النجاح الإخباري - ناقش مجلس الإفتاء الأعلى في فلسطين، بحضور بعض رجال الإصلاح والعشائر، مسألة "حكم المنشد في الإسلام"، وخلص إلى تحريم الأخذ بحكم المنشد إذا تعارض مع كتاب الله وسنة رسوله.
وأصدر المجلس بهذا الخصوص قرارا جاء فيه:
"الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد؛
فالقضاء العشائري في فلسطين مرجعه إلى العُرف السائد بين الناس، وقد انتشر بسبب عدم تطبيق الحدود الشرعية، كما أنه يتّسِم بسرعة البتّ في القضايا المطروحة، وسهولة تطبيق الأحكام، لوجود الشروط المُلزمة والكَفَل على التطبيق. وقد كان للقضاء العشائري ولا يزال دور بارز في حل النّزاعات والإصلاح بين المتخاصمين، وهو معتبر في الدولة، كرديفٍ للشرع والقانون في إحلال السِّلم الأهلي.
ومن القضاء العشائري المتعارف عليه المَنشد، وهو أعلى درجة في القضاء العشائري، ويختصّ بقضايا العِرض، والشّرف، وحُرمات البيوت، ويتّصف حكمه عادة بالتشديد والتغليظ، حتى يكون رادعا وزاجرا.
وحكم قاضي المنشد نهائي لا رجعة فيه، وليس لأحدٍ حق الاعتراض عليه، وعلى الأطراف المتخاصمة القبول به، ويكون في بيت قاضٍ عشائري معروف، ورث المكانة خلفا عن سلف.
والقضاء العشائري ومنه المنشد نوعان:
الأول: ما كان موافقا للشرع الحنيف من كتاب أو سنة، أو داخلا في الصلح أو التحكيم المُقرَين شرعا، وهذا جائز. لا خلاف في قبوله عند أهل العلم.
الثاني: ما كان مخالفا لأحكام الإسلام ومنافيا لمقاصده وقواعده العامة، وهذا غير جائز، ويجب رده وعدم قبوله، إذلا يجوز الحكم بالأعراف المخالفة لشرع الله، فالله تعالى يقول: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى? يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) النساء: 65.
ومن أهم الملحوظات التي سجلت على قضاء المنشد ما يأتي:
1- لا يُقرّ الشرع تحميل أقارب الجاني المتعمِّد تبعات الجريمة؛ لقول الله تعالى: (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ
أُخْرَى?) فاطر:18، بينما في المنشد يلزمون عشيرة الجاني بدفع أجرة قاضي المنشد، وبكل ما يصدر عنه من أحكام.
2- الأحكام في المنشد لا تتناسب مع الجريمة؛ والقاعدة العامة في العقوبات أن التعزير يجب ألا يزيد عن مقدار الحدود، فالله تعالى يقول: (وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلا يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنصُوراً) الإسراء 33.
3- الأجرة التي يتقاضاها قاضي المنشد مبالغ فيها جدا، وهذا الأمر يجعله هدفا للتكسّب وجمع المال.
4- وسائل الإثبات في قضاء المنشد تختلف عن الوسائل المقرة في القضاء الإسلامي.
5- القاضي في الشرع يُعيّن من قبل الدولة، ويكون قد وصل إلى درجة من العلم تُؤهّله لهذا المنصب، أما
قاضي المنشد فإنه يتوارثه عن سَلَفه.
6- القضاء في الشرع يستند إلى الأدلة الشرعية والمواد القانونية الثابتة المستمدة من الشرع الحنيف، بينما
قضاء المنشد يستند إلى ما قاله الأسلاف، فعند بدء النطق في الحكم يقول: "من عندي، ومن عند الرجال من قبلي".
7- القاضي في الشرع له جهة تحاسبه إن أخطأ، وهناك درجات للتقاضي يمكن الاعتراض لديها على الحكم، بينما المنشد ليس عليه رقابة، ولا مرجعية له، ولا اعتراض على حكمه.
وعليه، فإن مجلس الإفتاء الأعلى في فلسطين يرى أن المنشد –على هذا الوجه- لا يجوز الحكم به، ولا التحاكم إليه، ولا الاستعانة به، وعلى المسلمين أن يتحاكموا إلى كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في كل شيء.
قال الله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالا بَعِيدًا) النساء: 60، وقال تعالى: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) المائدة:50.
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل".