نابلس - النجاح الإخباري - قال وزير الخارجية والمغتربين رياض المالكي، يصعب علينا وصف ما يشهده قطاع غزة من مجازر جماعية أشبه ما تكون بالإبادة بجميع أنواع الأسلحة حتى المحرمة دولياً، إننا إزاء كارثة إنسانية تتشكل أمام ناظرينا تتمثل بالقتل المستهدف والتدمير الممنهج والترحيل القسري، عدا عن قطع المياه والكهرباء والوقود والغذاء والدواء، وعن تدمير المنازل وتشريد قاطنيها، وكذلك تدمير البنية التحتية وكل ما يرمز الى حياة يومية في غزة.
وأضاف المالكي، في كلمته أمام مجلس الجامعة العربية في دورته غير العادية، التي انعقدت بالقاهرة، اليوم الأربعاء، لبحث مواجهة ووقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة والتي عقدت برئاسة المغرب بطلب من دولة فلسطين، إسمحوا لي أن أستهل كلمتي بالتوجه بتحية إكبار وإجلال لأبناء وبنات الشعب الفلسطيني العظيم الذين يواجهون اليوم حرب إبادة مسعورة من قبل الاحتلال العنصري الاستعماري الإسرائيلي الغاشم وأن أترحم على أرواح شهدائنا الأبرار وأتمنى لآلاف الجرحى الشفاء العاجل، وإسمحوا لي أيضاً أن أعبر بالنيابة عنكم عن فخرنا واعتزازنا بالشعب الفلسطيني الأبي في قطاع غزة الحبيب وسائر فلسطين، الذي يواجه بعزة وكرامة بطشاً ساحقاً ويبقى صامداً بشكل إسطوري.
كما نود أن نُذكر العالم بأن الرئيس محمود عباس ولسنوات طويلة وقف على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، وحذر مراراً وتكراراً من النتائج المترتبة على استمرار الإحتلال الإسرائيلي لأرض دولة فلسطين بما يرافقه من إرتكاب إنتهاكات وجرائم يومية ضد المواطنين المدنيين العُزل وأرضهم ومقدساتهم ومنازلهم وممتلكاتهم ومنشآتهم ومؤسساتهم، على يد قوات الاحتلال وميليشيات المستوطنين المنظمة والمسلحة، وفي وضح النهار وسط تحريض ودعم واسناد أركان أساسية في الحكومة الإسرائيلية أمثال بن غفير وسموتريتش، حيث بلغ عدد الشهداء من شعبنا منذ بداية العام حتى بدء العدوان الأخير مئات شهيداً، هذا بالإضافة للآلاف من المعتقلين والمنازل التي هدمتها سلطات الإحتلال والتي أدت إلى تشريد الآلاف أيضاً من أبناء شعبنا في القدس والتجمعات البدوية خاصةً، الأمر الذي وثقته وتحدثت عنه مئات التقارير التي أصدرتها مؤسسات ومنظمات محلية وإسرائيلية ودولية، في أبشع عمليات ضم تدريجي زاحف للضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وتقويض أية فرصة لتجسيد الدولة الفلسطينية على الأرض، واستبدالها بنظام فصل عنصري اسرائيلي بغيض (ابرتهايد) وفقاً لمبدأ حل الدولتين.
وأشار إلى إنه كدلالة لهذا التوجه فقد إشترت وزارة الأمن القومي الإسرائيلي التي يرأسها بن غفير خمسة آلاف قطعة سلاح وطلبت شراء عشرة آلاف قطعة أخرى لتوزيعها على مستوطني الضفة الغربية لاستخدامها في اعتداءاتهم المستمرة على المواطنين المدنيين العزل في كل مناطق الضفة الغربية المحتلة.
وتابع، إننا حذرنا أيضاً من تداعيات إغلاق الأفق السياسي لحل الصراع ورفض الحكومة الإسرائيلية وإفشالها لأية جهود عربية ودولية مبذولة لإحياء عملية السلام والمفاوضات وإفشالها المستمر لجميع التفاهمات الموقعة لتحقيق التهدئة، ليس هذا فحسب، بل والتعامل مع شعبنا وفقاً لخيارات سموتريتش الثلاث التي عرضها في خطته الإستعمارية العنصرية التي يتفاخر بها، عارضاً على المواطنين الفلسطينيين الإستسلام والتعايش مع الإحتلال أو القتل، أو التهجير، نعم حذرنا مطولاً من إزدواجية المعايير الدولية والصمت الدولي على جميع إجراءات إسرائيل أحادية الجانب غير القانونية وفي مقدمتها الإستيطان وإستباحة المقدسات المسيحية والإسلامية وفي مقدمتها المسجد الأقصى المبارك وما يتعرض له من إقتحامات تهويدية من أجل تكريس تقسيمه الزماني ريثما يتم تقسيمه مكانياً، كما هو حاصل أيضاً في الحرم الإبراهيمي الشريف.
