أكرم عطا الله - النجاح الإخباري - ولأنني أعرف الدكتور ابراهيم أبراش جيداً ، أعرف نزاهته واستقامته النادرة في هذا الزمن الرخو والذي انهارت فيه كل المعايير، وأعرف كفاءته السياسية والأكاديمية أكثر ،أعرف أنه على حق فيما يراه وما حدث في جامعة الأزهر التي كُلف برئاسة مجلس أمانتها العام الماضي.
ثلاثة أسباب استوجبت احترام هذا الرجل عندما تتم مخاطبته أو الرد على رسالته أولها أنه الوزير السابق الذي لم تقال بحقه كلمة سوء، خرج نقياً من المسئولية وهي نادرة بعد تجربتنا، والثانية أنه برفسور مؤلف لعدة كتب هامة، والثالثة أنه كاتب ومفكر لكن في الزمن الذي تساوى فيه كل شيء ولم يعد للأشياء قيمة أصبح كل شيء جائز وفي بلد مشبع بالخسارات يحاول الناس التعويض بالألقاب والمسئوليات فقد تاه كل شيء في وطن أصبح متخم بالسياسيين ولا سياسة لدينا ، وبالكتاب ولا شيء يكتب ، وبالمفكرين ولا فكرة تطرح ،وطن مليء بكل شيء وفارغ من كل شيء حينها كل شيء جائز.
لقد تسلم أبراش مجلس الأمناء احتراماً لقرار الرئيس وسط معارضة الكثير من الأصدقاء الذين عبروا له صراحة عن رفضهم لقبوله هذا التعيين، لكن الرجل الذي رأى في الموقع أنه تكليف طوعي يشكل فرصة للحفاظ أو لإسناد آخر المؤسسات الوطنية في قطاع غزة، لكن الحقيقة أنه تسلم المهمة في أصعب الظروف ولم يدرك أن الفشل أقوى من النجاح وأن مناخات العمل لا تشكل بيئة حاضنة للنجاح وأن معظم مؤسساتنا إما مشلولة أو تتجه للانهيار ،وأن ضمان النجاح في قطاع غزة لجامعة لم يعد باستطاعة الطلاب دفع الرسوم أو حتى الوصول للجامعة يبدو بحاجة لمعجزة ، وأن افلاس صندوق الادخار سيفاقم الأزمة وبالتالي ستنفجر في وجهه في الأسابيع الأولى وهذا ما حصل ومع ذلك أقدم الرجل على تلك المغامرة الخطرة.
كان يجب أن يبتعد الجميع وأن يُعطى الرجل فرصة يضع خبرته الأكاديمية فهو أستاذاً في جامعات المغرب قبل عودته للوطن وأصبح بعض طلابه هناك وزراء في حكومات متعاقبة في المغرب يدينون له بالاحترام، لكن كعادتنا نعمل بلا قانون ولا نهتم للاختصاص فكلنا متخصصون في كل شيء ولا نجيد أي شيء كعادة الفلسطيني لذا ليس مصادفة أن نرى أن مؤسساتنا تسير بالشكل المعاكس.
في اسرائيل جامعات كثيرة ولو سارت تلك الجامعات وفق أهواء الأحزاب السياسية وتدخلاتها لأصبحت مثل جامعاتنا ولدينا جامعات ناجحة بالضفة لأنها سيدة نفسها وليس مصادفة أن يكون مستوى جامعات غزة الي تصر الفصائل أن تسيرها بهذا الشكل.
الدكتور أبراش واحد من منتجي الثقافة والفكر السياسي القلائل فهو أول من تنبأ بما ستؤول اليه الأمور في غزة في كتابه " صناعة الانقسام - دولة غزة" في الوقت الذي لم يصدقه أحد وهو المنتمي لحركة فتح منذ مطلع سبعينيات القرن ويعتبر واحداً من مفكريها القلائل بعد غياب اّباء الفكر من الحركة ولكن لم يتم استغلال الرجل جيداً ليجد نفسه في صدام مع التنظيم الذي ينتمي له كيف ولماذا؟ لقد أجاب عن ذلك في رسالة وجهها للرئيس لم تخل من قسوة مشبعة بمرارة اللحظة بأن هناك مجلساً لم يتدخل في تعيينه وبأنه لا يستطيع التمديد للرئيس الحالي لأن القانون يمنع ذلك لترد عليه اللجنة الحركية بجامعة الأزهر ببيان لا يليق بالرجل ولا بالاعتبارات التي استدعت الرد عليه كابناً مخلصاً لحركة فتح ومواقعه السابقة والحالية وهو المختلف عن كل المنتمين للفصائل الذين أصابهم نهم المواقع والمسئوليات، فقد ترك وزارة الثقافة طوعاً وها هو يغادر موقعه الحالي أيضاً كرجل لم يطلب ولاية في حياته وحين كان يولى كان يقبل خجلاً أو احتراماً ولكننا في وطن لم يعد أحد يحترم أحد، كأننا فقدنا كل المعايير في حوارنا وفي أحكامنا وأصبحنا أكثر قسوة وأكثر عنفاً وهذا طبيعي عندما لا تنجح الشعوب والقوى تفقد ثقتها بنفسها فتصبح أكثر قسوة... هكذا نحن ...!!!