نابلس - النجاح الإخباري - تشير الوقائع التي فرضتها حكومة اليمين الإسرائيلي، ضد الفلسطينيين، باستخدام القوة العسكرية والجماعات الاستيطانية المتطرفة، ولجوئها من جديد للتهديد بزيادة هذه الهجمات الدامية، أن الأمور على الأرض ذاهبة إلى مربعات تصعيد جديدة وخطيرة، في ظل استمرار الفلسطينيين بالعمل وفق قاعدة ردات الفعل، والتي تمثلت خلال الأيام الماضية، بعمليات عسكرية ضربت منظمة الأمن الإسرائيلية في مقتل.

وما كان لافتا في تطورات الميدان خلال الأسبوع الماضي، هو تنامي العمل الفلسطيني المقاوم، والذي تمثل في عملية إطلاق نار في بلدة حوارة التابعة لمدينة نابلس شمال الضفة، والتي قتل فيها اثنان من المستوطنين، وما تلاها من عملية مسلحة أخرى، نفذت هذه المرة وعلى خلاف توقعات الأمن الإسرائيلي في منطقة جنوب الضفة وتحديدا في مدينة الخليل، وهما عمليتان جاءتا كرد عملي على تصعيد هجمات جيش الاحتلال والمستوطنين.

وبالنظر للوقائع على الأرض، فإن الأيام التي سبقت العمليتين، شهدت هجمات دامية وخطيرة طالت غالبية المناطق الفلسطينية، وتحديدا مناطق شمال الضفة، وأسفرت عن إعدام عدد من المواطنين بينهم أطفال، أطلق عليهم جنود الاحتلال النار من مسافات قريبة، بهدف القتل، علاوة على تصعيد خطير في عمليات الاعتقال، وعمليات مصادرة الأراضي وهدم المنازل الفلسطينية، لصالح توسيع الاستيطان.

وترافقت هذه الهجمات، مع أخرى أوكلت لذراع الحكومة الإسرائيلية الآخر، والذي لا يقل عن القوة المتمثلة في الجيش، وهو الجماعات الاستيطانية المتطرفة، التي نكلت بالفلسطينيين بشكل خطير، فقامت هذه الجماعات بعمليات سرقة أراضي فلسطينية، بإقامة بؤر جديدة عليها، كان من بينها بؤر رعوية وأخرى زراعية، إضافة إلى هجمات إرهابية أخرى وثقت بعضها كاميرات الهواتف المحمولة، تمثلت في التعرض للفلسطينيين والاعتداء عليهم بوحشية، وإلحاق إصابات في صفوفهم طالت رجالا مسنين وأطفالا، علاوة عن عمليات حرق وتدمير للمنشآت الزراعية والأشجار وحتى المنازل، وأشهرها منزل أم أيمن صوفان في بلدة برقين شمال الضفة، ومهاجمة مركبات المواطنين على الطرقات.

وبسبب تلك الهجمات، التي وثقتها تقارير حقوقية دولية ومحلية، قالت لين هاستينغز، منسقة الأمم المتحدة المقيمة ومنسقة الشؤون الإنسانية في الأرض الفلسطينية المحتلّة "أوتشا" إن العام الجاري 2023 يعد في غاية السوء بالنسبة للأطفال في الأرض الفلسطينية المحتلة، جراء العديد من الأحداث، كان من بينها تصعيدات عسكرية، نفذتها القوات الإسرائيلية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وأدت إلى مقتل 42 طفلًا فلسطينيًا، من بينهم 35 في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، وسبعة آخرون في قطاع غزة، وأوضحت أن هذا العدد يساوي العدد الكلي للأطفال الفلسطينيين الذين سقطوا العام الماضي.

وبدا أن جيش الاحتلال وأجهزة الأمن الإسرائيلية قد استكانت إلى أن تلك الهجمات، قد ثبطت من عزيمة الفلسطينيين، ودفعتهم صوب الاستسلام لسياسة الأمر الواقع، إما خشية من الموت أو الاعتقال والإصابة، خاصة بعد الهجمات العسكرية التي نفذت مؤخرا ضد مدينتي جنين ونابلس، دون أن يعلم قادة الاحتلال أن نظرية التعامل الفلسطينية مع الواقع على الأرض لن تتغير ولن تتأثر بأي ضغوط أو مضايقات أو تهديدات، وهي نظرية تقوم على ردات الفعل، وجعلها تناسب الفعل الممارس من الجانب المعتدي.

