اكرم عطا الله - النجاح الإخباري - الرد العفوي من قبل الناس على الفتوى الداعشية التي صدرت عن أحد الشيوخ كان كافياً لتقديمه اعتذار ملتو، لم يتراجع الشيخ محاولاً ايجاد حل وسط يحميه من وطنية ونقاء الرأي العام الغاضب والساخر وبين قادته السياسيين والدينيين أمثال الشيخ صالح الرقب المعروف بفتاويه المتطرفة والذي كتب مباركا لدعشنة تلميذه.
الذائقة الشعبية والرأي العام تكفل به ولكن المسألة يجب أن تفتح نقاشاً أوسع من شيخ يقول رأيه التحريضي والذي من الممكن أن يدفع للاعتداء والعنف وحتى القتل ولدينا تجربة دامية من فتاوى القتل لكن الأهم ماذا تعني الفتوى؟ ومن هو هذا الرجل؟ ومن الذي نصبه والياً أو ولياً على الناس ليتدخل في شئونهم ويحرض عليهم وهم لم يتجاوزوا القانون الحكم النهائي بين الشعوب وليس أمزجة البشر.
فرقة "صول باند " الغنائية هي فرقة وطنية بالأساس وغنت لفلسطين وللوطن ويبدو أن الشيخ الذي هاله أن تقف فتاة وتغني لم يحتمل المشهد رغم أن أولويات الكارثة في غزة لا حصر لها ولكن الشيخ المحصور بشعر الفتاة أو عقدة الجسد أصدر فتواه وفقاً لأولوياته تلك الفرقة التي مثلت الأمل في غزة تتعرض بعد الفتوى العنيفة الى قدر من التهديد وهو ما يجعل الداخلية المكلفة بحماية الثقافة تحذرهم من الخروج للشارع والأشد حزنا وغضبا أن تتوقف الفتاة التي كانت في الفرقة عن الذهاب لمدرستها فأهلها لم يعودوا يحتملون حجم تحريض الشيوخ أبناء مدرسة الذين يحرضون على العنف والكراهية .
الرجل أو الشيخ "وكلمة شيخ لا علاقة لها بالدين بل بالسن وهي من الشيخوخة ولكن يستطيب رجال الدين صغار السن اطلاق تلك الوصفة ليبدو كباراً في السن لأن ذلك يعني النضج العقلي ، الرجل عضواً في رابطة علماء فلسطين وماذا تعني تلك الرابطة؟ هي تجمع لأناس يفهمون في اختصاص معين مثله مثل أي اختصاص لا يخول صاحبه بالفهم بكل شيء تلك الرابطة تتبع لحزب سياسي وتجربة الأعوام الأخيرة وما عرف بالربيع العربي أسقطت ثقافة الفتوى التي وصلت الي أن يقوم ذات مرة كبير مفتيي رابطة علماء المسلمين الشيخ يوسف القرضاوي بالاستنجاد بأميركا ضد الجيش السوري، لم تكن المسألة في موقفه السياسي بل لأن تلك الفتوى كانت برائحة قطرية لأن موقف قطر حينها هو التآمر مع الشيطان لإسقاط سوريا أي فتوى تتبع النظام السياسي .
أما الفتوى في السعودية فحدث ولا حرج اذ تحولت الى حالة من السخرية بعد التقلبات التي شهدتها السعودية ورياح التغيير هناك اذ أن نفس المفتي بعد التغيير أفتى بما يعاكس تماماً كل فتاويه ويتداول الناس تلك المقاطع للسخرية وأمام انكشاف الفتوى والمفتيين تراجعت أهمية الفتوى وشيوخها.
لكن السؤال من هو المفتي؟ وما هي الفتوى؟ وهل يحتاج المجتمع لتلك الفتاوى؟ ومثلها ما هي مهنة التفسير والمفسرين؟ أغلب الظن أن تلك مهنة أو مهن الاشتغال بالدين وهي مهنة رائجة في المجتمعات العربية والغريب أن القرآن نزل بلغة عربية سهلة لدرجة أن الأميين في بلاد الحجاز كانوا يفهمونه لحظة نزوله دون وسطاء حتى أن بلال الحبشي العبد الأمي اّنذاك فهم القران وروحه ونصوصه .
تماماً هي مهنة المفسر الذي اخترع لنفسه صنعة لما هو مفسَّر وسهل ولنتصور أن تلك المهنة اختفت ماذا سيفعل هؤلاء ؟ الذين يحاولون اضفاء نوع من القداسة على مهنتهم والأهم أن الأحزاب السياسية التي أقيمت بمبررات دينية سينتهي دورها الوظيفي وستختفي ولكن السؤال الآن من أعطى هؤلاء تلك الأهمية؟ هنا الاجابة التي يجب أن نقف أمامها، انهم الناس الذين يتعاطون بجدية معهم بنوع من التقديس بل ويعودون اليهم في كل صغيرة وكبيرة وبالتالي يأخذ المفتي أهميته من الناس ومن الموقع الذي يعطيه الحزب السياسي.
سبق لي التدقيق ببعض المفتيين وخصوصاً السعوديون منهم أحدهم كان يركز على قضية معينة ثم اكتشفت السلطات أنه متورط في جريمة "لا داعي لسرد القضية المخجلة" لكن الاكتشاف وهو الأهم وما يعرفه علماء النفس أن الفتوى تنطلق من التجربة الشخصية والعقدة الشخصية والحالة النفسية والتربية الفردية للمشتغلين بتلك المهنة وهذا ما يفسر الاختلاف حد التناقض بينهما لأن التجارب والعقد مختلفة والتربية كذلك لذا تجد مفتي شديد المرونة لأن تجربته خالية من الأحقاد وتربيته السلوكية ونشأته ببيت متسامح فيما تجد بعضهم تطغى على فتاويه روائح الكراهية والتحريض "ابحثوا عن تنشئته ونفسيته" وبعضهم دائم الحديث عن المرأة "ابحثوا عن المرأة في داخله".
أوروبا مرت بتجربة رجال الدين وكان لديها من يمتهنون تلك المهنة ومع الثورة الصناعية والعلمانية والسوق الحر والخصخصة تمت خصخصة الدين وأصبح مسألة بين الانسان وربه واختفت تلقائياً مهنة رجال الفتوى والتفسير ومعها الأحزاب الدينية والأزمة لدينا أن الدين ورغم تجربتنا الدامية في بعض الدول العربية وكيف تم استخدامه وكم تكلفة الدماء التي سالت ولازال في اطار التعميم وهذا ما يفسح المجال لاستمرار الاشتغال بتلك المهنة لتفسير كتاب الله البسيط والواضح والعربي الذي يفهمه أي انسان في عصر انتهت فيه الأمية وأذكر كم كانت أمي التي لا تعرف القراءة شديدة الايمان ولم تحتاج يوما الى مفتي أو مفسرين لدينها الطيب .
والأهم أن تعود المجتمعات العربية بالاعتماد على نمط حياتها على رجل الدين هو الذي يعطيه تلك الأهمية وذلك التأثير وهذا ربما جزء من الارث الجميل حين كان رجل الدين في القرية هو رجل الاصلاح ولا يدعو الا للحسنى واصلاح ذات البين واقامة الصلوات حينها كان مرجع للناس ... لكن أن يبقى مرجعهم في عصر الكراهية ؟فتلك مسألة يتحمل مسئوليتها الناس أنفسهم...!!!