غيداء نجار - النجاح الإخباري - كثيرة هي العادات والمظاهر التي ترتبط بالشتاء، فلكل شخص وعائلته رونقها وأسلوبها في معايشة هذه الأجواء التي يصفها البعض بالرائعة والتي يصفها الآخر بالرومانسية والتي يصفها آخرون بالمملة.

وهناك كثير من العادات الشتوية منها ما هو باقٍ ومنها ما يصارع البقاء كي لا يندثر مع مرور الأيام والسنوات والتطورات الحياتية.

وعند الجلوس مع من هم أكبرنا عمراً يبدؤون بقص الحكايات والقصص المتعلقة بفصول الشتاء، والتي عايشوها أثناء طفولتهم في تلك الفصول، ويقارنونها بشتاء اليوم، قال أبو عماد حلاوة الذي يتجاوز التسعين عاماً من مدينة نابلس لـ"النجاح الإخباري": "عندما كان يهطل الثلج كنا انا وأولاد حارتي ننطلق للساحات لنجمع الثلج على شكل طابة ونرشق بعضنا البعض ونغني "امطري وزيدي على قرعة سيدي.. سيدي في المغارة كان عنده حمارة.. راح يصيح لأمه سوتله فطيرة"، وفي هذا الفصل أيضاً كان أبي يصنع الكنافة لنا بالبيت فلا غنى عنها في الشتاء".

ويضيف: "كنا نلتم حول منقل "كانون" النار الذي كان يشعله أبي يومياً لنا للتدفئة، ونتشاجر أنا وأخواتي من سيجلس بجانبه ويلتصق بقربه، وكانت تأتي والدتي وتضربنا على أيدينا وتقول لنا "هذا مش الكم لحالكم هاد للكل"".

سرح حلاوة قليلاً ونظر من نافذة محله، متبعاً إياها بتنهيدة "اااااه" والتي تعبر عن مدى شوقه وحنينه للأيام الماضية، وتابع: "الله على لمة أيام زمان كانت ألفة أكتر، وكانت أمي تجتمع هي وجاراتها وصديقاتها ويحضروا الأراجيل والقهوة والمكسرات للسهر، وكانت تتوزع الأدوار كل يوم عند أحدى الجارات".

وأردف: "على أيامنا كانت النساء تروي لنا الحكايات "حدوتة" يعود أصلها لرواية تركية بدائية".

ويقول النابلسي محمود حمامة (56 عاماً): "في نابلس كانت أجواء الشتاء خاصة؛ فنحن نحب اللمات على صوبة الحطب، ولكن الحياة تطورت وأصبح هناك في كل بيت مكيف للتدفئة".

وأضاف: "كان يجتمع كل أفراد العائلة حول منقل النار، ونحمص الخبز ونأكله مع كاسة شاي على الحطب، كما ويتخلل السهرة شوي الكستنا، والجوز، والبطاطا الحلوة، والباذنجان، والذرة".

ويقول المواطن احمد يامين من قرية جيت: قديماً كانت تقطع الكهرباء بشكل مفاجئ خاصة عند اشتداد الأمطار والرياح، وكنا نلتف بالجواعد واللحف حتى نستدفئ، بينما اليوم الصوبات الكهربائية والمكيف هما الحل".

ويضيف: "التطورات التكنولوجية في حياتنا أثرت أيضاً على عادات الشتاء التي كنا نمشي عليها، فحالياً لو اجتمعت العائلة بغرفة واحدة، جسدهم موجود لكن عقولهم غائبة فكل منهم يضع رأسه في هاتفه ويتصفح مواقع التواصل الاجتماعي".

غاب عقل يامين عنا ليعود بشريط ذكرياته للوراء، فيقول: "أذكر عندما كنا نعاني من الوصول للمدرسة ودوام الموظفين، فكنا نلبس فوق ملابسنا وأحذيتنا أكياس نايلون كي لا نتبل أو ترشقنا أحدى السيارات المارة فنضطر للعودة للمنزل لتغيير الثياب، وبعض الموظفين كانوا يأخذون معهم ملابس أخرى كاحتياط".

ضحك يامين ضحكة تعبر عن تذكره لموقف طريف "كنا عندما نستحم نسخن الماء على الحطب ومن ثم نبردها بمياه من الحنفية، كانت معاناة ولكنها أيام ومواقف جميلة لم ولن تتكرر".

وتقول الحاجة أم نادر عبد الحق:" كانت العائلة تجتمع حول كانون النار بغرفة واحدة ونحمص خبزة محشية بالجبنة، ومناقيش زعتر، وكنا نتابع مسلسل غوار الطوشة، وكان زوجي يروي لأبنائه وأحفاده قصصاً عن الأنبياء".

وتتابع: "الشتاء قديماً كان غزيرًا، أما شتاء اليوم فهو قليل ولكن برودته قارصة تنخر العظام، وكنا نغلق الشبابيك بأكياس النايلون كي لا تدخل المياه للمنزل عبرها، لأن الشبابيك آنذاك كانت من الحديد".

واختتمت الحاجة حديثها "الشتاء قديماً دفا وعفا ولمة عيلة، بينما اليوم حتى لو كنت متدفي لن تشعر بالدفء لأنه ينقصنا دفا العيلة واللمة الحلوة".

الشتاء قديما كان شيئا مختلفا، لم يكن يعرف الناس متى تمطر ومتى تصحو، لم يكن هناك توقعات بانخفاضات جوية، ولذلك، كانت تمطر، ولا أحد يعرف متى يتوقف المطر.

ويعبر المحاضر في جامعة النجاح الوطنية الدكتور فريد أبو ضهير عن شعوره في الشتاء، وخاصة الشتاء القديم صاحب النكهة الخاصة، فيقول: "كان يتميز يالبساطة، فحينها الناس لم يكونوا يحسبون كم كمية المطر الهاطل، وكم تأخر المطر، وكم امتدت أيام المطر، ولم يكن يشتكي أحد من قلة الأمطار".

وأضاف: "كان الناس يتجمعون حول المواقد، خاصة في البرد الشديد، ويتحدثون، ويأكلون، ويسهرون، حيث لا يوجد ما يتسلون به سوى القعدات والأحاديث والقصص والحكايات، مع طول الليل وقصر النهار".

حتى الأمثال الشعبية تتحدث عن نيران الكانون؛ فقالت: "النار فاكهة الشتاء واللي ما يصدق ينصلي"، "دفاها ولا مرعاها"، "الموت ولا فراق الموقدة".

فلعلك اليوم تجوب مناطق بأكملها من مدن وبلدان وقرى ومخيمات وحارات، فلن تجد إلا القليل ممن يشعلون النار على لطريقة الشتوية القديمة.