النجاح الإخباري - بعد 146 يوما من بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، ووسط القصف والاستهداف وتعذر دخول المساعدات للقطاع وبخاصة للشمال، يلوح شبح المجاعة في الأفق، وتتعالى أصوات التحذيرات من خطورة الوضع المأساوي الذي يهدد حياة أكثر من 700 ألف فلسطيني في شمال غزة.
تتصاعد النداءات الدولية من أجل السماح بدخول المزيد من المساعدات، خاصة لمدينة غزة والشمال التي سجلت خلال الأيام الماضية بحسب مسؤولين في وزارة الصحة والمكتب الإعلامي الحكومي في غزة حالات وفاة بين الأطفال بسبب سوء التغذية.
كثيرون في الشمال يتحدثون عن أحوالهم، وكيف يقتاتون وأبناؤهم على أوراق الشجر وأعلاف الحيوانات، يتحينون فرصة قدوم أي مساعدات؛ فما لبثوا أن توافدوا من بقاع الشمال على دوار النابلسي بجنوب غرب مدينة رفح عندما علموا بقدوم شاحنات "إنسانية".
انتظروا لساعات؛ أقبلت الشاحنات فجرا، ومع قدومها ذهبت أرواح أبرياء جلَّ ما كانوا يتمنونه الحصول على قدر يسير من طحين.
الجانب الفلسطيني يقول إن مئات القتلى والجرحى سقطوا في قصف إسرائيلي متعمد استهدف حشود المدنيين. وقالت وزارة الصحة في غزة في آخر تحديث لها إن عدد القتلى "ارتفع إلى 112 شهيدا" إضافة إلى إصابة 760 آخرين.
وأضافت الوزارة "وفق شهادات المواطنين، لا يزال عدد من الضحايا لم يتم انتشالهم من محيط دوار النابلسي".
أما الجانب الإسرائيلي فيقول إن ما حدث كان نتيجة "تزاحم وتدافع"، وإن تحقيقا مبدئيا للجيش خلص إلى أن قواته "تسببت في نحو عشرة من الإصابات والوفيات" فقط بعدما بدأت مجموعة صغيرة من الفلسطينيين بالتحرك نحوها، فما كان من الجنود إلا أن أطلقوا أعيرة تحذيرية في الهواء وعلى أرجل من اقتربوا منهم.
* روايات شهود
تحدث فلسطينيون كانوا في المكان عن عملية استهداف مباشر خلال انتظارهم الحصول على الطحين والمساعدات الغذائية، وقصُّوا على وكالة أنباء العالم العربي (AWP) ما رأوه بأعينهم.
قال الفلسطيني محمد أبو عودة "كنا ننتظر الطحين، وعند ظهور الدبابات تراجعنا. تم ضرب قذيفة وصاروخ ما أسفر عن استشهاد العشرات".
وأضاف "كنا فقط نريد الطحين لنطعم أطفالنا وعائلاتنا. نعاني منذ أشهر ولم نعتد نحتمل".
وتحدث أبو علاء عوض عن مدى المعاناة في الحصول على الطعام والطحين الذي أصبح نادرا في شمال غزة، وإن وُجد تكون أسعاره مرتفعة جدا.
قال "كنت متوجها للحصول على المساعدات، لم نأكل الطحين الأبيض منذ أشهر، لكن تم استهدافنا بشكل مباشر والعشرات فقدوا حياتهم، وكل ذنبهم أنهم أرادوا الحصول على طعام".
لم تختلف رواية محمود أبو الكاس، إذ قال إنه توجه للحصول على كيس من الطحين ليطعم أطفاله. وأضاف "قالوا لنا يوجد مساعدات قرب دوار النابلسي، وذهبنا لإحضار الطحين لأطفالنا لكن تم استهدافنا".
وتابع حديثه "أُصبت ولم أحصل على شيء. بدأ الجيش الإسرائيلي بإطلاق النار والقذائف على الجميع بشكل عشوائي".
الشاب إسماعيل جرادة، الذي كان ضمن المئات الذين توجهوا إلى دوار النابلسي أملا في الحصول على المساعدات، تحدث عن تفاصيل ما حدث وقال "نحن في الشمال نعاني من الجوع. لا يوجد شيء في السوق. كل السلع نفدت، حتى الطحين لم نره منذ أشهر وإن وُجد فالأسعار خيالية".
ومضى قائلا "عندما علمنا بوصول مساعدات لمنطقة دوار النابلسي توجهنا للمكان لنحصل على ما يمكن الحصول عليه لنطعم أطفالنا وعائلاتنا، لكن تم استهدافنا بشكل مباشر. الكثيرون فقدوا حياتهم لمجرد أنهم أرادوا الحصول على بعض الطحين ليبقوا على قيد الحياة".
المواطنة أم أحمد قالت "أعيش مع أبنائي. فقدت زوجي في الحرب ولم يعد لنا معيل وأطفالي صغار. عندما علمت بوصول مساعدات توجهت للمكان لأحصل على بعض الطحين لإطعامهم، فهم لا ينامون من شدة الجوع، ولم نرَ الطحين منذ أشهر ونتناول العلف وحبوب الحيوانات.
"لكن عند وصولنا للمكان وتجمع المئات من المواطنين تم استهدافنا بشكل مباشر من قبل الجيش الإسرائيلي".
* طواقم طبية غير قادرة على العمل
المتحدث باسم وزارة الصحة أشرف القدرة أكد أن الطواقم الطبية غير قادرة على التعامل مع حجم ونوعية الإصابات التي تصل إلى المستشفيات في شمال القطاع نتيجة ضعف الإمكانيات الطبية والكادر البشري.
