النجاح الإخباري - على الرغم من التدابير التي اعلنتها السلطة الوطنية الفلسطينية للوقاية من تفشي الوباء العالمي كورونا في الأراضي الفلسطينية وترويج الاعلام الفلسطيني لهذه التدابير بشكل دوري ،وعلى الرغم أيضا من تألق الناطق الرسمي باسم الحكومة في كافة مؤتمرات الإيجاز المسائي حول وباء " كورونا" وما يستجد من إجراءات للوقاية منه ، إلا أنه يجب الاعتراف بوجود فجوة كبيرة ما بين وسائل الاعلام وكافة جهات الاختصاص في لجنة الطوارئ ،وهذا ما أدى الى غياب تأثير الصحافة والاعلام على الجمهور ،وذلك لعدم قيامها بالدور الفعال المنوط بها كشريك في إدارة الأزمة والخروج منها ،حيث كان على كافة وسائل الاعلام أن تأخذ على عاتقها مجموعة من الوظائف والمسؤوليات لما تتعرض له الأراضي الفلسطينية من اختلال في التوازن الطبيعي للأمور وتهديد للمصالح القومية للشعب الفلسطيني ،وليس بانحصار دورها على نقل البيانات والاعداد والإجراءات ومناكفتها احيانا، وهذا ما يدفعنا الى طرح تساؤل اصبح مهما في ظل تصاعد الازمات الفلسطينية ،ألا وهو إذا ما كانت الصحافة والاعلام في فلسطين هي فعلا السلطة الرابعة وتسعى لأن تكون السلطة الأولى ،ولها الحق في ذلك ،فلماذا إذا لا تقوم بدورها في الشراكة المجتمعية وتعميق العمل المشترك مع باقي السلطات لتحقيق الاستراتيجيات والبرامج ،ومن بينها ما تتخذه الجهات الرسمية من برامج واليات للوقاية من انتشار المرض والحد من الخسائر في الأرواح والاقتصاد؟.
إذا ما أراد الصحفيون والاعلاميون والقائمون أيضا على الوسائل الإعلامية بمختلف أنواعها انتزاع صفة السلطة الرابعة بجدارة ،فان نجاحها في هذا الانتزاع لا يتوقف على وظيفة نقل الخبر فقط ،وانما في الشراكة مع باقي السلطات لتحقيق الاستراتيجيات والبرامج لما فيها من مصلحة للشعب الفلسطيني وامنه القومي ،وخاصة في ظل ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من أزمات ،ومنها الازمة الحالية وباء كورونا، وذلك من خلال القيام بوظائف ومسؤوليات كثيرة ،ومن بينها التوعية والاقناع للالتزام بما يصدر عن الحكومة وجهات الاختصاص من قرارات وتدابير احترازية ،مع ممارسة عملية التأثير لإدراك مدى انعكاس عدم تعاون الجمهور مع هذه التدابير على النظام الاجتماعي والسلوك الفردي والاستخفاف بها.
لم يعد يخفى على أحد بأن الوسائل الإعلامية بأنواعها الثلاث المقروءة والمسموعة والمرئية ،بالإضافة إلى وسائط التواصل مثل الرسائل القصيرة والفيس بوك أصبحت من أهم الوسائل التي تعمل على توعية الجمهور، ولذلك يجب استغلالها لتحذير المواطنين بمخاطر الازمة وضرورة الالتفاف حول ما اتخذته الحكومة من تدابير منعا من حدوث أية انعكاسات لهذه الازمة على حياة المواطن المعيشية والاقتصادية ، وللحقيقة هنا ، والتي يجب أن تقال بعد استقرائنا لعلاقة وسائل الاعلام الفلسطينية مع لجنة الطوارئ وطريقة تعاملها مع أزمة الوباء بأن الدور العلاجي والتحليلي لمعظم وسائل الاعلام كان وما زال غائبا عن الشراكة المجتمعية ،كما كانت معظم هذه الوسائل غائبة أيضا عن المشاركة في إدارة هذه الازمة ،وذلك بسبب غيابها عن توعية الجمهور بانعكاسات هذه الازمة وعدم مغادرة مربع الوظيفة التقليدية لها ،وهي نقل الخبر، وليس المشاركة مع جهات الاختصاص ومباشرة عمليتي الاقناع على المواطن والتأثير عليه ،فكيف للصحافة والاعلام في فلسطين ان تنتزع صفة السلطة الرابعة اذا؟.
