رام الله - النجاح الإخباري - أكد أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير صائب عريقات، أن السلطة الوطنية الفلسطينية تتعرض لمشروع تدمير، وأن اتفاق التطبيع الإماراتي الإسرائيلي جزء من ذلك المشروع التدميري الهادف إلى إيجاد بدائل لها.
صرح بذلك خلال الجلسة الأولى من جلسات المؤتمر السنوي التاسع للمركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية (مسارات) "فلسطين ما بعد رؤية ترامب.. ما العمل؟"، وقد أدار الحوار مدير عام المركز هاني المصري.
وأشار عريقات إلى أن رئيس دولة فلسطين محمود عباس أكد بما لا يدع مجالا للشك عدم القبول بصفقة القرن، مؤكدا أن السلطة الوطنية الفلسطينية نجحت بصمودها في وقف مخطط الضم الإسرائيلي، حتى جاء الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي ليشكل ضربة قوية يقف خلفها صهر الرئيس الأميركي جاريد كوشنر.
وفي سياق إجابته عن سؤال المؤتمر: ما العمل، وأين أخطأنا؟ قال عريقات: "كانت هناك اتفاقيات تعاقدية بين منظمة التحرير وإسرائيل حددت بفترة انتقالية مؤقتة لخمس سنوات"، مشيرًا إلى أن الخلل بالاتفاق في عدم تطبيقه، وفي أنه لم يوضح إلى أين سنذهب في حال أخلّت إسرائيل بالاتفاق خلال السنوات الخمس.
وأكد عريقات أن ما قامت به الإمارات في هذا التوقيت وضعنا في مرحلة جديدة تخالف استراتيجيتنا التي ارتكزت على إقامة سلام ينهي الاحتلال على الأرض المحتلة عام 1967، بما يضمن إقامة الدولة الفلسطينية وحق تقرير المصير، وحل قضية اللاجئين.
ولفت عريقات إلى أن كوشنير نجح في إقناع دولة عربية بالتنكر للإجماع العربي، وحقق اختراقًا كبيرًا وهائلًا في كسر المعادلة المتعلقة بالسلام مقابل الأرض، التي لم تعد قائمة، في حين أن ذلك البلد العربي يبرر تلك الخطوة بأنها لوقف مخطط الضم.
ونفى عريقات كل ما روج من أن اتفاق التطبيع الإماراتي الإسرائيلي هو من أجل فلسطين، قائلًا إن الاتفاق هدفه إيران، وفلسطين لن تكون طرفًا ثانيًا، معربًا عن استغرابه واستنكاره لعدم صدور بيان أو عقد اجتماع لجامعة الدول العربية، حيث تمثل خطوة الإمارات انتهاكًا وخروجًا عن قرار وإجماع الجامعة، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، وميثاق مجلس التعاون الخليجي.
وقال عريقات: ما يخيفني هذه الفترة إثر الاتفاق ما نراه من كتابات وتغريدات تصفنا بأننا بعنا أرضنا وأننا ناكروا جميل، وتصف الإسرائيلي بالجميل والجديد، مشيرًا إلى أن الشعوب العربية ليست هكذا، والقضية الفلسطينية قضية عربية بامتياز، والضربة الإماراتية ضربة قوية، ولن يقرر مصير هذه الأرض سوى الفلسطينيين، ومطلوب منا مواجهة القرار.
وحول من تنصل من فلسطين وأنها ليست قضيته عقب الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي، قال عريقات "لم يكن الجيش الإماراتي يقاتل على الجبهة، ومن ثم قرر الانسحاب وعقد اتفاقية سلام، ولم نقل لهم حاربوا عنا، نحن من نقاوم ونصمد، ونحن لن نكون في يوم من الأيام في أي محور من محاور المنطقة، ولن يُمس القرار الوطني المستقل"، مضيفًا "أننا كنا نعلم منذ 3 سنوات ما يعمله سعيد العتيبة مع كوشنير، ومنذ 3 سنوات المسألة ليست تطبيعًا بقدر ما هي مسألة محورية إقليمية لها علاقة بإنشاء نظام ناتو عربي".
