أكرم عطا الله - النجاح الإخباري - كان أفيغدور ليبرمان الأكثر وضوحاً في التعبير عن سياسة إسرائيل خلال السنوات الماضية تجاه قطاع غزة حين قال "سنبقي رؤوس الغزيين فقط فوق الماء" ليس لأن ليبرمان يقول الحقيقة بل لأن الواقع يثبت أن ما فعلته اسرائيل خلال السنوات الماضية منذ حكمت حماس قطاع غزة هو أنها أبقت رؤوس أهلها فوق الماء فقط أحياء يتنفسون.
لا أحد من أطراف المعادلة يريد الحرب ويبدو أن هذا وضعاً مثالياً للخصوم في غزة وتل أبيب فهذا الوضع الفلسطيني وخصوصاً في غزة يعتبر مثالياً بالنسبة لها ومن الحماقة أن نعتقد أن إسرائيل ترغب بإحداث أي تغيير فيه بل أن الشواهد تؤكد أن ما تفعله إسرائيل هو الحفاظ على هذا الوضع وأدامته بقدر الامكان بل واعطاؤه أنبوب الحياة ليستمر هكذا بلا موت وبلا حياة لذا فان الاعتقاد أن حرباً قادمة يمكن أن تحدث تغييراً في الوضع الراهن هو نوع من التحليل الرغائبي للبعض لكن السنوات الماضية أثبتت أن إسرائيل ترى في الانقسام الفلسطيني المتمثل بحكم السلطة للضفة وحكم حماس لغزة بعيداً عن السلطة المركزية هو ذروة نجاح مشروعها للأمن القومي الذي تم وضعه منذ ثمانينات القرن الماضي والقائم على فكرة التخلص من الكتلة الديمغرافية في غزة واخراجه من المعادلة وفصله.
أما بالنسبة لحركة حماس فان آخر ما تتمناه هو الحرب فالحروب الثلاثة التي شنها الاسرائيلي على قطاع غزة وفق نظرية جز العشب التي يتبعها وكانت تعيد الحركة في كل مرة للبدء من جديد ولم تحقق خلالها انجازات على صعيد الحصار بل كان يتبعها اعادة ترميم مكلفة هي آخر ما تريده الحركة حالياً فان كل ما تحتاجه هو اتفاقيات تهدئة طويلة تضمن الاستقرار للحكم في القطاع، الساحة الداخلية الاسرائيلية التي كانت لعبة الانتخابات فيها سبباً للحرب خلال الدورات الانتخابية الاخيرة لا تدفع للحرب هذه المرة لقدرة الحزب الحاكم على الفوز وفرصته الكبيرة بتشكيل الحكومة دون استعراض عسكري قد لا يتحقق وبالتالي فلا اسرائيل ولا حماس تريدان الحرب.
شواهد التصعيد في العام الأخير تعكس هذا الواقع الذي بدا فيه الطرفان يتحركان بمستوى معين وان كانت حركة حماس تدفع باتجاه تصعيد محسوب ليس من أجل الحرب ولكن من أجل تحريك ملف الحصار الذي لم يتحقق أي من وعود رفعه الكثيرة التي نقلها الوسطاء مرارا.
لم يعد هناك وسطاء يتحركون سوى عندما تصل الأمور الى حافة الهاوية لأنهم أيضاً لا يريدون اشتعال المنطقة أو يتحركون برغبة أي من الطرفين لذا ما أن يبدأ التصعيد حتى يأخذا بالبحث عن كوابح التهدئة ثم يختفي الوسطاء مع عودة الأمور لما كانت عليه من حصار وتجاهل اسرائيلي لكل الوعود وهكذا ستستمر حالة المداورة كما هي بلا تغيير لا حرب ولا تهدئة تامة ولا اتفاقيات ولا رفع حصار ولا حياة ولا موت هذا قدر غزة هدوء أصعب من الحرب ولا تغيير في الأفق فالأمر لا يتعلق بالانتخابات في اسرائيل بل بمشروع الأمن القومي الذي سيحافظ على هذا الوضع طويلاً ويبدو مرشح للاستمرار..!!