عبد الله عبيد - النجاح الإخباري - يُصادف اليوم الـ28 من آذار (مارس) 2018، الذكرى الـ40 لاغتيال القائد الوطني والقومي والمقاتل الفذ وأحد مؤسسي حركة القوميين العرب والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، الدكتور وديع حداد، الذي كان معروفًا بكنيته (أبو هاني).
وكان حداد قد توفيّ في ألمانيا الشرقيّة حيث اعتُقد آنذاك أنّ سبب الوفاة كان إصابته بمرض السرطان، ولكن في العام 2006، أيْ بعد 28 سنة من وفاته، اعترف الموساد الإسرائيليّ (الاستخبارات الخارجيّة) بالمسؤولية عن اغتياله، حيث كشف النقاب عن أنّ الموساد هو الذي قام باغتيال حداد بواسطة شوكولاته مسمومة، أوصلها إليه أحد العملاء العراقيين الذي كان يُعتبر على مستوى رفيع، بحسب الرواية الإسرائيليّة.
فقد ذكرت صحيفة “يديعوت احرونوت” نقلاً عن كتابٍ للصحافيّ الإسرائيلي اهارون كلاين أنّ الدولة العبريّة قررت تصفية حداد في أعقاب تدبيره اختطاف طائرة “اير فرانس” إلى عنتيبي في أوغندا في عام 1976.
وأضافت الصحيفة أنّ حداد كان مسؤولاً عن سلسلة من العمليات الفدائية، مضيفة أنّه كان شغوفاً بالشوكولاتة البلجيكية التي كان يصعب الحصول عليها في بغداد مقر إقامته آنذاك، فقام خبراء الموساد بإدخال مادة سامة بيولوجية تعمل ببطء إلى كمية من الشوكولاتة البلجيكية وأرسلوها إلى حداد بواسطة عميل فلسطيني لدى عودة هذا العميل من أوروبا إلى العراق.
وبعد أنْ تناول حداد هذه الشوكولاتة تدهورت حالته الصحية ممّا أدى في نهاية المطاف إلى وفاته في مستشفى في ألمانيا الشرقية عام 1978. وبذلك يضاف حداد إلى قائمة التصفيات والاغتيالات التي قام بها الموساد الإسرائيلي ضدّ كوادر وقادة الثورة الفلسطينية في الخارج.
ولد الشهيد وديع حداد في مدينة صفد في العام 1927، وكان والده يعمل مدرساً للغة العربية في إحدى المدارس الثانوية في مدينة حيفا، وبحكم وجود والده في مدينة حيفا فقد تلقي تعليمه الابتدائي والاعدادي والثانوي في المدينة، وأثناء وجوده على مقاعد الدراسة بمراحلها المختلفة تميّز الشهيد وديع بذكائه المتقد ونشاطه المميزة وتفوقه في مادة الرياضيات، كما أنه كان يمارس رياضة الجري وأنشطة رياضية أخرى.
ونتيجة للمأساة التي حلت بالشعب الفلسطيني نتيجة النكبة عام 48، اضطر الشهيد وديع للهجرة من وطنه واللجوء مع عائلته ووالده إلى مدينة بيروت حيث استقر بهم المآل هناك، وفي هذه الأثناء التحق وديع بمقاعد الدراسة في الجامعة الأميركية ليدرس الطب.
لقد ولّدت النكبة داخل الشهيد وديع شعوراً عالياً بالمسؤولية تجاه شعبه وقضيته التي إزدادت مأساوية على ضوء النكبة، الأمر الذي عكس نفسه على اهتماماته وتوجهاته المستقبلية، ودفعت به باتجاه الإنخراط الفعلي في الفعل الوطني الكفاحي للشعب الفلسطيني، وقد تجلّت بواكير هذه التوجهات خلال انخراطه وهو ما يزال على مقاعد الدراسة في اغاثة أبناء شعبه المشردين جراء النكبة، ولاحقاً عبر انخراطه في جمعية "العروة الوثقي" التي بدأت بلعب دور سياسي بعد انخراط الشباب القومي المتحمس للعمل السياسي بها، وتولي الشهيد وديع موقعاً قيادياً في هذه الجمعية.
وما أن أعلن عن تشكيل "هيئة مقاومة الصلح مع اسرائيل" والتي تم تشكيلها من قبل "الشباب العربي القومي" تصدّر الشهيد وديع الأنشطة السياسية التي كانت تقوم بها هذه الهيئة كعضو قيادي فيها، وكانت هذه الهيئة تقوم بأنشطة عديدة لمناهضة الصلح تمثلت بالمظاهرات والمنشورات، الى جانب دورية "الثأر"، ويمكن القول أن الشهيد وديع بدأ عمله السياسي كمحترف وقائد سياسي وجماهيري بعد تخرجه كطبيب من الجامعة الأمريكية وانتقاله الى ساحة الاردن والتحاقه برفيق دربه الدكتور جورج حبش الذي كان قد سبقه الى هناك، ليشكلا معاً العيادة المجانية إلى جانب عيادتيهما، معتبرين نشاطهما الأساسي والرئيسي النشاط الوطني والقومي وليس الطبي.
وفي سبيل تعميق وتجذير التوجه الذي اختطّاه في العيادة الطبية، قاما بإنشاء صفوف تدريس لمحو الأمية لكبار السن، كما استطاعا وعبر رفاق اردنيين أعضاء في الحركة النفاذ إلي نادى "المنتدي العربي" واعتباره أحد المنابر التي انطلق نشاط الحركة من خلاله.