وتابع: "نحن من نقرر مستقبلنا وليس الإمارات أو غيرها، ولن يجدي معنا عملية تصدير الخوف، ونحن اليوم على استعداد للانتقال إلى مرحلة جديدة، وكل واحد فينا يفهم أن القدس أهم من كل عواصم العرب والمسلمين، ولن تكون القدس قربانًا للسياسة في المنطقة".
وأردف: "التطبيع العربي ليس جديدًا، فمنذ مبادرة السلام العربية، خرج نتنياهو وقال المبادرة مقلوبة، أي أن التطبيع مع العرب أولًا، ومن ثم السلام مع الفلسطينيين، وكوشنير المتغطرس والجاهل الذي قابلته 37 مرة، يؤمن أن أميركا ليست هي من اعترفت بالقدس عاصمة لإسرائيل، وإنما الله، وهو يوظف الدين ضد الفلسطينيين كما يوظف السيد المسيح ضدنا، ولذلك هو يقف في الجامعات ويقول إنه يمشي مع المسيح لشرعنة الاستيطان".
وعن أوراق الضغط التي لدينا، قال عريقات: "إن أوراق القوة لا يستهان بها، فمنذ عام 1917، جرت 89 محاولة لطمس القضية الفلسطينية، والرئيس الأميركي ترمب اتخذ 48 إجراءً وقرارًا ضدنا، ونحن نعلم أن ترمب لديه 25% من الاقتصاد العالمي وقدرته على الضغط".
ولفت عريقات إلى أن الدول العربية، إضافة إلى إيران وتركيا، تعيش فيما بينها نحو 18 صراعًا، وهي جميعها تمثل مداخل للرئيس ترمب، ومن يظن أن إسرائيل ستساعد أي دولة عربية فهو واهم، ومن يقول إنه نجح في تعليق الضم فهو يقر في نفس الوقت بموافقته عليه.
وأكد عريقات أن نقاط ارتكازنا وقوتنا تتمثل في الشرعية والقانون الدولي، وثباتنا على موقفنا وإنهاء الانقسام، والاتفاق على الحد الأدنى من الأمور، مضيفًا أن فلسطين وطن شطب عن الخريطة وهدفنا جميعًا إعادة فلسطين إلى الخارطة الجغرافية.
وأضاف أن فلسطين تتعرض لأكبر مشروع تصفية منذ عام 1917، وجاء مشروع ترمب ليكمل تصفية القضية الفلسطينية، وتكريس أنها أرض للشعب اليهودي من البحر إلى النهر بولاية أمنية إسرائيلية، وضمن هذا السياق جاء الاتفاق مع الإمارات، الذي تضمنت بنوده مستوى غير مسبوق من الانحدار العربي.
وأكد عريقات أن السلطة الوطنية الفلسطينية تجري اتصالات مع كل الدول العربية لمنع أي دولة من القيام بما قامت به الإمارات، مستدركًا على قول البعض إن الإمارات لا يمكن أن تقوم بما قامت به دون موافقة هذه الدولة أو تلك، بأن هذا صحيح، ولكن وظيفتي أن أبذل كل جهد لمنع قيام أي دولة عربية بما قامت به الإمارات، فنحن طلبنا من كل الدول بيانات واضحة حول تمسكها بمبادرة السلام العربية، مشيرًا إلى أن السعودية وغيرها من الدول ربطت تطبيع علاقتها بإسرائيل بالحقوق الفلسطينية ومبادرة السلام العربية.
أما حول نجاح كوشنير، فقال عريقات: هناك مبدأ يعمل عليه ترمب مفاده أن هناك دوًلا وجدت لتكون قوية، ودول أخرى تطلب حمايتها بالثمن المناسب، والدول الوظيفية، تشبه الأشخاص الوظيفيين، مثل الكاتب الذي يُشترى فهو مثل العبد، وكذلك الأشخاص والحكام وصناع القرار، أي شخص يريد أن يؤجر نفسه سيخسر نفسه، وكل من يقدم أوراق اعتماد ضد بلده لن ينجح، لأنهم لا يحترمون أولئك الأشخاص ويرمونهم، ومن يظن أنه يقدم أوراق اعتماده لأميركا، فمزابل التاريخ مليئة بهذه الأشكال".
