نابلس - النجاح الإخباري - في 15 تشرين الثاني/ نوفمبر 1988، أعلن الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات من العاصمة الجزائرية "قيام الدولة الفلسطينية المستقلّة وعاصمتها القدس الشريف"، في ما عرف بـ"وثيقة الاستقلال".
وفي مثل هذا اليوم من كل عام يحيي الفلسطينيون المناسبة بالفعاليات الرسمية والشعبية، وتعلن الحكومة هذا اليوم إجازة رسمية.
وجاء الإعلان الفلسطيني في ختام أعمال الدورة الـ19 للمجلس الوطني الفلسطيني (برلمان منظمة التحرير)، التي بدأت في 12 تشرين الثاني/ نوفمبر 1988 واستمرت ثلاثة أيام.
وقال عرفات، في نص الوثيقة: "إن المجلس الوطني يعلن، باسم الله، وباسم الشعب العربي الفلسطيني، قيام دولة فلسطين فوق أرضنا الفلسطينية، وعاصمتها القدس الشريف".
وأُعلنت الوثيقة في أوج الانتفاضة الشعبية التي انطلقت في كانون الأول/ ديسمبر 1987، وأطلق عليها "انتفاضة الحجارة".
ورغم كل التحديات والظروف المحيطة، يواصل الفلسطينيون مساعيهم لنيل الاعتراف الدولي، ففي 29 تشرين الثاني/ نوفمبر 2012، صوّتت الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح قرار منح فلسطين صفة دولة غير عضو "مراقب" في الأمم المتحدة.
وفي 30 أيلول/ سبتمبر 2015، رُفع العلم الفلسطيني لأول مرة إلى جانب أعلام باقي الدول الـ193 الأعضاء في المنظمة الأممية.
لكن بعد 32 يوما على الإعلان، لم يتحقق الاستقلال، ولم يقرر الشعب الفلسطيني مصيره، بل بات –حسب محللين- أبعد عن الاستقلال من يوم إعلان الوثيقة.
ويقول نائب رئيس تحرير صحيفة الأيام الفلسطينية، عبد الناصر النجار، إن وثيقة الاستقلال جاءت في أوج انتفاضة الحجارة لتعبر عن موقف جماهيري "وربما كانت فرصة حقيقية لإقامة دولة فلسطينية".
ويؤكد النجار على أهمية "كل قرار فلسطيني تم اتخاذه"، لكنه يرى أن "الإشكالية في عدم المتابعة والمراكمة على ما يتحقق".
ومع حلول نهاية عام 1988، اعترفت أكثر من 82 دولة بفلسطين كدولة مستقلة، ليرتفع العدد اليوم إلى 139 دولة، بحسب وزارة الخارجية الفلسطينية.
ويضيف النجار أن وثيقة الاستقلال "كانت شيئا متقدما ورؤية واعدة لاستقلال حقيقي، لكن اليوم باتت المعيقات كثيرة".
ويتابع: "اتفاق أوسلو (1993) قلب الصورة جذريا، وكانت مفاوضات ماراثونية، ربما أخرت الاستقلال، لأن سلطات الاحتلال كانت معنية بترك الأمور كما هي بل وزيادتها تعقيدا".
ويقول إن "منطق المفاوضات وحده لم يعد كافيا لفرض أجندة إنهاء الاحتلال، المطلوب الجمع بين المقاومة والمفاوضات".
ونص اتفاق أوسلو للتسوية (1994)، على منح الحكم الذاتي للفلسطينيين، بالضفة الغربية وقطاع غزة، لمدة انتقالية تنتهي عام 1999.
ورغم انتهاء المدة الانتقالية، فقد ماطل الاحتلال الإسرائيلي في منح الفلسطينيين الدولة المستقلة، وعمل على مضاعفة أعداد المستوطنين اليهود في أراضي الضفة الغربية.
تحول نوعي وبعد معنوي
ويرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة الخليل الدكتور بلال الشوبكي، أن الفكرة الأساسية لوثيقة الاستقلال تتمثل في "نقل المواطن الفلسطيني من التعامل مع أزمته على أنها أزمة إنسانية، إلى قضية سياسية وتحرر وطني يجب أن تنتهي بالاستقلال وتقرير المصير وتحقيق حلم إقامة الدولة الفلسطينية".
ويقول إن إعلان الاستقلال "مسألة معنوية أكثر من كونها إجرائية على الأرض، تتمثل فعلا في تحقيق الاستقلال أو إقامة الدولة".
ومع ذلك، يرى أن وثيقة الاستقلال نجحت في نقل التصور الإقليمي والعالمي عن الشعب الفلسطيني "من ضحية دون جانٍ، إلى ضحية لعملية استعمار استيطاني".
إشكاليات جذرية وأسئلة جريئة
ويقول الشوبكي إن عدم تحوّل الوثيقة إلى خطوات إجرائية لإقامة الدولة، يرجع إلى "مسار التسوية الذي اختارته منظمة التحرير، دون أوراق ضغط وقوة حقيقية على الأرض، تمكنها من تحقيق إنجازات".
وأشار إلى "إِشكاليات جذرية في اتفاق أوسلو للتسوية (1993) الذي وضع الفلسطينيين في مرحلة جمود سياسي، وأعطى الإسرائيليين مساحة لإجراء تغييرات جوهرية على الأرض".
وقال إن تحويل "الصبغة المعنوية" للوثيقة إلى "إطار لعمل إجرائي على الأرض، يمكن أن يقرب الاستقلال"، لكنه أضاف أن هذا "يتطلب عملا فلسطينيا موحدا من أجل غاية واحدة".
وتابع: "الإشكالية الحقيقية في المجتمع الفلسطيني، ليست فقط في اختلاف الفصائل على الوسائل وعلى المناهج، وإنما في الغاية النهائية".
وأكمل الشوبكي: "على الفلسطيني أن يحدد غايته، ويجيب عن أسئلة محرجة: هل يريد العيش في دولة واحدة ثنائية القومية مع اليهود؟ هل يريد فلسطين كاملة؟ أم ما احتل منها عام 1967 (الضفة وغزة)؟".
ومضى قائلا: "حين يتم الاتفاق على الغايات، يمكن البحث لاحقا في الإطار المؤسساتي، وهو هنا منظمة التحرير الفلسطينية التي تحتاج إلى إصلاح لاستيعاب أي غاية سياسية جديدة".