طلال عوكل - النجاح الإخباري - طلال عوكل ضيق و محدود المربع الذي يتحرك فيه بنيامين نتنياهو في ما يتعلق بخيارات التعامل مع قطاع غزة. ستة وستون جمعة غضب، شهدتها الحدود الزائلة بين غزة و الاراضي المحتلة عام 1948 ،كانت شكلا من اشكال الابداع الفلسطيني، غير المتوقع، لتعظيم الاشتباك مع الاحتلال. الاحتلال الذي يحاصر قطاع غزة، منذ اكثر من ثلاثة عشر عاما، راهن على ان يتخلص من مسؤولياته القانونية و السياسية و الانسانية تجاه القطاع، و التخلص من مليوني فلسطيني يتم اقصاؤهم من الحسابات الديموغرافية، و يحيل سكان القطاع الى ثكنة عسكرية مغلقة، يعتقد انه يمكن التعامل معها في الوقت و بالطريقة المناسبة لتحيق اهدافه.
رسالة غزة عبر مسيرات العودة تقول بان الفلسطينيين في القطاع يستطيعون ملاحقة الاحتلال، و الاشتباك معه بفعالية من خلال اشكال المقاومة الشعبية السلمية. خلال الستة عشر شهرا المنصرمة على انطلاق فعاليات مسيرة العودة و كسر الحصار، حاول الاحتلال ان يحصل على تهدئة مجانية، او باقل الاثمان، و لذلك لم تنجح كل محاولات الوسيطين المصري و الاممي و حتى القطري، في ان تبلور صيغة تفاهمات مقبولة من طرف اسرائيل و الفصائل، بدليا ان اسرائيل لم تلتزم ولا مرة بما يتم التوصل اليه من تفاهمات. يثير ذلك الكثير من غضب الفلسطينيين الذين دفعوا في تلك المواجهات ثمنا باهضا من الشهداء والجرحى، طالما ان الاحتلال يماطل و يرفض الاذعان لمطالب الفصائل التي ترفع شعار كسر الحصار.
وإذا كانت الفصائل في غزة تعمل وفق رزنامة وقت ليست مرهونة بأية استحقاقات، سوى رفع الحصار عن القطاع، وهي مستعدة لان تدفع الثمن، فان اسرائيل كانت كل الوقت محكومة لحسابات و معادلات داخلية واستحقاقات انتخابية، تملي على نتنياهو حسابات معينة، لا تتفق و مصلحة الفلسطينيين في تحقيق هدف كسر الحصار.
نتنياهو في وضع صعب ومصيري، فاذا كانت المكافآت والدعم الذي تلقاه من الولايات المتحدة، لم تحقق له فوزا كاسحا، مما ادى الى فشله في تشكيل حكومة وفق مقاساته، فانه خلال الانتخابات التي ستجري في شهر ايلول القادم، لا يملك ما يحقق له حتى الفوز الذي حققه في الانتخابات السابقة. هذه الوضعية تتحكم في حسابات نتنياهو من ناحية، و الفصائل من ناحية اخرى. الفصائل تدرك المأزق الذي يعيشه و يعاني منه نتنياهو، و لذلك فإنها تضغط من خلال العودة للوسائل الخشنة، ومؤخرا وفي حضور الوفد الامني المصري في غزة، اطلقت صاروخين على مناطق فارغة هما عبارة عن رسائل ساخنة لإسرائيل. من الناحية الاخرى نتنياهو لا يستطيع المغامرة بشن عدوان واسع لا اهداف له مقنعة، و هو خاسر في جولات العنف المحدودة التي تقع، و خاسر ايضا حين ينفذ ما يتم الاتفاق عليه من التفاهمات، لأنه سيتهم من قبل معارضيه، بانه رضخ لحماس و الفصائل.
لا يمكن لنتنياهو ان يتوسل الانقاذ من الفلسطينيين، و اعتذاره عن اغتيال الشهيد محمود الادهم و اعتباره ذلك خطأ ناجم عن سوء فهم، يشير ان في موقف ضعف. على ان هذا الشعور بالضعف و قلة الحيلة و محدودية الخيارات بالنسبة لنتنياهو، يمكن ان يدفعه لارتكاب مغامرة خطيرة، بالذهاب الى عدوان واسع و مكلف للطرفين على قاعدة المثل المعروف " عل و على اعدائي" ، طالما انه خاسر في كل الاحوا. و لهذا لا ينبغي تجاهل التهديدات التي اطلقها نتنياهو مؤخرا، و يشير فيها الى ان الجيش ينتظر منه الضوء الاخضر لتنفيذ عملية عسكرية ستؤلم حماس. يبقى احتمال اخر امام نتنياهو، و هو ان يدفع الاوضاع نحو تصعيد محدود و محسوب زمانيا يتخلله عمليات اغتيال لعدد من قيادات حماس و الفصائل الاخرى. الفصائل هي الاخرى في وضع صعب، اذ لا يمكنها ان تواصل الصبر، و تقديم الضحايا بعد ستة و ستين جمعة بدون طائل، او في انتظار ما تفضي اليه الانتخابات الاسرائيلية من نتائج، في كل الحالات من غير المتوقع ان تحمل جديدا ايجابيا بالنسبة لسكان القطاع المحاصر، و لكنها تحاول ان تدفع الاحتلال نحو ان يكون المسؤول عن البدء بالتصعيد.