النجاح الإخباري - لا أحد يتوقع أن يدير الرئيس الأميركي دونالد ترامب سياسة رصينة، فتاريخ الرجل والصور السابقة التي خرجت تشير الى أننا أمام رئيس شعبوي من طراز رفيع ومراهن أو مراهق في سلوكه العادي ولم يكن ترشحه لرئاسة الولايات المتحدة سوى لرفع اسم شركته وإبرازها كما قال أحد مساعديه ولكنه نجح وفي تلك الليلة بكت زوجته بعد اعلان النتائج لأنها تعرف حقيقة قدراته وفهمه للأشياء.
نحن أمام رئيس يشكل انتخابه انقلاباً على كل شيء في الولايات المتحدة وإذا كانت السياسة الأميركية التي اتبعت خلال العقود الماضية منذ بدء عملية التسوية هي ادارة الصراع وليس حله وفي ذلك ما يعزز المصالح الأميركية لأن استمرار ايهام العرب بأن الولايات المتحدة تعمل على حل القضية الفلسطينية ما يجعلهم دائمي الثقة بها ومستعدون للدفع طوال الوقت بانتظار هذا الحل الذي لن يكون ولكنه على الأقل يجعلهم يدورون في فلكها.
هذا كان واضحاً منذ البدايات وقبل توقيع اتفاق أوسلو حين ذهب شمعون بيرس في عطلة نهاية الأسبوع وطلب لقاء وزير الخارجية آنذاك وارن كريستوفر ليطلعه على الاتفاق مع منظمة التحرير الفلسطينية وعندما نقلوه الى مكان العطلة الأسبوعية لأنه أبلغهم أن الأمر طارئ وحين أفصح عن السر صرخ أحد مساعدي الوزير معرباً عن غضبه قائلاً "لقد أحييتموها بعد أن ماتت" ويقصد المنظمة.
أدارت الادارة الأميركية التسوية بشكل ماكر أدى الى تبهيت الحقوق الفلسطينية وتطويع منظمة التحرير وتعقيد الأزمة أكثر وفقط كانت قضية الصراع بالنسبة لها مجرد حالة استخدامية لإيهام العرب ، تستخدمها لدفعهم معها في تحالف ضد العراق في الحرب الأولى عام 1992 حين وعدتهم بمدريد والثانية عام 2003 حين وعدتهم بخارطة الطريق وأخذت أميركا كل شيء وتركت العرب والفلسطينيين بلا شيء واستمرت في ادارة الأزمة لمزيد من ابتزاز العرب وفي الطريق تتآكل الحقوق الفلسطينية مع مرور الزمن.
تلك كانت السياسة الأميركية التي أمكن استنتاجها بعد ربع قرن على أوسلو ولكن الرئيس الجديد دونالد ترامب أحدث تحولاً هائلاً في تلك السياسة ليس لأنه يريد الحل بل لأن المسار الأميركي تجاه الصراع يؤدي أحياناً الى اغضاب اسرائيل لجهة التدخلات كما حصل مع الرئيس أوباما وبالتالي يريد التقدم أكثر باتجاه القاء ما يشبه القنبلة في سوق السياسة تقضي تماماً على خصوم اسرائيل أي حل يعقد الأزمة لصالح اسرائيل وتخرج منه منتصرة.
بلغته الشعبوية التي تليق به تصرف منذ البدايات شاهراً عدائه للفلسطينيين وآخرها اغلاق القنصلية والحاقها بالسفارة التي قرر نقلها للقدس وما بينهما من تسعة قرارات كل واحد منها أخطر من غيره كلها كانت تساهم في إنهاك الفلسطينيين بشكل كبير ليصلوا حد الاستسلام وفي كلتا
الحالتين يعني موتهم إما بقبول فتات ما يطرح وإما رفضه وبعدها اجراءات أكثر صعوبة والأهم انه يتحدث بفهلوية بأن لديه خطة سلام ....!
لا يمكن لعاقل أن يتصور أن الولايات المتحدة جادة في أي اتفاق سلام فمن يتخذ هذه المواقف ضد الفلسطينيين لا يصلح لأن يكون وسيطا وهو جزء من اليمين الاسرائيلي أو أداته التنفيذية وكل ما فعلته هو محاولة حشر الفلسطينيين في الزاوية تمهيداً للرفض المحقق لأن لا فلسطيني يمكن أن يقبل بما سيقدمه الأمريكان وهناك اجماع فلسطيني على ذلك فالمقدمات التي قامت بها الادارة الأميركية تدعو للقلق من خطتها.
ليس المقدمات فقط والتي كانت جمعها ضد الفلسطينيين بل أن طاقماً يضم كوشنير غرينبلات فريدمان معروف سلفاً ما سيقدمه لأن هذا الطاقم اليهودي القومية ويميني السياسة أكثر تطرفاً من اليمين في اسرائيل.
اذن نحن أمام ظروف عصيبة تعبنا من الكتابة أنها تتطلب تصليب وتصويب الموقف الفلسطيني أولاً ولكن الأهم أننا أمام ادارة أميركية معادية تحاول تطويع العرب والعالم لصالح مخططها الشيء والذي سنتحمل مسئولية افشاله ولكن اذا كانت الولايات المتحدة تمتلك القوة واسرائيل أيضاً فان للضعيف أيضاً قوته وهي كما قال باحث أميركي قوة قول "اللا" نحن أمام فوضى السياسة ورياحها العاتية فكيف سنقف أمامها..؟؟