وأضاف في حديثه إلى وكالة أنباء العالم العربي "يجب توفير ممر إنساني آمن يسمح بوصول المساعدات الطبية والإنسانية والوقود إلى شمال قطاع غزة الذي يفرض عليه الجيش الإسرائيلي حصارا مطبقا منذ السابع من أكتوبر".
واعتبر القدرة أن ما يحدث "تطبيق واضح لسياسة التجويع"، مؤكدا تسجيل العديد من حالات الوفاة بين الأطفال خلال الأيام الماضية بسبب سوء التغذية. وأضاف "العدد مرشح للازدياد في حال لم يتم إدخال المساعدات كما يجب".
وأردف قائلا "يتم استهداف المواطنين بشكل متواصل في كل مرة يتوجهون فيها للحصول على المساعدات، ما يؤكد استمرار إسرائيل في ممارسة حرب الإبادة الجماعية بحق المدنيين؛ فمن لا يُقتل بسبب القصف يفقد حياته بسبب الجوع".
وطالب القدرة المجتمع الدولي العمل على "وقف حرب الإبادة التي تمارس بحق المواطنين في قطاع غزة بشكل عام، وفي شمال غزة بشكل خاص، حيث يتم تجويعهم واستهدافهم عند التوجه للحصول على المساعدات التي تصل بكميات قليلة".
* "بدم بارد"
مدير المكتب الإعلامي الحكومي في غزة إسماعيل الثوابتة أكد أن الجيش الإسرائيلي كانت لديه "نية مبيتة لارتكاب مجزرة مروعة" في دوار النابلسي.
وقال في حديث لوكالة أنباء العالم العربي إن ما قام به الجيش الإسرائيلي "عملية إعدام حقيقية في الشارع بشكل مقصود ومع سبق الإصرار والترصد في إطار الإبادة الجماعية والتطهير العرقي التي يقوم بها بحق أبناء شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة".
وأكد "الاحتلال كان يعلم تماما أن هؤلاء الضحايا كانوا قد وصلوا إلى هذه المنطقة للحصول على الغذاء وعلى المساعدات، إلا أنه قتلهم بدم بارد".
وأضاف "الاحتلال الإسرائيلي سمح اليوم بإدخال هذه المساعدات، فعلا دخلت المساعدات وعندما وصلت إلى الناس وعندما بدأ الناس يأخذون منها أكياس الدقيق قام الاحتلال الإسرائيلي بفتح النار عليهم بشكل مباشر وقتل هذا العدد الكبير من الشهداء وهذا العدد من الإصابات".
وحمَّل الثوابتة الإدارة الأميركية مسؤولية المشاركة فيما حدث قائلا "هذه المجزرة المروعة ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي لأن معه الضوء الأخضر من الولايات المتحدة الأميركية".
ومضى قائلا "نحن نحمّل الإدارة الأميركية والمجتمع الدولي والاحتلال الإسرائيلي وأيضا المنظمات الدولية التي تنصلت للأسف من مسؤولياتها في تلك المحافظات وهربت من هذه المحافظات وتركتها لقمة سائغة للاحتلال الإسرائيلي لكي يمارس التجويع... نحملهم جميعا المسؤولية الكاملة عن هذه العملية.. عملية القتل الجماعي وهذه المجزرة المروعة بحق أبناء شعبنا وحرب الإبادة، وأيضا نحملهم مسؤولية حرب التجويع التي ينفذها جيش الاحتلال الإسرائيلي حتى يومنا هذا".
واستطرد "نحن نتحدث اليوم عن ارتفاع أعداد الذين توفوا نتيجة المجاعة بشكل رسمي إلى سبع وفيات، وهناك العديد من الوفيات هي على الطريق لأن هناك العديد من الحالات في المستشفيات وللأسف الشديد أصابهم سوء تغذية نتيجة المجاعة المتفاقمة في قطاع غزة، وبالتالي هذا العدد سيرتفع بشكل كبير خلال الأيام القادمة".
وتابع "نناشد كل دول العالم، نناشد الدول العربية والإسلامية، نناشد جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي ونناشد كل العالم التدخل الفوري والعاجل من أجل الضغط على الاحتلال من أجل وقف هذه الحرب.. حرب الإبادة الجماعية، ووقف حرب التجويع ضد شعبنا الفلسطيني".
وأكد أن ما حدث اليوم ليس الأول من نوعه وأنه سبق وأن حدثت وقائع مشابهة في مدينة غزة، وقال "استهدف الجيش الإسرائيلي المواطنين سابقا على شارع صلاح الدين قرب دوار الكويت، عندما تجمع المئات للحصول على المساعدات، وحينها استشهد 37 مواطنا دفعة واحدة، ما يؤكد أن ما يقوم به الجيش الإسرائيلي من استهداف المواطنين متعمد ومقصود".
وقال "عملية المجاعة هي عملية محكمة وعملية مقصودة وعملية مرتبة من قبل الاحتلال الإسرائيلي، ولديه النية المبيتة لارتكاب هذه المجاعة. نحن نتحدث عن أكثر من ربع مليون طفل موجودين في محافظة غزة ومحافظة شمال غزة. هؤلاء الأطفال لديهم سوء تغذية ولديهم العديد من المضاعفات نتيجة المجاعة المتواصلة".
وناشد دول العالم بإدخال حليب الأطفال وإدخال الأغذية المخصصة للأطفال بشكل خاص "وكذلك نطالبهم بكسر المجاعة وكسر الحصار عن قطاع غزة ووقف هذه الحرب".
يذكر أن دوار النابلسي مسجل في بلدية غزة باسم دوار شملخ، لكنه اشتهر شعبيا بهذا الاسم نسبة إلى محل حلويات النابلسي الذي افتتحه أسيران محرران من نابلس والخليل عام 2013.