نابلس - نبيل عمرو - النجاح الإخباري - بنظرة فاحصة لشكل ومحتوى الخطاب الإعلامي الذي تتبناه الطبقة السياسية في الضفة وغزة على السواء، نصل هذه الأيام الى حقيقة ان الخطاب انحدر الى الدرك الأسفل، ولا أغالي لو قلت أنه الأسوأ منذ صارت عندنا سياسة وبرامج وقوىً وحركة وطنية.
ومن يراقب من خارج المشهد المحلي، يرى ان الخطاب الإعلامي المتداول قسم الشعب الفلسطيني الى قسمين، فمن غزة تخوين لقطاع هام من الناس في الضفة، ومن الضفة تخوين لقطاع مماثل في غزة.
والمحصلة ان أحداً لا ينجو من الاتهام اما بالخيانة او ممالئة الخيانة، وإذا كان انفصال غزة عن الضفة على مدى اكثر من احدى عشرة سنة، كان التطور الكارثي الأخطر في مجرى القضية والكفاح الوطني، فإن انحدار الخطاب شكلا ومضمونا وعلى النحو الذي يملأ وسائل الاعلام هو الأخطر والاشد أذىً ليس فقط على الحياة الفلسطينية والالتزام والانتماء، وانما على الروح الفلسطينية التي كانت على الدوام نقية وبعيدة كل البعد عن شبهات العمالة والخيانة.
لقد امضينا كفلسطينيين ومنذ بداية نكبتنا عقودا من الزمن ونحن نحاول اقناع العالم بأننا جديرون بالحرية والاستقلال، وقادرون على تأسيس دولة ربما تكون من الأفضل بين الدول، ونجحنا في ذلك على نحو ملفت للنظر، ولولا وحدتنا وكفاءة شعبنا ونخبه المبدعة، لما وصلت قضيتنا الى ان تكون الأولى في العالم، ولما حقق حلمنا بإقامة دولتنا اجماعا عالميا شمل الأصدقاء والاعداء على السواء، غير ان الذي يجري الان من سجال اعلامي واتهامات بلا حدود أخلاقية او وطنية، يبدو كما لو انه يوجه رسالة اعتذار للعالم في وقت بدا لنا اننا صرنا قاب قوسين او ادنى من تحقيق الحلم.
ان الفلسطينيين في كل مكان وقد جاوز عديدهم العشرة ملايين، تتملكهم حيرة من فقدان البصر والبصيرة لمن يفترض انهم قادتهم والمسؤولون عن ايصالهم الى أهدافهم.
ان الخطاب الإعلامي هو التعبير الأقوى عن المستوى الحضاري لاي شعب من شعوب هذا العالم، فهل حقا ان شعبنا الفلسطيني الذي شهد العالم كله له بالتفوق في كل المجالات يستحق ان يبتلى بخطاب قوامه التخوين المتبادل والاتهامات والإدانات.
اننا وقبل ان نحتاج الماء والهواء، نحتاج الى اخلاقيات تنقي خطابنا من السموم وتفتح امام اجيالنا القادمة أبواب امل ورجاء بأن نعيد من جديد العصر الذهبي لخطابنا الوطني الذي كان بمثابة المفتاح الذهبي والسحري لدخول شعبنا كعضو جدير في العالم المتحضر.
اننا بحاجة الى ان تظهر من بين جموع هذا الشعب طليعة تقول كفى لهذا الهذر والافتراء والتمادي في الشطط، لأنه لو استمر خطابنا على الصورة التي نراها الان فالنتيجة لن تكون فقط ان ينفض العالم من حولنا بل ان ينفض شعبنا كذلك.