نابلس - النجاح الإخباري - هل هو بمحض الصدفة أن يكون وضعنا الراهن كشعب ووضع قضيتنا وحقوقنا ومشروعنا الوطني قد بلغ أسوأ حالاته منذ وجدنا كشعب ووجدت قضيتنا؟ عندنا من يتوهم بأنه قادر على تبرئة نفسه من المآل الذي وصلنا إليه، بنفي أي علاقة له بهذا التردي، بل يصل الامر بهم حد إنكار أن هناك ترديا في الأوضاع، وأن حالنا من كل الجوانب على ما يرام باستثناء مثالب صغيرة ومحدودة مثل اضطرار مئات الاف البشر بضغط انفسهم والعيش على نصف الراتب، ومثل انقسام الوطن إلى جزئين بحيث صار أقرب إلى الانفصال، ومثل انسداد آفاق الحل السياسي الذي كنا نراهن على أنه سينقلنا الحكم الذاتي إلى الدولة.

نوافق على مضض على أن مسؤولية هذا التردي لا تقع على عاتق شخص واحد أو تشكيل واحد، بل أنها كانت خلاصة تضافر عوامل وقوى عديدة أدت بنا إلى ما نحن فيه ولا شك أن لنا دوراً أساسياً في ذلك.

وإذا وافقنا على هذا الطرح فهل هنالك منطق للاختلاف حول اننا كفلسطينيين نتحمل المسؤولية الأولى عن الخروج من هذا الوضع، وتحصين حقوقنا وآمالنا خشية أن تتبخر بفعل استمرار الوضع الكارثي، وكذلك بفعل إصرار بعضنا على استخدام الحلول اللغوية لمشاكل في غاية التعقيد. الوصفة التي اخترعها العاجزون ويتمسكون بها هي مواصلة القول بأن جذر المآسي الفلسطينية هو التمسك بالثوابت، وكأن الثوابت وفق هذا المنطق لم تعد أسس قضية ونضال واهداف، بل صارت تبريرا جاهزا لكل ما هو كارثي في حياتنا.

لقد اضحى ضروريا المقارنة بين حالنا في ما اسميه بالعصر السياسي الذهبي الذي كانت أهم مقومات نجاحه قيامه على مؤسسات حقيقية وحديثة وفعالة، وحالنا اليوم الذي ان كان هنالك اجماعا فلسطينيا فهو على سوءه وانحداره وترديه. ومع انني من الذي يذكرون كثيرا بما أصفه بالعصر الذهبي السياسي، إلا أنني لا اعتبر أن كل ما فعلناه بالماضي كان نموذجيا ورغم ذلك فهو افضل بكثير من حالنا الان.

كان عندنا مؤسسة برلمانية هي من الأفضل على مستوى العالم، وكان ينبثق عنها مؤسسات تغطي احتياجات الشعب الفلسطيني على كل المستويات، هذه المؤسسة البرلمانية التي كان اسمها المجلس الوطني حمتنا من كوارث الانقسامات والتشرذم، وانقذت وحدتنا الوطنية من كل من زرع بذور شقاق وفتن في داخلها، وحين عدنا الى الوطن حاملين امال التحول من سلطة حكم ذاتي محدود الى دولة حقيقية، أسسنا برلمانا منتخبا وضع عشرات القوانين ومارس دوره في المسائلة والمتابعة، ربما ليس بصورة نموذجية ولكن كان فعالا وواعدا. انبثقت عنه مؤسسات ووزارات جعلتنا في بادئ الامر نثق أننا على طريق الدولة المكتملة سائرون.

بعد ربع قرن من التجربة مؤسف أن نقول جميعا لم يعد عندنا شيء مما تقدم، بل عندنا تبرير وتفسير للفراغ والخواء، عندنا في غزة مثلا هروات تهوي على رؤوس المطالبين بالعيش، وعندنا في كل الوطن ارتفاع لنسبة المتشوقين للهجرة إلى المنافي البعيدة ولولا تعقيدات الحدود والمخارج لرأينا ما لا يسر في امر الهجرة ولا أقول اكثر من ذلك.

وبموضوعية فإن الحل من هذه المعضلة ليس بعيد المنال، إلا إذا قرر عشاق الجمود ومستثمروا البقاء في الوضع الراهن، بأن يبقى الوضع على حاله مستهلكين الوقت في جدل حول من المسؤول عن الانقسام، بنفس طريقة الجدل السرمدي حول من الذي انجب الاخر البيضة ام الدجاجة.

الحل بسيط ومتاح، لو أراد المتنفذون الخروج من الدوامة ، انه باختصار ودون إطالة العودة الى ما اوصلنا في الماضي الى العصر الذهبي السياسي، وهذا القرار بأيدينا ولا يجوز ان ننتظر سماحا من إسرائيل بذلك، او ان تأتي قوة ما لانجاز ذلك فهذه هي الوصفة الناجعة لمزيد من التدهور والتردي.

كل الدول والشعوب والمجتمعات على اختلاف معتقداتها واشكال نظم الحكم فيها تجد المخرج من ازماتها بإعادة الأمانة الى الشعب عبر انتخابات حرة ونزيهة، وهذ ما ينبغي ان نفعله كفلسطينيين ليس كنهاية للأشياء وانما كبداية لطريق صحيح يفضي الى نتائج صحيحة.