بداية ردات الفعل، كان بتنفيذ عملية عسكرية بداية الأسبوع الماضي، حين وصل مسلح فلسطيني إلى اثنين من المستوطنين، في بلدة حوارة شمال الضفة، ليطلق عليهم النار من مسافة صفر ويريدهم قتلى، ولم تكن دولة الاحتلال التي دفعت بقوات كبيرة لمناطق شمال الضفة وحاصرت مدينة نابلس وبلداتها، للوصول إلى المنفذ، حتى باغت مسلحون منظومة الأمن الإسرائيلية من حيث لا تحتسب، وتحديدا في مدينة الخليل، من خلال عملية إطلاق نار أخرى، أدت لمقتل مستوطنة وإصابة آخر بجراح خطيرة، وقد كانت أعين الأمن الإسرائيلي مركزة بشكل أساسي على مناطق الشمال، باعتبارها البؤر الساخنة، وهو ما دفع بالمحللين للإشارة إلى أن انتقال العمل المسلح لجنوب الضفة، يمثل نقلة نوعية كبيرة، سترهق إسرائيل وتحرج قواتها العسكرية والأمنية، وتنبئ بتصعيد آخر للعمل المقاوم.

ولاقت تلك العمليات ترحيبا وإشادة واسعة من فصائل المقاومة، التي دعت لتصعيد العمليات العسكرية ضد الاحتلال والمستوطنين، وفي هذا السياق قال إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إن الشعب الفلسطيني سيقابل الحصار والإغلاق والاستيطان بـ "الصمود والمقاومة" وأضاف "لا حل سياسيا ولا أمنيا في الضفة إلا أن يرحل المحتل الصهيوني عن أرضنا وقدسنا". وقال "إصرار المحتل على الاستيطان في الضفة، واستمرار سياسات الضم والتهويد في القدس سيقابله شعبنا بمزيد من الصمود والمقاومة" وتوعد بالرد على أي هجوم للاحتلال بالقول "توسيع رقعة الاستهداف الذي يهدد به قادة الكيان سوف يسهم في توسيع رقعة المواجهة وتصعيدها".

المطالبة بعودة الاغتيالات

ولذلك نقلت إذاعة الجيش الإسرائيلي، تقديرات كبار المسؤولين الأمنيين بشأن موجة العمليات الفلسطينية الأخيرة، أشاروا خلالها إلى أنه وحتى اللحظة لم تصل العمليات الفلسطينية إلى الذروة، ورأوا أن نجاح العمليات الأخيرة، إلى جانب نجاح منفذيها في الانسحاب، تزيد من فرص محاولات تنفيذ عمليات مشابهة.

ونقلت عن رئيس مجلس مستوطنات شمال الضفة يوسي داغان، قوله "نشهد انتفاضة في طور التكوين هنا، ولسوء الحظ فإن الحكومة الإسرائيلية لا تقدم الرد المناسب" وطالب بعملية عسكرية كبيرة، محذرا من أن عدم تنفيذها سيدفع بالفلسطينيين إلى إطلاق الصواريخ من الضفة، وتنفيذ عمليات في قلب إسرائيل، كما اتهم داغان السلطة الفلسطينية بأنها مصدر "الإرهاب" كما اتهم الرئيس محمود عباس بالوقوف وراء موجة الإرهاب الأخيرة، قائلا "هو الذي يجب أن يخاف".

وترافق هذا التحريض مع مطالب وزير الأمن القومي المتطرف ايتمار بن غفير، بتنفيذ عمليات اغتيال وإلغاء تصاريح العمل للفلسطينيين بسبب تزايد العمليات، علاوة على وضع حواجز كثيرة على المفترقات، وقد انتقد سياسة وزير الجيش يوآف غالانت، ووصفها بـ "الناعمة" وقال إنه حان الوقت لوقفها.

غير أن الحكومة الإسرائيلية المصغرة التي عقدت اجتماعا طارئا منتصف الأسبوع الماضي، بعد أن قدمت الموعد المخصص له والذي كان بعد أسبوعين، قررت تفويض رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ووزير الجيش غالانت، بالتحرك لتنفيذ سلسلة إجراءات تم الاتفاق عليها لمحاربة "الإرهابيين" ومن يقف خلفهم ويمولهم، وقد أكد ذلك مكتب نتنياهو، الذي أعلن أن المجلس الوزاري المصغر، اتخذ سلسلة قرارات بهذا الصدد، معلنًا دعمه للجيش الإسرائيلي في أنشطته لاستهداف النشطاء الفلسطينيين.