وقد تتوجت تلك التوجهات ببلورة نواة كحركة القوميين العرب في الأردن، استطاعت وبزمن قياسي أن تساهم بشكل أساسي في المواجهات التي خاضتها الحركة الوطنية الأردنية في مواجهة "تمبلر" ومشروع حلف بغداد واسقاط حكومة هزاع المجالي وتالياً تدريب قيادة قوات الاحتلال ورحيل كلوب باشا، وقد مثلت هذه التوجهات بداية نهوض وطني عام في الأردن.
وعلى ضوء هذه المعارك والمواجهات والدور الملموس الذي لعبته الحركة خلالها، أصبحت تحظي بدور وسمعة جماهيرية عالية وكبيرة، وبرز الشهيد وديع بوصفه الدينامو المحرك والموجه لفعلها الميداني المتنامي.
لكن النظام الأردني لم يسلم بالهزيمة التي لحقت به، وقام بهجوم معاكس في نيسان عام 1957 ضد حكومة النابلسي الوطنية، واتبعها بحملة اعتقالات واسعة طالت رموز وقيادات الحركة الوطنية ونشطائها، وكان من ضمن الذين ألقي القبض عليهم الدكتور وديع الذي أودع في المعتقل الصحراوي المعروف "بسجن الجفر".
ومكث الدكتور وديع حداد ثلاثة سنوات في معتقل الجفر الصحراوي، وبعد جهود مكثفة افرجت السلطات الاردنية عنه، وخلال وجوده في المعتقل مثل الدكتور وديع نموذجاً وقدوة لكافة القوى، ولم ينس رسالته الانسانية والجماهيرية، حيث قام وخلال سجنه باغاثة وعلاج أبناء العشائر البدوية المقيمين في المنطقة بشكل طوعي ومجاني.
التحق الدكتور وديع فوراً بمقر الحركة في دمشق بعد تحرره، وهناك وعلى ضوء العلاقة الجيدة بين الحركة وقيادة الجمهورية العربية المتحدة وعبد الناصر، ونظراً لاندماجه في المواضيع العملية، انخرط في دورة عسكرية في دمشق وكان المسؤول الأول عن هذه الدورة، ولاحقاً أسندت له الحركة مسؤولية العمل الفلسطيني والذي كان حتى ذلك الوقت ممثلاً يرأس قيادة في إطار الحركة ولم يكن فرعاً متكاملاً.
وعلى ضوء عملية الانفصال التي حصلت بين مصر وسوريا، انتقل وديع الى بيروت واستمر في تولي مسؤوليته القيادية للجانب الفلسطيني، وفي مرحلة لاحقة تولى مسؤولية العمل العسكري لكل فروع حركة القوميين العرب حيثما تواجدت، حيث أسندت له مهمة الإعداد للعمل الفدائي فلسطينياً وعربياً (اليمن - ليبيا - وأقطار أخرى) وعلى المستوي الفلسطيني كان الشهيد وديع من أكثر المتحمسين لبدء العمل المسلح ضد الكيان الإسرائيلي.
وجاءت هزيمة حزيران 1967 لتزيد اندفاعته وحماسه في ممارسة الكفاح المسلح، وكان الشهيد وديع مشدوداً لإنشاء جبهة فلسطينية كاملة تضم كل القوى المسلحة على الساحة الفلسطينية علي شاكلة الجبهة التي تشكلت في الجزائر، ولإخراج هذه الفكرة إلي حيز الوجود الفعلي، قام الشهيد وديع مندوباً عن الحركة بفتح حوار مع كل من حركة فتح وجبهة التحرير الفلسطينية، و "طلائع حرب التحرير الشعبية" (الصاعقة) وفشلت المحاولة بسبب موقف قيادة فتح من مسألة الجبهة الوطنية.
وفي ظل الأجواء الملبدة بغيوم الهزيمة العربية الرسمية في حزيران 67 ، وفي ظل الشعور المتزايد لدى قيادة حركة القوميين العرب أن النضال القومي قد غيّب الخاص الفلسطيني، فقد اتجهت الجهود نحو تشكيل أداة فلسطينية تكون مهمتها النضال من أجل تحرير فلسطين، عبر تبنيها لأشكال نضال ووسائل كفاحية تتخطى وتتجاوز الأشكال والأساليب التي اتبعتها الأنظمة العربية الرسمية، والتي ثبت عجزها على مواجهة التوسع للاحتلال واسترداد فلسطين، وتم تشكيل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين من شباب الثأر وأبطال العودة وجبهة التحرير الفلسطينية وعدد من الشخصيات والرموز الوطنية القومية الناصرية.
ومنذ التأسيس تولى الدكتور وديع مهمات قيادية أساسية جداً في الجبهة حيث أسندت له مهمتان رئيسيتان هما المالية والعمل العسكري الخارجي، وأثبت الرفيق الشهيد من خلالهما قدرات قيادية وعملية جديرة بالاحترام والتقدير، حيث جسد شعار "وراء العدو في كل مكان" بطريقة فاعلة.
ومهما تكن وجهات النظر التي طرحت سابقاً وربما تطرح الآن بخصوص هذا الشكل الكفاحي، فإن العمليات العسكرية التي نفذتها الجبهة والخط التكتيكي العسكري الذي قاده الرفيق الشهيد وديع كانت في حينه ضرورة من ضرورات اشهار القضية الفلسطينية وتعريف العالم بقضية هذا الشعب ومعاناته جراء الغزوة الإسرائيلية الغاشمة التي شردته من أرضه ووطنه ورمت به في شتات الأرض ومخيمات اللجوء المختلفة.