نابلس - النجاح الإخباري - اذا اردت ان تتعرف على حال القضية الفلسطينية، فأنظر أولا الى واقع شعبها وقياداتها، ذلك قبل ان تنظر الى الوضع العربي والإقليمي والدولي.
ودائما هذا هو المعيار المناسب، واستحضره ونحن وغيرنا ممن يتذكرون، نحيي الذكرى الحادية والسبعين لولادة نكبتنا الأولى التي نرمز اليها عادة بنكبة الـ 48، كما أحيينا قبل سنتين ذكرى مرور نصف قرن على نكبتنا الثانية التي نؤرخ لها بحزيران 67 .
الأولى والثانية لا يتحمل الفلسطينيون مسؤولية عنها، فالاثنتان كانتا نتاج معادلات إقليمية ودولية وسياسات لنظم وزعماء مؤثرين في زمنهم، بمعنى ان الاثنتين وقعتا وتكرست نتائجهما على ارض الواقع بفعل موازين قوى كان الفلسطينيون لا حول ولا قوة لهم فيها بالقياس لخصومهم.
اما من يفترض أنهم حلفائهم فقد كانوا اكثر ضعفا منهم فبائت كل محاولات انقاذهم بالفشل، وكذلك كل محاولات الحفاظ على حقوقهم او استعادة بعض منها
غير ان الفلسطينيين لم يستسلموا لنتائج النكبتين، فقاوموا بكل ما لديهم من إمكانات وكان نجاحهم الأبرز رغم ضياع الأرض كلها استعادة هويتهم السياسية ودخول قضيتهم الى المعترك الدولي كقضية أساسية يستحيل تجاهلها او الغاؤها.
غير ان النكبة الثالثة التي حلت بالفلسطينيين فقياداتهم تتحمل المسؤولية الأولى عن وقوعها ، ورغم ما يقال عن تأثير قوى خارجية فيها، الا ان هذا التأثير يظل محدودا بل يمكن ان يكون عديم الفاعلية لو حصن الفلسطينيون بيتهم واغلقوا كافة المنافذ التي تسمح لقوى خارجية بالتدخل والعبث، انها النكبة الافدح وربما الأخطر، نكبة الانقسام الذي وقع بفعل الصراع على السلطة والنفوذ، في وقت يقع فيه الجميع تحت سلطة الاحتلال المباشرة وغير المباشرة، ويعاني الشعب كله الامرين بفعل بطشه وتنكيله.
فلأول مرة في تاريخ الشعب الفلسطيني الطويل والعريق والمليء بالمآثر، يحدث انقسام افقي وعامودي، أصاب المجتمع والوطن وانجازات الكفاح الطويل بجرح بليغ وصل الجذور، هذا الانقسام صار عمره اثنا عشرة سنة وكل يوم يمر يزداد اتساعا وتعمقا وقربا من كارثة الانفصال.
لا اغالي لو وصفت نكبة الانقسام بأنها الاعمق والأخطر، ففي حياة الشعوب تحدث غزوات واحتلالات اجنبية، الا انها تزول بفعل كفاح وطني عنيد يخوضه الأقل قدرة والأكثر عدلا، فيكسبونه ويتحررون، الا ان ما يجري عندنا يبدو خارجا عن كل قوانين الصراع التي حكمت الشعوب المحتلة والمغلوب على امرها، فالصراع على السلطة عندنا الذي افرز هذه الكارثة، يتفرع ويتشعب ويتعمق ويلح حتى صار اكثر حضورا في حياتنا من الصراع البديهي مع الاحتلال، من هنا ندرك مدى التدهور الذي بلغته حالتنا ويبدو اننا لم ندرك بعد ان تقدمنا نحو اهدافنا العادلة مرهون بقدرتنا على معالجة هذا الجرح وانهاء اثاره المدمرة على شعبنا وحقوقنا، وأخطر ما في الامر ان هذه النكبة المعيبة تأتي ومصيرنا مطروح على موائد المؤثرين في السياسات والمصائر، ومن يرى حالنا يكاد يقول ان هؤلاء لم يسمعوا بصفقة القرن وما تحمل.