طلال عوكل - النجاح الإخباري - ما ان توالت الاعلانات من البيت الابيض، حول نية الرئيس دونالد ترامب، الكشف عن صفقته المشؤومة قبل الانتخابات الاسرائيلية المقررة مطلع اذار المقبل، حتى رفع الكثير من الفلسطينيين اصواتهم بالتساؤل حول ما ينبغي فعله، لمواجهة الخطر المحدق بالقضية و الحقوق الفلسطينية.
وكأن الكشف عن الصفقة ممكن ان ينطوي على جديد لم يعرفه الفلسطينيون، منذ قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة موحدة لإسرائيل. سواء كانت التسريبات التي نشرتها الصحافة الاسرائيلية حقيقية ام لا، فان المتوقع لا يمكن ان يخرج كثيرا عما تم نشره، و هو في كل الحالات لا يقدم اي اغراء ولو صغير، لكي يغير الفلسطينيون موقفهم الرافض و المتحدي لتلك الصفقة.
والحقيقة ان الفلسطينيين قد تأخروا كثيرا في اتخاذ ما تتطلبه المواجهة، و اول ما تتطلبه هو انهاء هذا الانقسام الخطير، الذي يشكل استمراره تساوقا و تسهيلا للسياسة الاسرائيلية و مخططاتها التوسعية، على حساب الحقوق الفلسطيني.
لا يمكن لتصريحات الرئيس ترامب الذي يدعي كذبا انه تحدث مع الفلسطينيين حول سياساته، ان تشوش على الموقف الفلسطيني الجذري الرافض لتلك السياسات، و لا يمكن للرئيس الامريكي ان يراهن على استعداد الفلسطينيين للقبول بالتعاطي باي شكل مع تلك السياسات.
في وقع الامر لم يعد ممكننا التمييز بين سياسات الولايات المتحدة و السياسة الاسرائيلية، الامر الذي يشير على نحو صحيح الى وجود شراكة كاملة و تحالف شيطاني بين الطرفين. و لكن لماذا يختار الرئيس الامريكي الاعلان عن صفقته في هذا التوقيت بالذات، و بعد تأجيل الاعلان عنها لفترة طويلة من الزمن في انتظار وجود حكومة اسرائيلية مستقرة و قادرة على اتخاذ قرار؟.
من الواضح انه تولد لدى ادارة ترامب استنتاج، بان الانتخابات التي ستجري للمرة الثالثة في غضون عام، لا تمنح نتنياهو و ربما لا تمنح منافسيه، الفرصة للنجاح في تشكيل حكومة، الامر الذي قد يدفع الامور نحو انتخابات لمرة رابعة. بعد ان فقد نتنياهو الحيلة لإنقاذ مستقبله السياسي، و بقاءه على رأس الحكومة يتقدم ترامب بكل ما يستطيع لإنقاذ شريكه، الذي يحظى بإعجابه و تأييده.
ثمة تدخل امريكي مباشر و من رأس الهرم السياسي الامريكي، في الانتخابات الاسرائيلية لصالح نتنياهو بالطبع. الصفقة التي يعلنها ترامب تنطوي على هدايا كبرى و دعم لا محدود لإسرائيل، و الرسالة التي ارادها للإسرائيليين هي ان نتنياهو هو الرجل الذي ينجح في تحقيق الانجازات و في حماية اسرائيل و امنها و تفوقها و بالتالي فانه يشكل الضمانة الاكيدة لتعزيز الشراكة مع الولايات المتحدة.
لأجل هذا يستدعي الرئيس الامريكي كلا من نتنياهو و بيني غانتس الى امريكا، في محاولة للضغط على غانتس، و لضمان حماية شريكه نتنياهو، الذي تتهاوى فرصه في الحصول على طريقة لإنقاذ مستقبله السياسي، بسبب الملاحقات القضائية التي تنتظره، و التنافس القوي بينه و بين غانتس. المعارضة الاسرائيلية تدرك اللعبة، و لذلك يتردد بيني غانتس في تلبية الدعوة.
ليبرمان طالب الولايات المتحدة بتأجيل الاعلان عن الصفقة الى ما بعد الانتخابات الاسرائيلية، و اخرون طالبوا الولايات المتحدة للكف عن التدخل في الانتخابات.
من الواضح ان التدخل الامريكي المباشر لصالح نتنياهو، يحدث ارباكا شديدا في المشهد السياسي الاسرائيلي، و يشكل احراجا شديدا لبيني غانتس، فهو لا يستطيع التسليم برغبة ترامب انقاذ نتنياهو، و لا يستطيع ايضا المجازفة بالعلاقات الممتازة مع هذه الادارة، التي سيحتاج هو الاخر الى مواصلة دعمها لتنفيذ مخططاته التي لا تختلف عن المخططات التي يتبناها و ينفذها غريمه نتنياهو.
و على خط مواز يقع ارتباك ظاهر في الوسط السياسي الامريكي، اذ ترتفع اصوات المعارضة للسياسة التي تتبناها الادارة القائمة، و التي تعتمد ساسة الخطوات الاحادية، بما قد يحرج الولايات المتحدة امام حلفائها في الاقليم و العالم بدون النجاح في اقفال ملف الصراع ازاء قضية معقدة، لا يمكن اقفالها عبر اساليب القوة.
في كل الاحوال من غير المتوقع ان يغير ترامب سياساته تجاه ملف الصراع الفلسطيني و العربي الاسرائيلي، نحو اعطاء فرصة لعملية سلام متوازنة، و لذلك فان الاوضاع تتجه نحو الانفجار في اطار صراع مفتوح، على كل الحقوق و كل الارض، و على هذا ينبغي للفلسطينيين ان يبنوا استراتيجيتهم. اذا كانت مرحلة اوسلو و البحث عن السلام من خلال المفاوضات، و على اساس رؤية الدولتين قد انتهت منذ وصول ترامب للبيت الابيض و ربما قبل ذلك، فان الاعلان عن الصفقة يضع صخرة كبيرة على تلك المرحلة، لتبدأ مرحلة جديدة بكل معنى الكلمة.
ان خطوة ترامب ابعد كثيرا من مجرد التدخل لإنقاذ شريكه بنيامين نتنياهو و ان كان هذا التدخل في هذا التوقيت يشكل هدفا فرعيا مباشرا.