وقال المالكي، من حقنا أن نسأل: ما هي النتيجة لكل ما سبق ذكره، من حصار ظالم غير إنساني لقطاع غزة ومحاولات تكريس فصله عن الضفة الغربية، إلى إنتهاكات وجرائم الإحتلال والمستوطنين، إلى الفشل الدولي في تطبيق القانون الدولي على الحالة في فلسطين المحتلة؟.
وأوضح أنهم يريدون أن يعود قطاع غزة كما كان قبل مئات آلاف السنين بدون قاطنيه، منطقة عازلة مفرغة أمنية، وهناك من يُصفق أو يغمض أعينه يتجاهل حقيقة ما يحدث، أو يبرر تلك الجرائم، فعالمنا ظالم قاسي لئيم حاقد، تقوده العنصرية والكراهية يقضي على الحب والتعاون والتعايش، إنهم اؤلئك من يريد أن يعلمنا الدروس وهم من يستحقها، اؤلئك الذين يتباهون بالديمقراطية والقانون وهم من يخرقوها، وحتى هذه الساعة بلغ عدد الشهداء أكثر من ألف شهيد نصفهم من الأطفال والنساء وتدمير أكثر من ألف مبنى وتشريد أكثر من ثلاثمئة ألف إنسان بالإضافة إلى تدمير البنية التحتية والمدارس والجوامع والمقرات الحكومية والبنوك والمصانع، إنهم يتجهون إلى التدمير الشامل، فالشعب الفلسطيني يريد دعمكم، ودعم الشعوب الحرة في العالم ويكفيه ما بدأ يراه من حراك شعبي في كثير من عواصم العالم التي تنتفض على الظلم وعلى سياسات حكوماتها.
وأكد أن المهم الآن هو وقف تلك الإبادة ووقف هذه الكارثة، وقف العدوان والقتل والدمار فقد تم إستشهاد عدد من العائلات بأكملها شطبت من السجل المدني، وتدمير مدارس ومنازل وعمارات وأبراج ومؤسسات ومساجد ومستشفيات ومناطق بأكملها سويت بالأرض، وعملية تهجير تحت القصف للمواطنين المدنيين العزل، والذي إستهدف كل شيء في قطاع غزة، الأطفال، النساء، كبار السن، المرضى، في جرائم ترتقي لمستوى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، تتم على شاشات الفضائيات أمام العالم بغطاء من أطراف دولية أعطت نتنياهو الضوء الأخضر لإستباحة القطاع بمواطنيه ومعالمه، لدرجة بات المسؤولين الإسرائيليين يتفاخرون بما يرتكبونه من جرائم يتندى لها جبين البشرية بحجة (الدفاع عن النفس)، تحت هذه الحجة، بعض الأطراف الدولية فوضت نتنياهو وحكومته لإرتكاب إبادة جماعية بحق أهلنا في قطاع غزة بما في ذلك قطع الكهرباء والمياه والمواد الطبية والغذائية والوقود، إستهداف الطواقم الطبية، الصحفيين والاعلاميين، لم يبق شيء في القطاع إلا وتم إستهدافه، هل هذا دفاع عن النفس، أم مخطط له مسبقاً؟! هل توجيه الغزيين من قبل أطراف إسرائيلية بالخروج من غزة دفاعاً عن النفس؟.
كما أشار إلى أن هناك توجه خطير تديره بعض الدول الأوروبية بوقف وتجميد المساعدات التنموية عن فلسطين، وكأن السلطة الفلسطينية والرئيس عباس وحكومته المسؤولين عن الأحداث الأخيرة، مؤكدا أن هذا عقاب مباشر للشعب الفلسطيني المستفيد الأول والأخير لهذه المشاريع التنموية، وهذا يتم أصلاً بعلم وكالات تنمية تلك الدول وبعلم حكوماتها وبموافقتهم، ليخرجوا علينا بهذا القرار الغريب والمستغرب وهذا اسمه إفلاس سياسي وعنصرية مفرطة وفقدان للبوصلة السياسية وتخبط تحت ضغط إسرائيلي وصهيوني أوروبي، فإذا كانوا يعتقدون أن هذا سيخُضع شعبنا للموافقة عما رفضه بدماء أبنائه طوال سنين طويلة، فهم واهمون.
وأضاف المالكي، إن تلك الدول تتعمد عزل الأحداث عن سياقها العام وحقيقة أن تصاعد الأحداث على الأرض لا تحدث في فراغ، بل هي مرتبطة بشكل مباشر بوجود إحتلال إستعماري غير قانوني متواصل يمارس كافة أشكال الاضطهاد ضد الشعب الواقع تحت احتلاله ويرتكب مخالفات للقواعد الآمرة في القانون الدولي بضم الأرض المحتلة وفرض نظام الفصل العنصري (الابرتهايد).
