل عن مقتل طفلته (8 سنوات) بقصف إسرائيلي لمنزل مجاور خلال رحلة نزوحه الأولى بمخيم البريج، وهو يخشى الآن أن يفقد ابنه مع استمرار إصابته بالأمراض المرتبطة بالملوثات المحيطة بكل تفاصيل حياتهم.
يقول إنه لا يستطيع حبس أطفاله طول النهار داخل خيمته، فهُم بحاجة للعب والخروج مع أقرانهم حتى وإن كانوا يلهون بين القمامة وعلى مياه الصرف الصحي، وهو لا يجد بديلا.
* صرف لا ينقطع
يضطر كحيل إلى وضع أكوام من الطين فوق مياه الصرف الصحي لقطع الشارع حال رغبته في الانتقال لمكان آخر لتوفير بعض احتياجاته، في حين تغرق أقدام أطفاله وأطفال غيرهم بمياه المجاري وهم يلعبون أو يحاولون اختصار قطع الطريق دون استخدام أكوام الطين الموضوعة بعيدا.
ويقول الرجل الذي تنقل بين عدة مناطق نزوح "بحثت عن مكان أقل تلوثا ولم أجد سوى هذا المكان الغارق بالصرف الصحي دون انقطاع مثلما لا ينقطع المرض عن عائلتي، ونحن نختنق ليل نهار بالهواء الملوث ونعيش على تربة ملوثة ونأكل أشياء ملوثة".
وأدى تدمير شبكات الصرف الصحي ومحطات المعالجة إلى كارثة بيئية وصحية جسيمة، بحسب بيان مشترك لسلطة جودة البيئة والجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني أشار إلى تراكم كميات ضخمة من النفايات الصلبة والطبية في الأزقة والشوارع والساحات العامة ومحيط مراكز الإيواء مع عدم قدرة البلديات على إزالتها والتخلص منها بسبب القصف وتدمير معداتها وشاحناتها.
ويتحدث النازح محمد أحمد (35 عاما) عن حشرات تتطاير بكل مكان وديدان تنتشر بالأرض وإحساس دائم بالاختناق وافتقاد للقدرة على العيش في بيئة نظيفة سواء في خيمته التي يدخل ويخرج منها أبناؤه الثلاثة وهم يتنقلون بين القمامة والصرف الصحي أو البيئة الملوثة التي تحيط بهم من كل جانب.
ويصف أحمد منطقة نزوحه بأنها "مكان لا يصلح لحياة البشر، فهو موطئ لكل الملوثات القاتلة والسامة التي تظهر تداعيات بعضها حاليا، والكارثة ستكون لاحقا إذا طالت مرحلة النزوح".
يقول إن الأمراض الجلدية والمعوية منتشرة بشكل شبه دائم خصوصا بين الأطفال. ويضيف بينما كان يعد الطعام مع زوجته وابنته الكبرى على نار الحطب أن عائلته فضَّلت تحمل تبعات الأمراض الناتجة عن مجاورة مكان نزوحهم للصرف الصحي على البقاء في أماكن الخطر التي يوجد فيها الجيش الإسرائيلي.
ويتابع حديثه "كل الأمراض تقريبا مرت على أطفالي وأطفال الخيام المجاورة من أمراض جلدية وحبوب وجدري وتهيج الجلد وتغير ملامحه، فضلا عن الإسهال والمغص والقيء وارتفاع الحرارة والضعف والهزال وغيرها".
ويضيف "بحسب الأطباء، كلها ناتجة عن التلوث المباشر في الطعام والشراب والملابس، أو التلوث المحيط بنا في الخيمة والشارع والبيئة إجمالا".
* تلوث الطعام والشراب
ويتوقع أحمد النازح من شمال غزة تفاقم انتشار الأمراض المعدية والأوبئة بصورة أوسع وأخطر إذا استمرت أوضاع النزوح على حالها دون تدخل الجهات المختصة لتقليل مستويات التلوث، ويستبعد انتقال أي من النازحين من أماكنهم حتى لو دخل الصرف الصحي على خيامهم نظرا لغياب البدائل.
على مقربة تصرخ دوامة أبو الحصين (85 عاما) من شدة ما تعانيه من ضيق في التنفس جراء الهواء الملوث الذي تستنشقه غالبية الوقت، فهي تقضي جل نهارها قبالة الصرف الصحي.
تقارن المسنة بين أوضاعها الصحية المستقرة في منزلها وبيئتها النظيفة قبل النزوح وبين حالتها المزرية الحالية التي تعيشها مع القمامة المتناثرة بين الخيام والمكدسة أمامها فضلا عن برك الصرف الصحي المنتشرة.
وتقول الحاجة النازحة من خان يونس مع أبنائها وأحفادها "لم أعش بحياتي مثل هذا التلوث المخيف في كل شيء وكأننا في مستنقع من القاذورات ينتقل معنا في كل رحلة نزوح حتى أصبحنا والمرض في تلازم مستمر".
وتحتفل فلسطين باليوم الوطني للبيئة في الخامس من مارس أذار من كل عام، وهو اليوم الذي أقره مجلس الوزراء الفلسطيني عام 2015 ليكون يوما وطنيا للبيئة الفلسطينية، لكنه أتى هذا العام في قطاع غزة مختلفا.. فقد صحب يوم البيئة دمار للإنسان والبيئة.