ولم يجر الكشف الدقيق عن تلك القرارات، لكن فهم مما أعلن، أنها تشمل ثلاثة سيناريوهات أولها تنفيذ هجمات خاطفة ضد النشطاء الفلسطينيين في الضفة، أو تنفيذ عملية عسكرية كبيرة ضد أحد المناطق الفلسطينية، على غرار العملية التي نفذتها بداية تموز/يوليو الماضي ضد مخيم جنين، أو تنفيذ عمليات اغتيال لقادة المقاومة في غزة أو الخارج، وتحدثت تقارير عبرية بأن الجيش الإسرائيلي بات قريبا من تنفيذ ما يعرف بضربة استباقية أو "نشاط عملياتي" كبير.

ووفق "القناة 13 العبرية" فإنهم في إسرائيل يبحثون عن طريقة لتدفيع حماس الثمن، ونوهت إلى أن قادة المنظومة الأمنية الإسرائيلية أوضحوا للوزراء في اجتماع الوزراء المصغر، أهمية سياسة الاغتيالات، ولذلك فقد عقد الوزير غالانت مع كبار الضباط الإسرائيليين بحضور رئيس "الشاباك" جلسة تقييم أمنية، جرى خلالها بحث الخطوات الميدانية.

لكن من شأن التصعيد الجديد حال أقدمت عليه حكومة نتنياهو، أن يرتد عليها، على غرار المرات السابقة، وأن يصعد العمل المقاوم بشكل أكبر على الأرض، وأن يدفع بجبهة غزة أيضا للرد على تلك الاعتداءات.

وبما يرجح هذا الخيار، قدّم مستشار الأمن القومي السابق مئير بن شابات وهو من الشخصيات المقربة من نتنياهو، توصية للحكومة، باستئناف عمليات تصفية قادة حركة حماس في الخارج والمسؤولين عن توجيه العمليات في الداخل كنوع من الردع لجبهات أخرى وكذلك لقطع حلقة الاتصال مع الداخل.

المقاومة تستعد لكل الخيارات

ولذلك رفعت المقاومة في غزة من استعداداتها لأي تطور على الأرض، وأخذت احتياطاتها خشية من الاغتيالات، وفي هذا السياق أكد نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، أن تهديدات الاحتلال باغتيال قادة الحركة لا تخيفهم. وأنذر في ذات الوقت إسرائيل من "اللعب بالنار" وقال "ما يفكر به من هدم الأقصى وتعظيم الاستيطان والعدوان على شعبنا وبرامج الاغتيالات سيتسبب بمواجهة شاملة تكسره، ونحن نعرف ماذا نقول، ولن يستطيع أن يقضي على المقاومة، وستتعاظم وستحقق أهدافها" وشدد على ضرورة تصعيد المقاومة.

أما الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي زياد النخالة، فقد أكد على أن المقاومة الفلسطينية لن تتهاون أبداً في التصدي للعدوان الإسرائيلي، وقال إن شباب المقاومة لديهم الشجاعة والقدرة على الرد وتصعيد العمل المقاوم بكل عزم وإصرار، وأكد أيضا أن التهديدات الصادرة عن قادة الاحتلال لا تخيف الشعب الفلسطيني ومقاوميه، مشيرا إلى أن المقاومة ستمارس حقها الطبيعي والمشروع في التصدي والرد على أي عدوان.

ولم يكن رد فصائل المقاومة الفلسطينية هو الوحيد الذي حذر من مواصلة سلطات الاحتلال هجماتها العنيفة والدامية، فقد أصدرت مؤسسة الرئاسة بيانا شديد اللهجة، مع مواصلة حكومة الاحتلال تغولها على المناطق الفلسطينية، أكدت فيه على لسان الناطق الرسمي نبيل أبو ردينة، أن عمليات القتل اليومية والاعتقالات المتصاعدة لن تجلب الأمن والسلام لأحد" وقال منذرا "الأمن لا يتجزأ، إما سلام وأمن للجميع، أو لا سلام ولا أمن لأحد".