وقال، إن تعمد تجاهل نكبة الشعب الفلسطيني المتواصلة منذ 75 عاما، وحقائق إستخدام إسرائيل غير القانوني وغير المنقطع للقوة الغاشمة ضد الشعب الفلسطيني وأعمال العدوان والقتل والتهجير المستمرة، وتعمد إنكار إنسانية هذا الشعب العظيم وحقوقه وألمه تعكس عنصرية وانحرافا سياسيا وإنسانيا أوصلتنا إلى ما نحن فيه وإعلانات التضامن الشاملة مع إسرائيل التي تقدمها العديد من الدول الغربية وتتعمد تجاهل الشعب الفلسطيني، وضحاياه، وسياق قضيته العادلة والقوانين الدولية وقرارات الأمم المتحدة، التي تدوسها إسرائيل بشكل منهجي، مشيرا إن هذا النفاق والرياء السياسي أمر غير مقبول وغير مبرر ، وهو يساهم في إستمرار الجرائم وتصاعدها.
كما أكد المالكي، أن دولة فلسطين تدين بشدة قتل وإستهداف المدنييين أينما كانوا وتعتبره جريمة ضد الإنسانية يحاسب عليها القانون الدولي والمحاكم الدولية المختصة.
وطالب وزير الخارجية، بوقف العدوان والحرب فوراً، وأضاف، لا يجوز للمجتمع الدولي أن يبقى صامتاً إزاء ما يتعرض له شعبنا من جرائم ومجازر، كما نطالب بتأمين دخول الاحتياجات الأساسية لشعبنا بشكل فوري، فالحقيقة التي لا يمكن لأحد إنكارها، إنه في كل مرة، وفي كل منعطف تختار إسرائيل الحرب، وتختار الاحتلال، والاستعمار والضم والنفي فهي لم تنحاز للسلام قط ولم تختر قط إحترام القانون، ولم تعترف قط بحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، والعيش كشعب حر ومستقل في وطنه وعلى مدى السنوات 75 الماضية، لم تستخدم إسرائيل سوى القوة والتهديد باستخدام القوة والاضطهاد، والعقاب الجماعي والانتقام، والسياسات والإجراءات التمييزية لتعزيز إستيلائها على الأراضي واستعمارها للأرض الفلسطينية وحرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه الأساسية في ذات الوقت ترفض الالتزام بحل الدولتين الذي يتمتع بالإجماع الدولي وتعمل على أفشاله على رؤوس الاشهاد والهدف الأساسي لهذه السياسات والممارسات غير القانونية معلن ومعروف للجميع هو تهجير واستبدال الشعب الفلسطيني في انتهاك لحقه غير القابل للتصرف في تقرير المصير وغيره من قواعد القانون الدولي القطعية.
وقال، إن الكارثة الماثلة أمامنا وما تفرض علينا مسؤوليات جسام وواجب الإصرار على الحل الجذري ومعالجة الظلم الأساس ومصدر الوحشية والعنف الأساسي والوحيد وجذر الصراع وهو الاحتلال الاستعماري الإسرائيلي، فمن غير المقبول التعاطي بجدية مع التصريحات والمواقف السطحية التي تشوه حياة الفلسطينيين وحقوقهم، أو تجردهم من إنسانيتهم، أو تتجاهلها، وتعالج فقط أعراض هذا الظلم الذي طال أمده.
كما أكد المالكي، مجدداً أن الالتزام بالتفاهمات الموقعة واستعادة الأفق السياسي لحل الصراع، وإحياء عملية السلام من خلال عملية سياسية تفاوضية جدية بين الجانبين وفقاً لمرجعيات السلام الدولية ومبادرة السلام العربية تفضي لإنهاء الإحتلال، هو المدخل الصحيح لتحقيق أمن واستقرار المنطقة وازدهارها فدون ذلك سيبقى العنف والتطرف والعنصرية والإحتلال والاستيطان وارتكاب المزيد من الجرائم والدمار هو سيد الموقف، والنتيجة هي تآكل متواصل وإضعاف ممنهج لفرص السلام وأنصاره لصالح هذا الجنون ومن يقف خلفه، وهي نتيجة مباشرة لغياب الإرادة الدولية في تطبيق القانون الدولي وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية.
وفي الختام أعرب وزير الخارجية باسم الرئيس محمود عباس، عن شكره على حُسن الاستجابة لطلب دولة فلسطين والمملكة المغربية بعقد وحضور هذا الإجتماع في مقر جامعة الدول العربية بيت العرب الأول في العاصمة المصرية القاهرة، لتدارس ونقاش المخاطر الحقيقية التي تتعرض لها قضية شعبنا عامة، والنتائج الكارثية للإنفجار الكبير الحاصل في ساحة الصراع وتداعيات الحرب الإسرائيلية المدمرة على أهلنا وشعبنا في قطاع غزة، والبحث في مجالات التحرك العربي المشترك والعاجل لوقف العدوان فوراً، وتوفير الإحتياجات الأساسية لأبناء شعبنا في قطاع غزة.