ووصف عريقات علاقة القضية الفلسطينية مع شعوب العالم بالجيدة، قائلًا: "علاقتنا مع الشعوب حول العالم جيدة جدًا، حتى في أميركا، ولأول مرة منذ عام 1948 خرجت 6 رسائل من الكونغرس ضد ترمب وضد الضم، والشعب الفلسطيني في أميركا وفي كل أوروبا يعمل بشكل جيد، وهذا ما يجب تعزيزه وتقويته".
وعن وقف العمل بالاتفاقيات ووقف التنسيق المدني والأمني ووقف استلام أموال المقاصة، وعدم وضوح الصورة في ظل تصريحات مختلفة عن السلطة ومستقبلها، قال عريقات "إن ما يثار حول الكيان الفلسطيني أمر مهم، فالسلطة الوطنية الفلسطينية ولدت باتفاق تعاقدي بين المنظمة وإسرائيل بشهادة العالم لنقل الشعب الفلسطيني من الاحتلال إلى الاستقلال"، مضيفًا أن "اتفاق أوسلو للسلام نص على أن الاتفاق هو تنفيذ لقراري مجلس الأمن 242 و338 ولم يقل على أساسهما".
وأشار إلى أنه منذ لحظة وصول نتنياهو إلى الحكم عام 2009 اتخذ أول قرار وهو إعادة الإدارة المدنية للحياة، بينما في الاتفاق الانتقالي حُلت الإدارة المدنية، في حين نصت المادة 36 من الاتفاق على أنه "ستؤول الولاية للفلسطينيين على قطاع غزة والضفة الغربية خلال 18 شهرًا، باستثناء قضايا الوضع النهائي".
وقال عريقات إن نتنياهو وضع استراتيجية تتضمن وجود السلطة لكن وفق تصوره، بحيث تكون "سلطة بلا سلطة، واحتلال من دون كلفة، وقطاع غزة خارج إطار الفضاء الفلسطيني، وبالتالي فإن استمرار الانقسام هو الورقة الرئيسية في تعطيل المشروع الوطني الفلسطيني التي جعلت كوشنير وغيره يحاول الدخول من هذه الثغرة".
وتابع: "السلطة الوطنية الفلسطينية حين ولدت كانت ثمرة نضال وكفاح الشعب الفلسطيني، ولكن حين يريد نتنياهو تحويل السلطة إلى جامعة نفايات، فهذه ليست مسؤوليتنا، بل مسؤوليتك كقوة احتلال وفق ميثاق جنيف، إما سلطة تنقلنا إلى استقلال، أو تحمل مسؤوليتك (مخاطبا نتنياهو)".
وأضاف: "لم يتحدث أحد عن حل السلطة، فإن ما يجري الآن هو تدمير للسلطة، وحين يقول مندوب الاحتلال في الأمم المتحدة إنه لن يكون هناك سلام ما دام محمود عباس على رأس السلطة، أي دعا إلى قلب النظام في قلب مجلس الأمن"، مستدركا: "لقد حوصر عرفات وقتل مظلومًا لأنه قال ذات يوم لبيل كلينتون وجورج تينيت. بتهددني؟ سأدعوك إلى جنازتي، وهناك من سيحرر الأرض بعد عشر أو خمسين عامًا".
وأوضح أن الحل حاليًا يتمثل في خطاب العالم بأن "وظيفة السلطة كما حددت في التوقيع، وهي نقل الشعب الفلسطيني للاستقلال ولن نرضى بسلطة خدمية"، مضيفًا أن السلطة تُدمر الآن، وأن مشروع الإمارات جزء من تدمير السلطة وإيجاد بدائل عنها. هذا ما نحن أمامه الآن، وليس مسألة حل السلطة، وهو جزء من المشروع، طالما أن الرئيس الفلسطيني أعلن رفضه وأكد أن القدس ليست للبيع وافعل ما تشاء ولن أتحدث معك، ويقف وحيدًا أمام القوى العظمى بالعالم، ويقول لا، ويصر على نقل الشعب الفلسطيني إلى الاستقلال".
وبيّن أن صفقة القرن تضمنت عشر نقاط وركائز أشارت إلى أن أرض فلسطين من البحر إلى النهر هي أرض الشعب اليهودي، واليد العليا والمياه الإقليمية والأجواء كلها بيد إسرائيل، مع ضم غور الأردن والمستوطنات، مضيفًا أن قبول هذه الشروط يعد بطاقة انضمام للحركة الصهيونية وإلغاء روايتك ودينك وتاريخك.