ان قيام وسائل الاعلام الفلسطينية وبكافة أنواعها والوانها بتوعية الجمهور لما تمر به البلاد من أزمات ،وما يمكن ان تثيره هذه الازمات من قلق وخوف ،مع إقناع الجمهور بطريقة التصرف حيالها ،تتطلب ضرورة المشاركة مع جهات الاختصاص تحقيقا لدورها العلاجي المفترض في مواجهة الازمات ،وليس باقتصار وظيفة هذه الوسائل على نقل الاخبار عن هذه الازمات، حيث أن اقتصار عمل وسائل الاعلام على نقل الاخبار ومناكفتها أحيانا دون القيام بدورها العلاجي في مواجهة هذه الأزمات جنبا إلى جنب مع جهات الاختصاص سيؤدي حتما إلى تفاقم هذه الازمات وليس المساعدة للخروج منها ،ولذلك فان على وسائل الاعلام كافة ممارسة التوعية والاقناع والتأثير في ظل ازمة كورونا من خلال البرامج الإخبارية والحوارية لإلزام الجمهور بكل ما يصدر عن الناطق الرسمي باسم الحكومة ،وذلك من خلال إقناعهم بتعديل السلوك والالتزام به للتحكم بأفعالهم ،مع ضرورة الاظهار ان عدم التزام الجمهور بما يصدر عن الحكومة من إجراءات هو بمثابة السلوك الشاذ والمرفوض دينيا وطنيا واخلاقيا، وهذا ما يتطلب الان وقبل فوات الأوان ضرورة مشاركة نخبة من الصحفيين والإعلاميين في لجنة الطوارئ لمواجهة هذه الازمة وتنفيذها من خلال وضع الخطط وتنفيذها جنبا الى جنب مع الأجهزة الأمنية والصحية لتحقيق الهدف المشترك وهو حماية للأرواح وتخفيف وطأة الازمة.
إلى هذه اللحظة لم تقم الكثير من الوسائل الإعلامية في فلسطين بالدور المنوط بها، حيث غابت البرامج الإخبارية والحوارية عن تقديم ما يحث المواطن على الالتزام الكامل بما اتخذته الحكومة الفلسطينية من تدابير ،حيث كان عليها مكاشفة الجماهير بما ينتظر الأراضي الفلسطينية من أزمات وكوارث في حال استمرار ممارسة الاستخفاف وعدم تحمل المسؤولية الوطنية والأخلاقية والدينية وضرورة تجنب استغلال هذه الازمات تحقيقا لمصالح حزبية او شخصية، ولكن ما يجب ان يقال هنا لنصبح منصفين بأن "فضائية النجاح" لم تألوا جهدا في هذا المجال مع الاعلام الرسمي من حيث مواكبة مؤتمرات الناطق الإعلامي ،والتغطية الميدانية لعمل الاطقم الطبية ،وما تقوم به الأجهزة الأمنية ايضا لتطبيق كافة ما اتخذته الحكومة من تدابير ،بالإضافة الى ما تقدمه برامجها الحوارية من اخطار تأثير الخلاف السياسي على التدابير الصحية بفعل التجاذبات الحزبية ،وهدا ما تجاهلته وسائل إعلامية كثيرة رغم خطورة هذا الموضوع وانعكاسه فعلا على الامن القومي الفلسطيني وصحة المواطن.
باعتقادي ان صفة السلطة الرابعة لا تأتي هبة ،وانما انتزاعا ،وذلك من خلال ما تقوم به وسائل الاعلام من شراكة مع باقي السلطات لمواجهة ما يهدد الامن القومي ، ولذلك فان المطلوب من كافة الوسائل الإعلامية القيام بما هو مطلوب منها أخلاقيا ومهنيا ووطنيا ،بل ودينيا أيضا من خلال التعاون المستمر مع إدارة لجنة الطوارئ بمعنى تعزيز العلاقة المباشرة ولا تكتفي بنقل ما يصدر عن الناطق الإعلامي لتلك اللجنة ،وهذا ما يجب ان تطالب به وسائل الاعلام من خلال وجود نخبة منها كشريك في لجنة الطوارئ للمساعدة والتخطيط والتنفيذ، بالإضافة الى نقل ما يصدر عن الناطق الرسمي من معلومات وبيانات وحقائق وأرقام .
ان العلاقة ما بين وسائل الاعلام وما بين القائمين على تحقيق البرامج والاستراتيجيات ولجنة إدارة الازمة ومواجهتها هي علاقة ارتباطية وتبادلية فكلاهما يجب الاعتماد على الاخر لتحقيق ما هو مطلوب منه للوصول الى الأهداف والواجبات ،فلا نجاح اذا دون الاتفاق ما بين الامن والصحة والاعلام لتحقيق الهدف المشترك ،وهو حماية الأرواح وتخفيف وطأة الكارثة على قاعدة مهنية وطنية للمساعدة والمساندة في تحقيق النتائج ،وهدا ما يجعل الصحافة والاعلام ليس سلطة رابعة فقط، بل وشريك أيضا في باقي السلطة ،فهل يمكن للصحافة والاعلام في فلسطين القيام بهذه المهمة رغم ما تعيشه الأراضي الفلسطينية من انقسام؟.
في نهاية مقالي لا بد من القول إن السلطة الرابعة وجدت فعلا لتصبح اقوى من باقي السلطات وليست شريكة لها فقط، وذلك اذا ما اردنا أن نكون مجتمعاً حراً لا يخضع لاحتلال ،واذا ما اردنا أيضا ان نكون مجتمعا ديمقراطياً لا دكتاتورية فيه ،ولا توغل لحزب او سطوة لبندقية ،وذلك إذا ما استند الاعلاميون والصحفيون فعلا على قاعدة المهنية والاحتراف من اجل الوطن، وليس الاستناد الى قاعدة الاحتراف من اجل الحزب وهي القاعدة التي وان استمروا في الاستناد عليها فانه لا يمكن ان تكون للصحافة والاعلام سلطة رابعة فقط ،بل ان الصحافة والاعلام ستساهم في القضاء على باقي السلطات. فهل يمكن أن تكون الصحافة ووسائل الإعلام لدينا هي سلطة رابعة فعلاً ؟.