وأضاف عريقات: "لم يُعرض أخطر مما عرضه ترمب وكوشنير، ونحن في مأزق كبير جدًا والسلطة في وضعها الحالي تدمر في ظل الحرب المفتوحة علينا".
وكشف عريقات أن الولايات المتحدة تعمل على إجراء اتصالات مع الأمم المتحدة، وروسيا، والاتحاد الأوروبي، لإخبارهم بنيتها إصدار بيان مشترك رباعي تثمن خطوة الإمارات، وأنها تدعم السلام، ويجب على الفلسطينيين القدوم إلى المفاوضات وفق الرؤية الأميركية، مؤكدًا أنه اتصل بممثليهم الذين أكدوا أن موقفهم لن يتغير، وأن الصراع ليس إماراتيًا إسرائيليًا، والحل يقوم على إنهاء الاحتلال وحل الدولتين.
وحول إذا كانت منظمة التحرير قد أخطأت من خلال نهج المفاوضات مع إسرائيل، قال عريقات: "إن المقاومة ليست استراتيجية وكذلك المفاوضات، وإنما أدوات بهدف إعادة فلسطين إلى العالم"، مضيفًا أننا لم نخطئ بالمفاوضات، بل هي أدوات تستخدمها الكيانات، فالعيب ليس بالمفاوضات وإنما بالطرف الإسرائيلي".
وأشار إلى أن أهم مفاوضات جرت في كامب ديفيد، بين عرفات وكلينتون وباراك، وخلاصتها أن كلينتون قال لعرفات أنت رجل مؤمن وتصلي ويجب أن تعترف بحق اليهود في المسجد الأقصى، فقال له عرفات، لقد حفروا لثلاثين سنة ولم يجدوا شيئًا، فقال له كلينتون أنا أؤمن أن هناك معبدًا تحت الأقصى، فقال له عرفات أنت حر بما تؤمن، ولكن سيأتي جيل بعد عشر سنوات أو خمسين وسيحررها .. هذه هي المفاوضات الفلسطينية".
وأضاف عريقات أن البعض يعتقد أن المفاوضات هي من جلبت اتفاق كوشنير والإمارات، بينما نبرئ إسرائيل من كل ذلك، فلا يجوز أن نلوم الشعب والمنظمة، ونقول أنها جاءت بكل الويلات".
وحول الفائدة من الدعوة إلى عقد مؤتمر دولي للسلام في ظل وصول التجربة التفاوضية إلى طريق مسدود، قال عريقات: "الرئيس يؤكد دومًا أننا لن نغادر مربع الشرعية الدولية، ولن نتنازل عن خيار حل الدولتين على حدود عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية وحل قضية اللاجئين بناء على قرار 194"، مشددًا على أهمية الالتزام بالقانون والشرعية الدولية.
ولفت عريقات إلى أن إسرائيل هي من أوقفت المفاوضات في 24 نيسان 2014، جراء رفضنا لطلب إسرائيلي بوقف جهود المصالحة مع حماس، حيث أكدنا وقلنا إن "حماس" ليست إرهابية، وقد حاربنا في الأمم المتحدة لمنع وصف "حماس" بذلك، ولا يمكن وصف أي جهة فلسطينية بالإرهاب، والمصالحة مع "حماس" أهم من المفاوضات.
وعن الجهود المبذولة لإنجاز المصالحة، أشار عريقات إلى مشاركة جميع الفصائل والقوى الفلسطينية في اجتماع القيادة الأخير الذي عقد في رام الله، والذي وافق خلاله الرئيس على عقد اجتماع الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية، مشددا على أهمية وضرورة وضع برنامج سياسي يؤسس لشراكة كاملة.
وحول سؤال من الجمهور حول الاختلاف بين صفقة القرن وما يعرف بوثيقة "بيلين – أبو مازن"، نفى عريقات نفيًا قاطعًا، وقال "لا يوجد شيء اسمه وثيقة بيلين – أبو مازن، وأتحدى أن يكون هناك مثل هذه الوثيقة".